الرئيسية / معلومات عامة /  فايروس كورونا يقتل العولمة كما نعرفها

 فايروس كورونا يقتل العولمة كما نعرفها

بقلم: فيليب ليجراين

بتاريخ: 12 مارس 2020

لموقع: foreign policy

ترجمة: محمد الدباغ

تدقيق: ريام عيسى 

تصميم الصورة: امير محمد

تفشي الفايروس قد كان بمثابة هدية لكل من القوميين والوطنيين وانصار حماية الناتج المحلي. ومن المتوقع أن يكون له تأثير طويل الأمد على حرية حركة الناس والبضائع.

 

حتى الآن، اغلب المستثمرين وصناع السياسات كانوا قد بقوا راضيين عن التأثير الاقتصادي المحتمل لأزمة فايروس كورونا. ولكن في أواخر فبراير، معظمهم أخطأ الاعتقاد بأن الفايروس سيحمل تأثيراً محدوداً مركزاً على الصين فقط. اما الآن فقد أدركوا أنه يولد صدمة عالمية، قد تكون حادة لكن لا يزال يتوقع أنها قصيرة الأمد.

لكن ماذا لو كان لهذه العرقلة الاقتصادية تأثير مستمر؟ هل بإمكان جائحة فايروس كورونا أن تكون المسمار الاخير في نعش عصر العولمة الحالي؟

 

ازمة كورونا قد اوضحت لنا سلبيات التكامل الدولي واسع النطاق، بينما يزداد قلق الأجانب وتوفير شرعية للقيود الدولية الموضوعة على التجارة العالمية وحركة البشر.

 

 أدركت جميع انواع الشركات الآن مخاطر الاعتماد على سلاسل التجهيز العالمية المعقدة المحددة بالصين – ليس بشكلها العام فقط وإنما بأماكن محددة فيها مثل مدينة “ووهان” التي كانت مركز الوباء-. قد تغيرت وجهة نظر العامة إلى الشعب الصيني- بالإضافة إلى الشعب الإيطالي والإيراني والكوري وغيرهم- واصبحوا بمثابة ناقلين للمرض. حتى قام بعض من الأعضاء المحنكين  للحزب الجمهوري في الولايات المتحدة بتسمية المرض ب”الفايروس الصيني”.

 

في هذه الأثناء، باشرت حكومات مختلفة بالإسراع إلى فرض حظر على السفر وإضافة المزيد من المتطلبات للحصول على تأشيرات الدخول إلى البلاد، هذا مع وضع قيود اضافية لعمليات التصدير.

إن حظر السفر على الرحلات القادمة من معظم أجزاء أوروبا الذي قام الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالإعلان عنه يوم 11 من مارس، يمكن وصفه بواسع النطاق و لكن ليس بالفريد من نوعه. كل هذه القيود تقوم الآن بجعل الاقتصاد والسياسة اكثر وطنية من ذي قبل.

 

اغلب هذا الاضطراب قد تكون مؤقتة، ولكن من الأرجح أن بكون لأزمة فايروس كورونا أثر ممتد، خاصة عندما تقوم بدعم عدد من النزعات التي كانت قد بدأت بالفعل بتقويض مبدأ العولمة.

قد تقوم هذه الازمة ايضاً بتوجيه ضربة لسلاسل التوريد الدولية المجزئة, مع تقليل الحركة المفرطة للمسافرين من رجال الأعمال على مستوى العالم وتوفير هراء للوطنيين الذين يفضلون حماية الناتج المحلي والسيطرة على الهجرة.

 

سلاسل التجهيز العالمية المعقدة المبنية على كون الصين مركزها والتي تقوم معظم الشركات الغربية بالاعتماد عليها معرضة الآن بشكل خاص للخطر. فالفوائد النقدية للإنتاج في الصين كانت قد بدأت بالتأكل في السنين الماضية نتيجة زيادة ثروة البلد وارتفاع اجور العمال فيه.

برزت هذه المخاطر عند وضع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب العقوبات التعريفية على الواردات الصينية في الاعوام 2018 و 2019، مما قاد الشركات إلى الصراع على وسائل بديلة متوفرة.

