لقرون عديدة أستمر النقاش حول طبيعة الحقائق الرياضية، في ما إذا كانت حقائق موجودة يتم إكتشافها -مثلها مثل الحقائق العلمية- أم أنها ببساطة مجرد ابتكارات أتت بها عقول الرياضياتيين العظماء. لكن هناك سؤال لكل جانب من جانبي النقاش، بالنسبة لأولئك الذين يعتقدون أن الحقائق الرياضية مجرد أمور موجودة نبحث عنها ونكشفها، أين بالضبط، نبحث عنها؟ ولمن يقف على الجانب الأخر من المجادلة ويعتقد أن الحقائق الرياضية مجرد ابتكارات، فلماذا لايخرج علينا رياضياتي ويقول لقد ابتكرت إن 2+2 يساوي 5؟!
هذا السؤال يبرز على السطح بين الحين والأخر، مثل حوت يخرج إلى سطح المحيط ليستنشق الهواء النقي بين فينة وأخرى، معظم علماء الرياضيات تركوا هذا المشكلة ليناقشها الفلاسفة وانشلغوا بإثبات مبرهناتهم. مع ذلك، فقد ظهر هذا الحوت الرياضي مرة أخرى على السطح بفضل عدد حزيران من النشرة الإخبارية للمجمع الرياضي الأوربي (European Mathematical Society Newsletter)*
إذا كنت مهتم بالموضوع وتحب الانضمام للجدل فربما تجد ما يثيرك في نظرية افلاطون. يرى الفيلسوف الإغريقي الكلاسيكي افلاطون إن الرياضيات هي عالم كامل مستقل نقوم نحن باكتشافه. وهو ما يسند الهيكل الذي يقوم عليه عالمنا المادي. وقد كان يعتقد افلاطون أن اتباع المنطق الرياضي الصارم يُمكننا من فهم الحقائق باستقلال تام عن الملاحظة البشرية وعن الطبعة المادية المؤقتة للعالم الفيزيائي.
يقول أولف بيرسون (Ulf Persson) من جامعة شالمرز للتكنلوجيا في السويد وهو افلاطوني كما يصف نفسه: “العالم المجرد الذي يعمل فيه الرياضياتي، تربطه به علاقة من الألفة أكثر واقعية من علاقته بالكرسي الذي يجلس عليه”
وعلى الرغم من إن باري مازور (Barry Mazur) من جامعة هارفرد لايقدم نفسه على أنه أفلاطوني إلا أنه يقول بأن وجهة النظر الأفلاطونية متوافقة مع خبراته في التعامل مع الرياضيات. حيث يقول أن الأحساس في العمل على مبرهنة يمكن أن يشبه عملية الصيد وجني الثمار لكن صَيد وثمار رياضياتية هذه المرة.
كما يتحدث مازور عن الرؤية الأخرى ويتسائل،إذا كانت الرياضيات موجودة هناك في الخارج وتنتظر من يكتشفها، من أين أتت وكيف تطورت هذه الأسس الرياضاية التي على أساسها يتم “الصيد وجني الثمار” الرياضية. ماذا عن وجود فكرة مجردة ثم تم تطويرها بصورة غير مُتخيلة من قبل البشر، ثم يضيف إن وجهة النظر الإفلاطونية هي “وجهة نظر إيمانية بالكامل”.
في مقال له بعنوان “لتموت الإفلاطونية” كتب الرياضياتي بريان ديفز (Brian Davies) من كلية كنغز كولدج: “الافلاطونية لديها من القواسم المشتركة مع الأديان الغامضة أكثر من العلم الحديث” وإن العلم الحديث، كما يعتقد ديفز، يقدم الأدلة على أن الافلاطونية مجرد خطأ عادي.
ويبقى السؤال إذا كانت مبرهنة رياضية ما غير معروفة، هل يعني هذا إنها موجودة حقاً؟ ربما سيكون القادم: “هل سَيُحدِث سقوط شجرة في غابة صوتاً إذا لم يكن هناك مَن يَسمع؟”
—————
*تأريخ نشر المقال الأصلي 28/4/2008
المصدر: هنا