الرئيسية / سياسة / سيسجل فايروس كورونا نهاية الترف السياسي

سيسجل فايروس كورونا نهاية الترف السياسي

إن امكانية تفشي المرض عالمياً ستكشف عدم قدرتنا على صنع ونشر ما يحتاجه الناس – تماماً – في موعد الانتخابات الرئاسية.

 

بقلم : مات ستولر

ترجمة : سهاد حسن عبدالجليل

تدقيق: ريام عيسى

تصميم الصورة: أسماء عبد محمد

 

في يوم الثلاثاء قام الرئيس دونالد ترامب بإبعاد القلق حول فايروس كورونا. فكما قال: “الفايروس تحت السيطرة” في الولايات المتحدة والوضع بالكامل سيبدأ بالتحسن.” 

لكن وفقاً لمجلة بولتيكو فإن ترامب يعرب عن قلقه بشكل سري من أن تأثير الفايروس سيقلل من فرصه في اعاده الانتخاب. فسلوكه المرتعب في الآونة الاخيرة كمنعه لأمريكياً من أن يتلقى العلاج في الاباما، وذلك بطلب من السيناتور الخائف ريتشارد شلبي- يؤكد على أن هذا الفايروس هو حدث سياسي من الطراز الاول. وبينما اضفى القليل في واشنطن على الفايروس صفة ذاتية. فأن فايروس كورونا يعتبر اكبر قصة في العالم وقريباً سيصطدم بسياستنا الانتخابية بطرق غير متوقعة.

وكما ذكر (جون ستوكس) أننا وبجميع الاحتمالات سنوقف السفر لعدة أسابيع في بعض المناطق في الولايات المتحدة، كما فعلوا في الصين. وسينصح الناس بعدم التجمهر بمجاميع كبيرة. إنه من غير الواضح ما هي علاقة هذا الامر بحملة الدعاية الرئاسية او التصويت الاولي (الأساسي) سواء أن كان اغلبنا سيصوت بالبريد الالكتروني او تم تأجيل تصويتنا.

بالإضافة إلى ذلك فإن فايروس كورونا سيقدم ظروف اقتصادية لم يعتاد عليها إلا القليل من الناس في أمريكا الحديثة مثل احتمالية العجز، فبعد ٢٥ عاماً من سياسة ترحيل المصانع عبر البحار وسياسة الاندماج نحن نعتمد الآن على المنتجات القادمة من وراء البحار بكل شيء تقريباً. والان وفي العطلة التي سببها فايروس كورونا أوقفت الصين اغلب انتاجها وستتوقف كوريا الجنوبية وإيطاليا كذلك. وحالما تمر اخر الواردات من هذه الدول خلال قيود التجهيز وتصل إلى سواحلنا ستمر فترة قبل أن نتمكن من الحصول على المزيد. وبتعبير اخر سيظهر فايروس كورونا ازمة انتاج وستكون في موعد الانتخابات الرئاسية.

لقد مررنا بمثل هذه الحالة من قبل فكتابي (جالوت)  (goliath) يصف الحملة الرئاسية في عام ١٩٣٢ والتي أجريت في وسط الكساد الكبير، وخلال عهد أغلقت فيه طاقاتنا الانتاجية ورغم كون الازمة في ذلك الوقت قد نتجت عن انهيار مصرفي، وليس بسبب تفشي وباء، فإن الخلفية السياسية كانت متشابهة. وقبل ٨٨ عاماً اثبت سياسيو (النظام القديم) كما كانوا يعرفون، عدم رغبتهم في أن توظف الحكومة طاقتها لمصلحة الشعب الأعظم، حتى في مواجهة الازمات. وبطرق معينة، فقد سبق جموحهم التفكير التحرري ليومنا هذا.

