الرئيسية / ثقافة / الأعمال الروتينية للأدباء ومشاهير الكُتّاب في العالم – جـ2

الأعمال الروتينية للأدباء ومشاهير الكُتّاب في العالم – جـ2

«الكاتب الذي ينتظر الظروف المثالية للكتابة؛ سيموت دون أن يخُطّ على بياض الورق أيَّ كلمة».

نشرت كورت فيرغن Kurt Vonnegut مؤخرًا مقالًا عن الأعمالِ الروتينية التي يقوم بها بعضُ كُتّابِنا المحبوبين، والطريقةِ التي ينظمون بها أيامَهم وكتاباتِهم. وقد انتخبتُ مجموعةً من المقابلات القديمة من مختلف اليوميات المحفوظة في أرشيف مجلة (باريس)، وقمت باستسقاء حفنةٍ من الأعمال الروتينية لبعضِ كُتّابيّ المفضَّلين. أتمنى أن تتمتعوا بالاطّلاع عليها.

• إرنست همنغواي Ernest Hemingway:

hemingwayscats1

الذي كتب رائعتَه المشهورة «الوقوف»، – كان (همنغواي) يقف عندما يكتب على زوجٍ من جلد البقر الوحشي البالية، وكانت الآلة الطابعة ومكتب القراءة يصلان إلى أعلى صدره – الذي أودع فيه نهجَه الواضح وصياغتَه المميزة، بشكل متعادل مع موهبتَيْه الشعرية والبراغماتية الفذتين. وقد ذكر أنه:

 

«كنتُ أحرصُ دائما حين أشرع بالعمل على كتاب أو قصة أن أبدأ مع الضياء الأول للنهار كلما كان ممكنا، حيث لا يوجد من يزعجك وتتمتع بالسكينة وذلك البرد الجميل الذي يتلاشى بدفء ما تكتب. تقرأ وتراجع ما قد كتبتَه وتقف هنيهة حين تعلم ما الذي سيحدث لاحقا. ستبدأ من تلك الحالة، ستكتب حتى تصل لمكانٍ لا يزال موجودًا به عصيرُك الخاص، وتعلم ما سيحدث بعدها  لكنك ستتريث قليلا، تقف لتعيش الأحداث مع حروفك حتى اليوم التالي حين تعاود الكتابة ثانيةً.

 

عليك النهوضُ والبدءُ مبكرا، لنقُل من الساعة السادسة صباحا حتى الظهيرة أو قبل ذلك قليلا. تقف عن الكتابة حين تحس أنك فارغٌ من المشاعر، وبنفس الوقت مشاعر العالم تملؤك كما هو الحال حين تمارس الحب مع شخصٍ تعشقه. حينها لا شيء يمكن أن يسوؤك، لا شيء يمكن أن يحدث ولا شيء يعني لك، حتى اليوم التالي حين تقارب كتابَك مرة أخرى. الانتظار حتى اليوم التالي هو من أصعب العقبات التي لا بد وأن نحياها».

 

• دون ديليلو Don DeLillo:

dondelillo1

استعرض في مجلة باريس سنه 1993 حول هذا الموضوع  قائلا:

 

«أبدأُ يومي بالكتابة طوال فترة الصباح على الآله الكاتبة لمدة أربع ساعات، ثم أمارس رياضة الركض للمساعدة بالتخلص من بقايا عالم الكتابة والولوج في عالمي الحقيقي. تشكِّل الأشجار والطيور ورذاذ الهواء نوعًا من فاصلة لطيفة؛ تشجعني على العمل مرة أخرى في وقت لا حق  من الظهيرة لمدة ساعتين أو ثلاث. وبالعودة إلى وقت الكتاب فإنه يمضي بشفافية وكأنه نسمة رقيقة. لا أتناول به أي وجبة خفيفة أو قهوة، ولا حتى سجائر، لقد أقلعتُ عن التدخين منذ زمن طويل. الفضاء حولي نظيف والمنزل هادئ.

 

إن الكاتب يقوم بتدابيرٍ كثيرة لتأمين عزلته، ومن ثَم يبحث عن طرقٍ أكثر لتبديدها. ينظر من النافذة، يقرأ مقالاتٍ عشوائية في القاموس. ولكسر التعويذة؛ أنظرُ إلى صورة (بورخيس – Borges)؛ وهي صورة كبيرة أهدانيها الكاتب الأيرلاندي (كولم – Colm Tóín)، حيث يظهر وجه (بورخيس) على خلفيةٍ داكنة  ليظهر بجلاء تلك النظرة الشرسة العمياء، وفتحة منخاره وتقرنات جلدة المشدود، وذلك الفم الذي يكتنز حياة بصورة مثيرة للدهشة وكأنه قد رُسم. يبدو لي وكأنه شامانًا قد رُسِم عن طريق الرؤى. كل ملامح ذلك الوجه تبدو وكأنها تحظى بنشوة الفولاذ.

