الرئيسية / معلومات عامة / لماذا يبدو الأطفال وأشياء اخرى أيضاً ساحرين بجمالهم لنا؟

لماذا يبدو الأطفال وأشياء اخرى أيضاً ساحرين بجمالهم لنا؟

________________________
ترجمة: غدير حسين
مراجعة: عمر أكرم المهدي
البوستر: مصطفى خالد
________________________

هل تعلم يا تُرى ما السّر في جمال الأشياء؟ الاطفال والشّخصيات الكرتونية والأرانب – جميعها يُعدّ جميلاً وفاتناً، لربما باستثناء بعض الاطفال حديثي الولادة. الغريب في الأمر هو ما يجعلنا نجد هذه الاشياء جميلةً لا سيّما حين نأخذ بنظر الاعتبار أنَّنا نعد اشياءاً معينة بأنّها جميلة واخرى لا.

لا بدَّ أن هناك جانباً علميّاً لهذا الأمر وأساساً في علم الأحياء التّطورية. لم يزلْ العديد من العلماء والمختصّين يفكّرون في السّبب الذي يجعلنا نحن البشر نميل الى ايجاد الجّمال والسّاحرية في الافراد الصّغار من ابناء نوعنا نفسه – بل حتى في أفراد الأنواع الحيّة الاخرى احياناً -. نعم تمَّ التوصّل الى قناعةٍ واحدة، بالاتّفاق أنَّنا نجد هذه الجّمالية في الاشياء بحكم طبيعتنا. لكن لماذا؟

لربّما يجب علينا ان ندرك أولاً، ما الذي يجعل الأشياء جميلةً. وهذا ما فعله عالم الاحياء والسّلوك النّمساوي كونراد لورنز “Konrad Lorenz” في منتصف القرن الماضي. وذلك عندما اختار ان يكرّس نفسه لدراسة السبب الذي يجعل الأشياء تبدو جميلةً بدل ان يعمل كأخصّائي نفساني نازي في معسكرات الاعتقال النّازية في الحرب العالمية الثانية. لقد توصّل لورنز الى ما يُسمّى بالـ (كيندرسكيما “kinderschema”) وهي مجموعة الصّفات التي تجعلنا نجد شيئاً ما جميلاً وفاتناً حال توافرها فيه. هذه الصفات، كما وصفها مؤسّس علم السّلوك البشري النّمساوي إرنيَس أيبل-أيبسفيدلت “Irenaus Eibl-Eibesfedlt” والذي أسهم أيضاً في نجاح دراسة لورنز للجّمالية، هي كالتّالي:
‘‘ (أ) رأس كبيرة نسبةً الى الجّسد، رأس مدوّرة؛ (ب) جبهة كبيرة، وبارزة؛ (ج) عينان كبيرتان نسبةً الى الوجه، عينان تقعان تحت خط التّنصيف الافقي للرأس؛ (د) وجنتان مدوّرتان وبارزتان؛ (هـ) جسد مدوّر الشّكل؛ و (و) سطوح جسديّة ناعمة ومرنة.’’

اذن ما قام به علماء السّلوك هو دراسة صفات وخصائص الأطفال والصّبية وجمعها تحت شرحٍ مختصر ومن ثمّ اعطائها تسمية ألمانية. قد لا يبدو هذا عملاً شاقاً للغاية. لكن سعي علماء السّلوك وعلماء الأحياء التّطورية الذين أخذوا على عاتقهم دارسة وتحليل الجّمالية لم يتوقف ببساطة عند معرفة الصّفات الجّميلة والفاتنة – السّؤال المهم الذي يحتاج الى إجابة هو لماذا نجد هذه الصّفات جميلةً؟

النّظرية السّائدة تقول بأنَّنا مجبولون على فعل ذلك (أو أنَّنا نتعلّم تلقائياً وبدرجةٍ كبيرة من المرّة الاولى التي نواجه فيها شيئاً ما بهذه الصّفات). استناداً الى مفاهيم علم الأحياء التّطورية، والتي تأخذ على عاتقها تفسير الجّمالية، فإن ردّ فعلنا عند مشاهدة ما نعدّه جميلاً وفاتناً – وهي جاذبية وقائية (أي تميل بنا الى حمايتهم) ولا جنسيّة (لدى أغلب النّاس) وسلْمية – مبنيّةً أساساً على حاجتنا لرعاية الأطفال البشريين من قبل البالغين. بخلاف صغار باقي الأنواع من الأحياء والتي لها القدرة على العناية بنفسها بعد فترةٍ قصيرة أو مباشرةً بعد ولادتها، فإنّ الأطفال البشريين يحتاجون الى الاهتمام للحفاظ على حياتهم ونموّهم؛ يجب أن يتم اطعامهم وحمايتهم جسدياً، وتقديم كل ما يفعله الآباء لأبنائهم لهم.

