الصيام، وهو التقشف والامتناع عن الطعام أو الشراب أو كليهما لتأدية طقس شعائري لأغراض دينية أو أخلاقية أو صوفية أو غيرها، قد يكون الامتناع كاملاً أو جزئياً، لمدة طويلة أو قصيرة . وقد مورس طقس الصيام منذ العصور القديمة وفي جميع أنحاء العالم من قبل مؤسسي ومتبعي الديانات المختلفة، أو من قبل أفراد محددين ثقافياً كالصيادين أو المرشحين ل…طقوس التلقين المقدسة. وقد مارسه الأفراد أو المجموعات كتعبير عن احتجاجهم على ما يرون من انتهاكات للمبادئ الاجتماعية أو الأخلاقية أو السياسية.
في ديانات الحضارات القديمة، كان الصيام تدريباً لتجهيز المرء للتقرب للآلهة خصوصاً للقساوسة والكاهنات. ففي الأديان الهيلينية الغامضة كان يعتقد أن الآلهة لا تكشف عن تعاليمها المقدسة إلا في الرؤى والأحلام وبعد الصيام الذي يتطلب التفاني والإخلاص التامّين من المتعبدين (على سبيل المثال: العبادة للتقرب من اله الطب والشفاء أسقيبليوس). أما لدى شعوب البيرو في الفترة ما قبل الكولومبية، كان الصوم غالباً من متطلبات التكفير عن الذنب بعد اعتراف الفرد بخطاياه أمام الكاهن. في العديد من الثقافات الأخرى اعتبر الصيام وسيلة لتهدئة غضب الآلهة أو لإحياء الإله الذي يعتقد إنه توفي (كإله النبات).
في الديانات التقليدية للشعوب البدائية (الهنود في السهول العظمى في أمريكا الشمالية وشمال غرب المحيط الأطلسي) يمارس الصوم قبل وأثناء السعي للرؤيا أو الوحي. كذلك عرقية الايفينك والتي تسمى أيضاً ايفينكي وسابقاً التونغوس في سيبريا، يقوم الشامانيون وهم شخصيات دينية يعتقد بأن لديها القدرة على الشفاء والتواصل روحياً بتلقي الرؤى مبدئياً دون السعي إليها بل بعد إصابتهم بأمراض غير مفسرة، بعد تلك الرؤى الأولية يصوم الشامانيون لتدريب أنفسهم لرؤية المزيد والسيطرة على الأرواح. أما المجتمعات الكهنوتية كالهنود الحمر من جنوب غرب الولايات المتحدة فكانت تصوم قبل احتفالاتها الكبيرة المتصلة بالتغييرات الموسمية.
الصيام لهدف معين قبل أو خلال أوقات مقدسة ومحددة سمة تميز الغالبية العظمى من ديانات العالم. في العقيدة اليانية أو الجاينية على سبيل المثال فإن الصوم وفقا لقواعدهم الخاصة مع ممارسة أنواع محددة من أنماط التأمل يؤدي إلى حالة من النشوة والغشية التي تمكن الأفراد من النأي بأنفسهم عن العالم المادي والوصول إلى حالة من التسامي. أما الرهبان البوذيون في مدرسة ثيرفادا يصومون بعض الأيام المقدسة من الشهر تسمى uposatha.
في الصين قبيل عام 1949 كان من المعتاد أن نلحظ فترة محددة من الصيام والامتناع عن ممارسة الجنس قبل تقديم الأضحية في ليلة الانقلاب الشتوي، حيث يعتقد بأن يانغ الإلهي أو ما يعرف بالطاقة الايجابية تبدأ دورة جديدة. في الهند، رجال الدين الهندوس مبجلون لكونهم يصومون باستمرار لأسباب مختلفة.
أما بين الديانات الغربية، فوحدها الزراداشتية التي حرمت الصوم لاعتقادها بأن هذا الشكل من الزهد و التقشف لن يساعد أو يقوي المؤمنين في كفاحهم ضد الشر. باقي الديانات كاليهودية والمسيحية والإسلام فتؤكد على أهمية الصوم خلال فترة زمنية معينة.
الديانة اليهودية التي وضعت الكثير من القوانين الغذائية، يصوم معتنقوها عدة أيام سنوياً للتوبة، كعيد الغفران أو الحداد. الديانة المسيحية خصوصاً الروم الكاثوليك والشرق أرثوذكسيين يصومون أربعين يوماً قبل عيد الفصح، أصدر مجمع الفاتيكان الثاني لروم الكاثوليك عام 1962-1965 تعديلا يسمح بمزيد من الحرية الفردية حيث جعل صيام أول أربعينية الفصح المجيد ويوم الجمعة العظيمة واجبا. أما الكنيسة البروتستنتية فقد تركت خيار الصيام للفرد. بالنسبة للديانة الإسلامية فشهر رمضان المبارك هو شهر التوبة والصيام فيه تام من طلوع الشمس حتى مغربها.
بالإضافة لكون الصيام واجباً دينياً، فإنه يمكن أن يستخدم كتعبير عن وجهات النظر السياسية والاجتماعية لا سيما إن كان احتجاجاً أو تضامناً، وكمثال كلاسيكي على ذلك، قام مهاتما غاندي في أوائل القرن العشرين بالصيام تكفيراً عن التجاوزات العنيفة التي قام بها أتباعه ضد الحكم البريطاني في الهند، حيث أنهم لم يطبقوا تعاليمه المسماة ” آهمسيا” أو اللاعنف. صام غاندي في وقت لاحق سعيا لتحقيق أهداف مماثلة بما في ذلك إزالة المعوقات التي تفرضها الحكومة على الطبقات الدنيا.
مورس الصيام بشكل متكرر كاحتجاج على الحروب والشرور والظلم الاجتماعي، كصيام الممثل الأمريكي الأسود ديك غريغوري في الستينات احتجاجاً على انتهاك الحقوق المدنية للهنود الحمر واحتجاجاً على النشاط العسكري الأمريكي في جنوب شرق آسيا. في عام 1981توفي 10 من القوميين الايرلنديين جوعا في سجن بلفاست بعد التوقف عن إطعامهم لإجبارهم على الاعتراف عن أنفسهم وشركائهم.
المصدر: هنا