 

لقد قرأتُ لبورخيس بكل تأكيد، لكن ليس كل أعماله. كما أنني لا أعلم عن كيفية جدولته للكتابة. ولكن تلك الصورة تظهره ككاتب لم يُضِع وقته بالنظر إلى النافذة أو إلى أي مكانٍ آخر. لذا حاولت جهدي أن أجعل منه رمزي المبدِّد للخمول والانحراف, ودليلي إلى عالم السحر والفن وقراءة القادم.

 

• بنجامين فرانكلين Benjamin Franklin:

benfranklin

أما ذلك المهووس بالإنتاج فقد كان له جدول يومي روتيني صارم لما يقوم به:

 benfranklindaily

 

• هاروكي موراكامي Haruki Murakami:

يؤمن بالاتصال بين العقل والجسم لدى بعض المبدعين على مر التاريخ :

«عندما أكون في مزاجٍ جيد للرواية؛ أنهضُ الساعة الرابعة صباحا, وأعمل على مدى خمس أو ست ساعات. أما في فترة ما بعد الظهر فأركض حوالي عشر كيلومترات، أو أسبح لـ1500 متر, أو أقومُ بكلا الأمرين معا. بعدها أقرأُ قليلا أو استمع لبعض الموسيقى. ثم أذهب إلى  الفراش في الساعة التاسعة مساءً. وأظل على هذا الروتين كل يم دون تغيير. التكرار نفسه يصبح الشيء المهم, أنه شكل من أشكال الاستمرارية. أنا أُبهرُ نفسي لأصل إلى أعمق حالٍ من الوعي».

 

• وليام جيبسون William Gibson:

williamgibson

يروي لمجلة باريس في عام 2011:

 

«أستيقظُ في السابعة صباحًا وعندها أبدأُ بالكتابة. أتفقدُ بريديَ الإلكتروني وأقوم بجولة علي الإنترنت كما هي عادة هذه الأيام. أتناولُ كوبًا من القهوة. وأًقصد (بيلاتيس) لثلاثة أيام وأرجع المنزل في العاشرة أو الحادية عشر. بعدها أجلسُ محاولا الكتابة. أما إذا لم يحدث شيء على الإطلاق سأسمح لنفسي بتشذيب العشب. ولكن عموما؛ مجرد الجلوس والمحاولة الحقيقية ستمنحني البداية. أرتاح قليلا في فترة الغداء لأعود بعدها لكتاباتي، ثم القيلولة. والقيلولة  شيء مهم وأساسي لعملية الكتابة. لا أحلام طبعا, لكن تلك الحالة من النوم حيث ينشط العقل للعمل والاستيقاظ.

 

وكلما تعمقتُ أكثر بالكتاب يصبحَ أكثر تطلبا. في البداية؛ أعمل لخمسِ أيام أسبوعيا بمعدل خمس إلى عشرة ساعات، مع استراحةٍ للغداء والقيلولة. أما حين تحل النهاية فستكون الكتابة لسبعة أيام أسبوعيا، وبمعدل اثنتي عشرة ساعة من العمل المتواصل.

 

في نهاية الكتاب؛ تكون حالة الانتهاء معقدة جدا، مثل معادلة كيميائية ستزول وتنتهي تفاعلاتها إذا لم أرفدها بما تحتاجه، وهو ببساطة أن أكتب بشكلٍ متواصل وبكل وقت. ويُعَد الاستيقاظ مشكلةً أكبر من مجرد النوم ببساطة, ودائما ما أكون سعيدا بعودة النوم من جديد.

 

 

• مايا أنجيلو Maya Angelou:

mayaangelou

شاركَت يومَها مع مجلة (باريس) في لقاءٍ أجرَتْه عام 1990:

 

«أكتبُ صباحا، ثم أعود إلى منزلي حوالي منتصف اليوم للاستحمام. لأن الكتابة كما تعلمون فعلٌ شاقٌ جدا, لذا عليك القيام بجهد مضاعف. بعدها أذهبُ إلى المتجر لأني طباخة ماهرة جدا وأتظاهر بأنني طبيعية كالآخرين. ألعب دوما دورَ الإنسان العاقل لأردد هذه العبارات (صباح الخير- جيد – شكرا وأنت؟). أرجع إلى منزلي وأحضر لنفسي العشاء. أما إذا صادف أن قصدني بعضُ الضيوف؛ حينها أوقد الشموع والموسيقى الجميلة ستملأ البيت.

