كتبه لموقع “بيغ ثينك”: جيك ريتشاردسون
نشر بتاريخ: 25/6/2018
ترجمة: ريهام بكر
تدقيق ومراجعة: نعمان البياتي
تصميم: مينا خالد
كان الكثير من الأمريكيين منذ وقت ليس بالقليل يحظون بعطلاتهم، ويتطلعون إليها؛ شاعت الرحلات الصيفية القصيرة، والرحلات البرية على وجه الخصوص، بحيث كانت أفواج من العائلات تقود لفترات طويلة أثناء رحلاتهم إلى (غراند كانيون)، و(غراند تيتون)، و(يلوستون)، و(يوسمايت)، وكانت تشمل هذه العطلات في كثير من الأحيان وجهات عدة، وتستغرق على الأقل أسبوعًا، وأحيانًا أسبوعين.
يحظى القليل من العمال الأمريكيين بالعطلات، ومرد هذا إلى أسباب اقتصادية أكثر من أي أسباب أخرى، إذ مثّل الكساد الاقتصادي لعام 2008 ركودًا استمرت آثاره لسنوات إلى أن أنتهى الانكماش الاقتصادي الرسمي، ولم يكن الركود الاقتصادي عام 2001 بمثل هذه القوة، إلّا إنّ وجود انخفاضين اقتصادين متتاليين لم يساعدنا نحن الأمريكيين على الشعور براحة لأخذ عطلات.
أظهرت أبحاث إنّ الكثير من العمال الأمريكيين لا يستغلون وقت الإجازات الذي هم بحاجة إليه للاسترخاء، وتجديد طاقاتهم، وأثبتت دراسة أجرتها (كيمبل) على 1,200 موظف يعملون بدوام كامل لدى شركات تمنح إجازات مدفوعة الأجر، بعض المفاهيم المرتبطة بهذه المسألة، أولها إنّ ما يقرب من 47% لم يستغلوا الوقت الكامل لعطلاتهم العام الفائت، كذلك فإن أكثر من 20% لديهم أكثر من خمسة أيام من وقت العطل، ومن بين بعض الأسباب التي أوضحتها الدراسة جراء هذه التصرفات:
– وجود الكثير من العمل يجب إكماله لأخذ إجازة. (27%)
– الشعور بضغوط صاحب العمل، أو المدير بعدم أخذ إجازة. (19%)
– الخوف من تكدس العمل بعد الرجوع من الإجازة. (13%)
كما توجد بعض الملاحظات الهامة بشأن الذين صرحوا بأنهم بالفعل حظوا بوقت عطلاتهم، إذ قال ما يقرب النصف إنهم يتفحصون عملهم أثناء العطلة، على الأغلب 20% يفعلوا هذا يوميًا، وقال آخرون 30% إنهم يفعلون هذا بشكل منتظم، وفي بعض الحالات، تفسد هذه الخيارات الغرض الأساسي من الذهاب في عطلة.
ساهمت بعض وجهات النظر لموظفين شملهم البحث في مثل هذه السلوكيات المرتبطة بالعطل:
– الاعتقاد إنّ عدم أخذ إجازة من الممكن أن يكون في صالح مسيرتهم المهنية. (14%)
– الاعتقاد إنّ التخلي عن الإجازة لمدة عام كامل قد يساهم في ترقيتهم. (19%)
كانت بعض الأفكار الأكثر سوءًا، إنّ حوالي 7% قلقون بشأن رفض طلب إجازاتهم، بينما 29% من المتوقع أن يكونوا تحت الطلب في حالات الطوارئ؛ يمكن لرب العمل نفسه أن يساهم دون قصد في توقعات الموظفين ومخاوفهم بشأن العطل استنادًا إلى الثقافات التي تتبناها الشركة، وتعد ثقافة الشركة بشكل عام مزيجًا من القيم وأساليب التواصل، وأنماط الإدارة، والخطاب والبنية التنظيمية والأدوار والأهداف والاستراتيجية والأهداف والمنتجات أو الخدمات.
قدم (مارك روبنسون)، المؤسس المشارك في (كيمبل)، بعض النصائح حول كيفية امتلاك شركة دولية ذات ثقافة تشجع استغلال وقت العطلات.
“إنّه أمر بسيط للغاية، لكن تذكير الموظفين بتفعيل الرد الآلي الذي يخبر الأشخاص بمواعيد إجازاتهم، ويقدم لهم اتصالًا آخر للاستفسارات العاجلة سيحدث فرقًا شاسعًا” وأضاف روبنسون “إنّه يحصر التوقعات، ويقلل كمية البريد الإلكتروني الذي يُرجح انتظاره عند عودتهم”.
قد يكون من الجيد تعيين أنظمة مختلفة لأساليب التواصل المختلفة، على سبيل المثال، تجنب إرسال رسائل نصية حول العمل للأشخاص خلال فترة عطلتهم، وربما، يكون من المقبول إرسال بعض رسائل البريد الالكتروني طالما يكون من المتفق إنّه قد لا يأتي رد لعدة أيام”.
قد لا تكون نتائج الاستطلاع الواحد ذات مغزى في تحديد اتجاه أكبر لعشرات الملايين من العمال الأمريكيين، وتوصلت رغم هذا دراسة سابقة لـ 7,000 عامل أمريكي بعنوان: تقرير عن وضع العطلات الأمريكية لعام 2017 إلى إنّ 43% منهم قالوا إنهم خائفون من مقدار العمل الذي ينتظرهم بعد انقضاء الإجازة، وهو نفس الخوف الذي تحدثت عنه دراسة (كيمبل)، وإن كان في هذه الحالة أكبر بكثير مما جاء في التقرير؛ جاء أيضًا في هذا البحث الاستقصائي حقيقة إنّ ما يقرب من 32% قالوا إنهم لا يمكنهم الحصول على عطلة.