وقد جلبت المفاهيم المسمومة كارثة في عام ١٩٣٢، عندما لم يقدم صناع السياسة الا القليل في مواجهة انهيار الاف المصارف والتجارات. وفي منتصف الكساد الاقتصادي، وصل سعر القطن إلى ادنى مستوى منذ ٢٠٠ سنة وانخفضت منتجات الحديد الصلب إلى ١٥٪ من الطاقة الانتاجية القصوى. فأصبح الوضع ميؤوساً منه بحيث أنه في مدينة واحدة، وهي توليدو في ولاية اوهايو، كان ٦٠٠٠٠ من اصل ٣٠٠٠٠٠ من سكان المدينة يقفون في الصف لشراء الخبز كل يوم. وكان الأطفال يتبارون مع الجرذان للحصول على الطعام. وكان الالاف يموتون  بسبب الزحار (الاسهال الاميبي). واصبح السياسيون يائسين ايضاً، من وجود احد قادة العمال وهو يخبر مجلس الشيوخ (الكونغرس) بأنه “اذا لم يقم مجلس شيوخ الولايات المتحدة وهذه الادارة بعمل شيء لحل هذا الوضع بطريقة مناسبة، فأن الصرخة في الشتاء القادم لن تكون لإنقاذ الجياع، بل ستكون صرخة لرد الحكومة.”

ومع ذلك لم يمتلك النظام القديم أي اجوبة، فقد عقد مجلس الشيوخ جلسه استماع. لكن رجال الاعمال والجامعيين والمصرفيين عرضوا سياسة شد-الحزام فقط. ومع تأسيس الجمهوريين، عمل الرئيس هيربيرت هوفر ١٨ ساعة يومياً، محفزاً الثقة بينما كان يرفض اتخاذ الخطوات الاساسية كجعل الحكومة تكفل الودائع المصرفية. وبدلاً من ذلك هجم جيش ادارته على المتظاهرين الجياع في العاصمة واشنطن، حيث دفعت هذه الحركة احد الأعضاء الجمهوريون الغاضبين في مجلس الشيوخ، فيورلو لاغوارديا من مدينة نيويورك، إلى تذكير الرئيس بأن :”الحساء ارخص من قنابل الغاز المسيل للدموع.”

 وفي هذه الاثناء وعلى الجانب الديمقراطي، كان المحافظين والتقدميين في الحزب محتجزين في معركة مريرة للترشيح. واتفق العديد من الديمقراطيين مع هوفر. فعلى سبيل المثال، جادل حاكم ماريلاند والمرشح الرئاسي البرت ريتشي، بأننا يجب أن نعتمد “بشكل اقل على السياسة، واقل على القوانين واقل على الحكومة”. وادعى مرشح اخر، وهو الناطق باسم المجلس التشريعي ( جونانس غارنر) بأن التهديد الأعظم كان “النزعة باتجاه الاشتراكية والشيوعية) وتعهد بتقليص واسع لنفقات الحكومة، بالإضافة إلى زيادة ضرائب المبيعات. وتحول اخرون إلى التطرف العنصري ورهاب الغرباء. فقط فرانكلن ديلانو روزفلت الذي واصل ليفوز بالمعاهدة المتنازع عليها، شن حملة ضد تورط الحكومة العدائي في الاقتصاد –او كما وصفها ب(برنامج اعادة الإعمار) والذي اصبح فيما بعد البرنامج الحكومي الجديد.

إن الكساد السياسي لذلك العهد غريب علينا لعدة أسباب. اول شيء، نحن لم نواجه عجزاً بهذه الضخامة ولمدة طويلة جداً. ولسبب اهم، أننا عشنا ولعقود في اطار سياسي عُرف بالترف، وهو مصطلح قام الاقتصادي جون كنيث غالبرايث بتعميمه في الخمسينيات من القرن الماضي. وكمجتمع مترف، حققت أمريكا تلقائياً مقداراً كبيراً من الوظائف والثروات، وكانت المشكلة واحدة فقط وهي حاصلة من توزيع المنحات الحكومية.

 وتحت تأثير الترف، بدأنا بنقل طاقة الإنتاج الحاسم في الستينيات من القرن السابق لأسباب جغرافية سياسية وفي عام ١٩٧١، لاحظ الاقتصادي نيكولاس كالدور بأن السياسات المالية العامة الامريكية تحول “أمة من المنتجين المبدعين إلى مجتمع من الريعيين الذين يعيشون على الاخرين بشكل متزايد، يبحثون عن الاشباع في استهلاك أمور عديمة الفائدة، مع كل التأثيرات الموهنة لسياسة الإمبراطورية الرومانية الطعام والمتعة.” ومع ذلك قام بيل كلنتون وجورج بوش بزيادة هذه النزعة في فترة التسعينيات من القرن الماضي و العقد الاول من القرن الحالي. 