وبعد نقل جميع الأطباق أراجع ما كنتُ قد كتبته في ذلك الصباح. وأغلب الأحيان أكونُ قد كتبت تسعَ صفحات، ولكن بعد المراجعه والتمحيص سأكون قادرة على إنقاذ صفحتَيْن ونصف أو ثلاث على الأكثر. وهذا بالضبط أقسى وقت, حين تضطر أن تعترف أن هذا لم يعد يجدي وأن عليك أن تحبّر ما كتبت. عندما أنتهي من قراءة خمسين صفحة  – كمّية مقبولة طبعا – فهذا ليس سيئا.

لقد كان لي نفس المحرر منذ عام 1967, دائما ما يقول لي أو يسألني كل هذه السنوات: لماذا أستخدمُ فاصلةً منقوطة بدلا من الفراغ؟ وكانت أجوبتي على مدى الأعوام المنصرمة: لن أكلمك ثانية أبدا أو شكرا جزيلا وأغادر، هذا فقط. بعدها اقرأ التصحيحات وأراجع قصتي لأفكر باقتراحاته. حينها أُرسلُ له برقية تقول: حسنا لقد كنت محقا, وماذا في ذلك؟ لا تذكر هذا لي مرة أخرى لأني حينها لن أكلمك ثانية.

أتذكر قبل عامين كنت أزورُه وزوجته في هامبتونز. كنتُ أجلس للعشاء في نهاية طاوله محاطة بأربعة عشر شخصا, وقلت لشخص قريب مني: لقد أرسلتُ برقياتٍ على مر السنين, فأجابني من الجهة المقابلة: ولقد احتفظت بكل واحدة من تلك البرقيات الغاشمة، ولكن التحرير ووجهة نظر المحرر بالكتابات هما الأكثر أهمية».

 

 

• أنيس نين Anaïs Nin:

لاحظت في تعليقها عام 1941 بين قوسين في ذلك في المجلد الثالث من مذكراتها:

«أكتب قصصي صباحا, ومذكراتي خلال الليل. كما أضافت في المجلد الخامس سنه 1948: «أنا اكتب كل يوم، وأفضل أعمالي كانت في الصباح».

 

• كورت فونيغوت the Kurt Vonnegut:

nin

كان ملهما للجميع، حيث سجّل في رسالة إلى زوجته عام 1965:

 

«في مثل حياتي المبعثرة؛ ينظم النوم والجوع والعمل أنفسهم بأنفسهم دون استشارتي. أحس بالسعادة أن مثل هذه الأفعال لا تشاورني بتلك التفاصيل المملة. لقد جدولوا أنفسهم كما يلي: الاستيقاظ في تمام الخامسة والنصف، والعمل حتى الثامنة. أتناول إفطاري بالمنزل ثم العمل للعاشرة صباح. المشي لعدة أمتار إلى المدينة بلا مهمات تذكر. أنتقلُ إلى المسبح المجاور وأتفرغ لنصف ساعة من السباحة ثم العودة إلى الديار. في الساعة الحادية عشر وخمس وأربعون دقيقة أقرأ بريدي الإلكتروني, ثم أتناول غدائي بالظهيرة وأقوم بأداء واجباتي المدرسية؛ إما تعلم أو إعداد.

 

أرجع من المدرسة حوالي الخامسة والنصف وأقصد إحدى الحانات. أُعِد العشاء وأقرأُ وأصغي إلى موسيقى الجاز – الكثير من الموسيقى الجيدة تُبث من الراديو هنا -. أذهب إلى النوم في العاشرة. أقوم بتمارين السحب والبطن طوال الوقت. أشعر كما لو أني أمر بفترةٍ عجاف, وربما أكون مخطئًا. الليلة الفائتة قرر كلا من الوقت وجسدي أن يأخذاني إلى أحد دور السينما. شاهدت (مظلات شيربورج – The Umbrellas of Cherbourg). كانت وتيرتها صعبة عليّ. كان يأسى لها القلب بالنسبة لرجل بلا قرار أو شعر بمتوسط العمر مثلي. لا يهم, فأنا أحب أن يكون قلبي مكسورًا».

الجزء الأول: هنا

المصدر: هنا

عن

شاهد أيضاً

كيف تركز على شيء واحد فقط

نشر في: موقع فوكس تأليف: ريبيكا جينينغس بتاريخ: 4 سبتمبر 2019 ترجمة: مازن سفان تدقيق …

هل تجعلنا قراءة قصص الخيال أشخاصاً أفضل؟

تقديم: كلوديا هاموند ترجمة: ياسين إدوحموش تصميم الصورة: امير محمد كل يوم يُباع أكثر من …