النتائج الصحية
في حين أنّ أخذ إجازة قد يبدو شيئًا بسيطًا أو غير ضروري، فإنّ عدم نيل قسط من الراحة من العمل قد يشكل خطراً على صحة الشخص؛ توصلت دراسة نشرت في مجلة الطب النفسي الجسدي إلى إنّ “الأشخاص متوسطي العمر الذين تحت خطر الإصابة بمرض شريان القلب التاجي ممن يأخذون عطلات سنوية بشكل متكرر مرتبط بالحد من خطورة إصابتهم من كل مسببات الوفاة، وعلى وجه الخصوص، مرض الشريان التاجي؛ فقضاء عطلة قد يكون جيداً لصحتك”. بعبارة آخرى، أظهرت الدراسة إنّ الأشخاص متوسطي العمر ممن لديهم خطر محدق من مرض الشريان التاجي، هم أقل الأشخاص عرضة للوفاة إذا قضوا عطلاتهم السنوية.
تقول (كاثلين بوتيمبا) الأستاذة بجامعة ميشيغان للتمريض: “يعد قضاء العطل مهماً ليس فقط لأنها تعيد تنشيط العقل، بل لكونها تقلل من الآثار الجسدية الناتجة عن الإرهاق والتي قد تظهر على الجسد، يكمن الشيء الأكثر أهمية، في إن الأمر يصبح معتادًا بحيث لا يمكنك تفويته؛ ظهرت الآثار السلبية الرئيسة على أشخاص لم يحظوا بوقت العطلة لسنوات”.
عُطل فيسبوك أيضًا؟
أصبحنا مأسورين إلكترونيًا أكثر من أي وقت مضى بسبب غزو الهواتف الذكية من الأجهزة اللوحية، والحواسيب المحمولة، إلى شبكات النت المجانية؛ نهدر الكثير من وقتنا، وانتباهنا أثناء تصفح الهواتف، والرسائل، ومشاركة المحتوى على وسائل التواصل الاجتماعي، وأصبح وقت الشاشة الرقمي منتشرًا جدًا بحيث ازدادت المخاوف بشأن عواقبه على الصحة.
أظهر البحث الذي ركز على وسائل التواصل الاجتماعي إنّ هذه المخاوف حقيقة؛ إذ جاءت دراسة نشرت بصحيفة علم النفس الاجتماعي بمصطلح “عطل الفيس بوك” لوصف عدم الاستخدام المتعمد لشبكة التواصل الاجتماعي، “توضح نتائجنا إنّ مستخدم فيس بوك المثالي قد يجد من وقت لآخر كمية هائلة من المعلومات الاجتماعية تسمح لشعوره بالإرهاق، ويمكن لعُطل الفيس بوك أن تحسن الإجهاد على الأقل في المدى القريب”.
يُظهر البحث إنّ العطل اليوم ليست الابتعاد عن العمل فقط بل الانعزال عن كل الأجهزة الإلكترونية، بما في ذلك الإنترنت لجني ثمار الابتعاد عنها كلها.
يذهب (أندرو ويل) طبيب الطب البديل بفكرته أبعد من هذا بالامتناع عن مشاهدة الأخبار، “أوضحت عدد من الدراسات أن صور وتقارير العنف، والموت، والكوارث قد تزيد من تغيرات مزاجية غير مرغوبة وتفاقم القلق، والحزن، والاكتئاب، والذي بدوره قد يخلف آثارًا ضارة على الصحة البدنية”.
لذا بينما نحن في إجازة، سيكون من الجيد لمعظمنا الابتعاد عن أية أخبار مقلقة، أو الأخبار لفترة قصيرة إذا كنّا نريد الفوائد الصحية الكاملة للابتعاد عنها كلها.
من الأشياء المهمة أيضًا ما نختار فعله خلال عطلاتنا، لأن الابتعاد عن العمل قد ينتج عنه أحيانًا أن تكون مصابًا أو مريضًا، أو تتورط في سلوكيات غير صحية، فإذا ذهبت في عطلة، وأنت مجهد للغاية ستتواجد إغراءات عدة للإفراط في الطعام، واحتساء المشروبات الكحولية بكثرة كمكافئة؛ يمكن أيضًا أن تتجاهل نظامك الغذائي، وتضطر لتحمل العواقب.
وضحت دراسة إن الذهاب في عطلة قد ينتج عنه زيادة غير صحية في الوزن، موضحة إنَ “العطل تنتج زيادة في الوزن بمقدار (0,32 كغم)، وتستمر هذه الزيادة لمدة ستة أسابيع في الفترة اللاحقة، وتبدو هذه الزيادة ناتجة عن كمية الطاقة الزائدة عن احتياجات الجسم، ويمكن لهذه الزيادة أن تساهم في زيادة الوزن سنويًا في البالغين، ويوثر على انتشار السمنة.
ولنلخص ما سبق، فإنّ العطلات اليوم مختلفة عمّا كانت عليه منذ ثلاثين عامًا مضت، فنحن لسنا بحاجة للابتعاد عن مكان العمل فقط، بل أيضًا لتكون لدينا النية في الاستجمام، ونيل النوم والراحة، لأن فعل هذا ذو أهمية بالغة لصحتنا؛ بوسع المرء أن يقتص جزءًا من وقته كل عام، وليس مهمًّا أن تكون وجهة سفرنا غريبة، إضافة إلى ذلك، قد نأخذ “العطل الإعلامية” بالحد من الجلوس أمام شاشتنا عن قصد، أو اعتزالها لفترة.
المقال باللغة الإنجليزية: هنا