إن سياسة الترف هي ليست سياسة الثروة لكنها وبالأحرى سياسة عدم الاهتمام بما يخلق الثروة في المقام الاول. ما اريد قوله، أنها سياسة تجاهل قدرتنا على صنع وتوزيع ما يحتاجه الناس. ومع الانهيار المصرفي في ٢٠٠٨ وانتخاب ترامب في ٢٠١٦ وحزنه على المصانع الخاوية والآن سيطرة بيرني ساندرس على الانتخابات التمهيدية المبكرة، واخيراً ربما قد ينتهي هذا العهد. أن انتشار الوباء المتفشي سيسرع من تقدمه ويجبرنا مرة أخرى على سياسة الإنتاج.

ومع النقص المحتمل للوظائف وتقييد حركة الناس يتجه الحزبان إلى منطقة غير معروفة. فمن المحتمل أن يستغل الديمقراطيين هذه الفرصة لزيادة اهتمامهم بالرعاية الصحية للجميع. حيث أن مراقبة تفشي الوباء والروتين الطبي قد ركز على دفع التكاليف حيث يتم تداول قصص عن تكاليف هائلة جداً لتحاليل فايروس كورونا. ومن المحتمل أن يتخذ الديمقراطيين نهج الابتعاد عن الغرباء والتأكيد على فرض قيود على الأجانب والامريكان المصابين. وبكل الاحوال، فيما يخص إدارة العجز فأن الحزبين منقسمين، كما كان حالهما في عام ١٩٣٢، بين فصائل ال(وول ستريت) التابعة لهم والتي تتظاهر بالترف والفصائل الشعبية الأقل نضجاً والتي تسعى وراء القوى الشعبية المؤكدة. إن الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي حتماً تكرر مثيلاتها في الكساد الكبير، بوجود مرشحين بدأً من بارني ساندرز إلى آني كلوبشر وهم يحاولون أن يلفوا انفسهم برداء فرانكلن ديلانو روزفلد. 

بغض النظر عن ذلك، فإن نهاية السياسات المترفة تعني التركيز على كون الدواء متوفراً، وليس نقاشات مريرة حول المستشفيات المملوءة والقذرة واقسام دفع أقساط التأمين. إنها تعني الاهتمام بالمنافسة الروتينية في الحكومة، والدقة في وسائل الاعلام، ليس لأنها أشياء من الجيد امتلاكها لكن لأنها ضرورية لتفادي المعاناة الهائلة والواسعة الانتشار، إنها تعني الادراك بأن دمج الشركات الدوائية والذي يفيد أصحاب الأسهم بينما يسرح العلماء سيكون مدمراً، ليس لكونها غير عادلة فقط، لكن لأنها تجعلنا اقل مقاومة للأمراض “إن أصحاب الأسهم ايضاً يمتلكون رئات كما تبين”. واخيراً، إنها تعني الاعتراف بأن الثروة الحقيقية لا تحدد بتقديم بيانات عن العاب في وول ستريت، لكن بالقدرة على تلبية احتياجات شعبنا. 

لقد توصلنا إلى هذا الادراك سابقاً في عام ١٩٣٢. وخلقنا صرحاً ديمقراطياً نابضاً بالحياة في العقود القليلة اللاحقة – حيث وسع بشكل سريع امتداد حياتنا وهزم النازيين وساعد في بناء وادي السليكون. إن اجتماع كل من انتشار فايروس كورونا والانتخابات الرئاسية سيجبرنا على عمل ذلك مرة أخرى. فقد عشنا في عالم افتراضي لمدة طويلة جداً. وكما عبر عن ذلك مؤخراً توم باركن رئيس البنك الاحتياطي الاتحادي في ريتشموند “إن المصارف المركزية لا يمكنها اكتشاف اللقاحات.” حان الوقت للاستعداد لما يقتضيه ذلك.

 

المصدر: هنا

عن

شاهد أيضاً

الجواز الأمريكي لا فائدة منه

يمكنني التنقل حيث شئت بجواز سفري الألماني. ولكن عدد الدول التي تسمح للأمريكيين بالدخول تكاد …

حصرياً: من داخل مخيمات تدريب تابعة لحزب الله لنشر الأخبار الزائفة  

  بقلم: ويل كريسب وسداد الصالحي  بتاريخ: ٢/آب / ٢٠٢٠ ترجمة: رحاب الهلالي تدقيق: ريام …