 

بينما قامت صفقات شهر يناير بخلق هدنة هشة في الحرب الاقتصادية بين الصين والولايات المتحدة، فإن مخاطر الإنتاج في الصين لا زالت باقية. بالإضافة إلى زيادة نظرة كلا الحزبين الديمقراطي والجمهوري للصين في كونها منافس استراتيجي بعيد الأمد يجب القيام باحتوائه. وبمجرد بدأ الحرب الاقتصادية بين البلدين بالبرود قام فايروس كورونا بالتدخل.

الإغلاق الممتد للعديد من المصانع الصينية قام بدفع قيمة صادرات البلد لأول شهرين من العام الجديد للانخفاض بنسبة 17% مقارنة مع العام السابق. بالإضافة لقيامه بعرقلة إنتاج عدد من البضائع الاستهلاكية مثل السيارات الأوروبية، أجهزة الآيفون وغيرها.

 

الجمود شيء قوي. و لازال هناك عدة مميزات للإنتاج في الصين، مثل المقاييس وكفاءة الخدمات اللوجستية. ولكن قد تحدد ازمة فايروس كورونا نقطة تحول لحث الكثير من الأعمال على إعادة هيكلة سلاسل تجهيزهم وزيادة إستثمارهم في أنماط انتاج محلية اكثر مرونة.

 

احد الخيارات المطروحة هو نقل وتنويع العمليات الإنتاجية على عدد من الاقتصادات الآسيوية الأخرى، مثل فيتنام واندونيسيا. خيار اخر هو القيام بتقصير سلاسل التجهيز، فمع قيام الشركات الامريكية بنقل انتاجها إلى المكسيك وقيام نظرائهم الأوروبيون بالنقل إلى اوروبا الشرقية او تركيا.

ثالث خيار هو الاستثمار في الروبوتات وتقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد ضمن الاقتصادات المتقدمة، للقيام بالإنتاج محلياً بشكل اقرب للزبائن.

 

من. النتائج الاخرى الممتدة لأزمة فايروس كورونا قد يكون خفض عدد رحلات العمل. فقد جادل خبراء التكنولوجيا منذ فترة طويلة على أن تطبيقات المراسلة ومكالمات الفيديو سوف تستبعد الحاجة لأغلب رحلات السفر للأعمال، مع امكانيتها في السماح للعديد من الموظفين على زيادة العمل من منازلهم. لكن حتى مجيء ازمة فايروس كورونا فإن قطاع رحلات السفر من اجل الأعمال كان في نمو مستمر من غير المتوقع ايقافه.

 

لكن الآن، سواء كان هذا بسبب حظر السفر التي قامت به حكومات العالم او بسبب قرارات تجارية، او مجرد حذر الأفراد إلا أن كل رحلات العمل -ما عدا الأساسية- قد تم إلغائها، وعدد الموظفين العاملين من منازلهم في ازدياد.

 

وبفضل هذا الإيقاف القسري للسفر، فقد تكتشف الشركات أنه على الرغم من أن الإجتماعات ذات الطابع الشخصي -وجها لوجه- ضرورية في معظم الاحيان، إلا أن البدائل التكنولوجيا قد تكون كافية – بالإضافة إلى رخصها الشديد وعدم استهلاكها للوقت، وذلك بغض النظر على أن تلك الرحلات بإمكانها أن تكون مضرة للحياة العائلية لدى العمال.

وفي وقت يزداد به القلق على تأثير الانبعاثات الغازية من الطائرات على مناخ الكوكب، ورغبة العديد من الشركات بتسليط الضوء على وعيهم البيئي والتزامهم بتحسين مناخ الكوكب، فهناك اسباب بيئية واقتصادية على انخفاض عدد رحلات سفر الأعمال.

 

ربما ومن الأهم أن ازمة فايروس كورونا تعطي فرصة لأنصار حماية الناتج المحلي وللوطنيين الذين يدعمون سيطرة اكبر على التحكم بالهجرة.

سرعة و نطاق انتشار الفايروس في كل انحاء العالم قام بتسليط الضوء على نقاط ضعف الناس عند النظر إلى التهديدات الخارجية البعيدة.

فهذا الفايروس لم ينتشر فقط في المحاور العالمية مثل لندن ونيويورك. فقد قفز ايضاً إلى مدن المقاطعات مثل “دايغو”، رابع اكبر مدينة في كوريا الجنوبية، بالإضافة إلى بيوت الرعاية في ضواحي سياتل، و حتى في بلدات صغيرة مثل “كاستيليوني دي أدا” (تعداد السكان: 4600 نسمة) واحدة من عشر بلدات في اقليم لومباردي التي قامت السلطات الايطالية بحجرها في فبراير.