الآباء والأمّهات ليسوا الوحيدين في قدرتهم على الاهتمام بالأطفال، أي انسان يمكنه القيام بهذا ولذا فنحن مجبولون على الاستجابة بطريقةٍ مماثلة للأطفال حتى اذا كان الموكولون منا بهذه المهمة بُتْراً (لا أطفالَ لهم) فقد ينتهي بهم المطاف الى إيجاد انفسهم في مواقف كوميديّة وبموقع المسؤولية في الاهتمام بطفلٍ ما يعود لأحد اقربائهم وان بعُدت صلة القرابة. اذ لن نمتنع عن الاهتمام بالأطفال المحتاجين في مثل هذه المواقف وجزء من ذلك يُعزى الى أنَّنا نجدهم جذابين وفاتنين ولهذه النّزعة دور إيجابي مساعد في حياة الأنواع الحيوانية.

فالأطفال إذن يُولدون بصفاتٍ نجدها نحن جذّابة أو أنَّنا معتادون على إيجاد هذه الصّفات جذّابة لدى الاطفال. يُولد بنو البشر بنفس حجم عيون البالغين ولذا فإنَّها كبيرة الحجم نسبةً الى الوجه. أدمغة الأطفال تكون تقريباً مكتملة النمو كذلك وهو ما يجعل رؤوسهم كبيرة، رؤوس كبيرة للغاية. وهكذا. هذه الصّفات قد تستمر بطريقةٍ أو بشكلٍ معين الى ما قبل او بدايات سنّ المراهقة، حينئذٍ تنتهي حاجة الأطفال الى رعاية البالغين التي كانوا في حاجتها ويفقدون تلك الجّاذبية أو السّاحرية.

الجّميل في الأمر هو أن الأشخاص الذين يمتهنون صناعة أو رسم الشّخصيات الجذّابة، كصانعي الرّسوم المتحرّكة، أتقنوا القدرة على تجسيد خصائص (الكيندرسكيما “kinderschema”) في هذه الشّخصيات ليجعلوا ما يصنعونه أكثر جاذبية لبني البشر. في مقالٍ ممتع جدّاً، يتّبع عالم الأحياء التّطورية العبقري ستيفن جي كولد “Stephen Jay Gould” تطوّر ميكي ماوس من فأرٍ بالغ حاد الأنف، وصواني العين، وأبله الهيئة الى شخصية ماسكوتية ناعمة، وكبيرة العينين، وفاتنة، ومحبوبة من قبل الجّميع. ديزني ليست الوحيدة في ذلك فغيرها الكثير من دمى كويبي “Kewpie” وبتي بوب “Betty Boop” الى الأنمي والمانغا. كل صانعي الرّسوم المتحرّكة تقريباً حين قاموا برسم شخصية ودودة يوماً ما، جعلوا لها عينين كبيرتين ومنخفضتي المستوى في وجهها.

ومع هذا فإنّ إضافة صفات جمالية بشريّة الى شخصيات حيوانية لجعلها أكثر جاذبية لا ينطوي تحت مفهوم التّجسيد أو التّأنيس “Anthropomorphism”. في الواقع، ميل الانسان نحو الكيندرسكيما واضح جداً لدرجة كونه يبرز أحياناً الى الأصناف الحيّة الاخرى. ولكون الحيوانات تُظهر أيضاً كثيراً من صفات أطفال البشر (بعضها لديه اضافةً إلى ذلك، سمة لطيفة بكونه غامضاً!) فإنها قد تبدو لنا فاتنةً وجذّابة جدّا أيضاً. وهذا هو السّبب الذي يجعلنا نحتفظ ببعض الحيوانات كمخلوقات أليفة أو نستخدمها للعمل وهو السبب أيضاً وراء عدم قدرتنا حتى على تصوّر أكل بعض الحيوانات بينما لا مانع لدينا أبداً من أكل حيوانات اخرى كما في نباتيي الأسماك “pescatarianism”.
[وهو امتناع بعض الأشخاص عن أكل اللّحم باستثناء لحم السمك] -المترجم.
وهكذا قد تبيّن لكم السّبب وراء رؤيتنا لبعض الأشياء على أنها جذّابة وفاتنة؛ لأنّها تحمل صفاتاً مشابهة لتلك التي توجد في الأطفال والرّضّع البشريين ولأننا لرّبما مجبولون على الاستجابة لهذه الأشياء بطريقةٍ وقائية، اضف الى ذلك كونها جذّابة وكفى…

المصدر:

http://www.stuffyoushouldknow.com/blog/babies-cute-explained/

#أطفال #المشروع_العراقي_للترجمة

عن

شاهد أيضاً

استقلال الصحافة

بقلم: نعوم تشومسكي منشور بتاريخ: 7 كانون الثاني/يناير، 2017 ترجمة: حسن مازن تدقيق: عمر أكرم …

من يفضل إيلون ماسك.. نيكولا تسلا أم توماس أديسون؟

كتبه لموقع Big Think: بول رينتر منشور بتاريخ: 04 شباط 2019 ترجمة: وميض صباح تدقيق: …