 

بينما قام بعض القادة من ذوي التفكير الدولي بالتحدث عن ضرورة الحاجة للتعاون عبر الحدود لمواجهة هذا التهديد المشترك غير المسبوق، إلا أن افعالهم قد ناقضت هذا في معظم الأحيان.

و إن الكثير من الحكومات التي تدعي كونها ليبرالية قاموا بوضع قيود اشد على السفر والتجارة من التي تجرأ ترامب بفرضها في أوج نزاعه مع الصين في العام الماضي.

 

جاسيندا ارديرن رئيسة وزراء نيوزيلندا اليسارية، كانت سريعة لمنع المسافرين القادمين من الصين غير ذوي الجنسية النيوزلندية من دخول البلاد. بينما من او من غير الممكن تبرير هذا الحظر الكامل على اساس الصحة العامة، إلا انه يوفر شرعية اكبر لأولئك الذين ينظرون إلى غلق الحدود كحل لكل المشاكل.

 

حتى ضمن الأتحاد الأوروبي و سوقهم الواحد الخالي من العوائق الظاهرية، فقد قامت فرنسا والمانيا بمنع تصدير الكمامات، مع ادعاء رؤساء كلا البلدين -الرئيس إيمانويل ماكرون و المستشارة انجيلا ميركل- بأتباعهم مبدأ الأممية والتزامهم بالاتحاد الاوروبي. والصادم  هو عدم رد اي من رؤساء الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي البالغ عددهم 26 رئيس إلى مناشدة إيطاليا العاجلة لمساعدات طبية – على الرغم من قيام الصين بالرد.

 

يجب علينا الاعتراف بأن ازمة فايروس كورونا قامت بكشف فراغ ادعاءات القوميين وتأكيداتهم أن سياستهم ضد الهجرة وحماية الناتج المحلي سوف تجعل الناس اكثر آمناً.

على الرغم من أن الائتلاف القومي الذي يدير مقاطعة لومباردي الحكومية هو بقيادة حزب ماثيو سالفيني اليميني المتطرف، إلا أنه لم ينجح في حماية المنطقة من فايروس كورونا. ولا ترامب وبالرغم من رغبته الإنفصال عن الصين، إلا أنه لم يستطع النجاح في ايقاف وصول الفايروس إلى الولايات المتحدة.

 

لكن ترامب قد يدفع  ثمن لا مبالاته وسوء إدارته لأزمة الصحة عامة عند الانتخابات الرئاسية في شهر نوفمبر. وبشكل اوسع فإن ازمة فايروس كورونا قد كانت بمثابة هدية سياسية لكل من القوميين الوطنيين وأنصار حماية الناتج المحلي.

 

لقد زاد من تصورات الناس على أن الأجانب تهديد. وأكد على أن البلدان الواقعة في ازمة لا يمكنها دوماً الإعتماد على جيرانها وحلفائها للمساعدة.

 و مع قيام الهند بحد صادراتها من الأدوية المنقذة للحياة من قطاعها الدوائي الواسع، فأن هذا يوفر ذخيرة لأولئك الذين يسعون إلى زيادة الإنتاج المحلي من جميع أنواع المنتجات على أسس الأمن القومي.

وبشكل اوسع، فقد تزيد من قوة أولئك الذين يؤمنون بحكومات قوية، ووضع أولوية وحاجة المجتمع قبل الحريات الفردية ووضع المبادرة الوطنية فوق التعاون الدولي.

 

 كنتيجة، فإن ازمة فايروس كورونا تهدد بأن تقودنا إلى عالم اقل عولمة. وفور انتهاء الجائحة والذعر، أولئك الذين يؤمنون بأن الانفتاح على الناس والمنتجات من جميع ارجاء العالم هو شيء جيد سيتوجب عليهم أن يثبتوا وجهة نظرهم بطرق جديدة ومقنعة.

 

المصدر: هنا

عن

شاهد أيضاً

من يفضل إيلون ماسك.. نيكولا تسلا أم توماس أديسون؟

كتبه لموقع Big Think: بول رينتر منشور بتاريخ: 04 شباط 2019 ترجمة: وميض صباح تدقيق: …

هكذا يكون البلد النسوي

بقلم: مايا سلام ترجمة: زينب عبد محمد تدقيق: ريام عيسى تصميم الصورة: اسماء عبد محمد …