كتبه لموقع ”ذي أتلانتيك“: إيما غرين
منشور بتاريخ: 24\11\2014
ترجمة: ورد عرابي
مراجعة وتدقيق: آلاء عبد الأمير
تصميم: أحمد الوائليّ
”أيها الآثم! تأمل الخطر المخيف الذي تعيش به؛ إنه آتون الغضب الإلهي، حفرة واسعة لا نهاية لها، مليئةٌ بنار الغضب، وإنك محتجزٌ فيها بين يدي هذا الرب.“ [مذنبون بين يدي إله غاضب، جوناثان إدواردز]
لقد مر الإيمان في أمريكا عبر العديد من الصحوات، وهذا يعتمد على كيفية حسابك لها، كانت هناك ثلاث أو أربع طفرات مميزة في المعتقد البروتستانتي في الولايات المتحدة، تميزت بإحياء الخيام، والعمل التبشيري، والتحولات واسعة الإنتشار، وغالباً الخطاب الحاد عن عواقب الخطيئة والآثام.
وقد تم إحياء ذكرى هذه ”الصحوات الكبرى“ من خلال نصوص مثل ”مذنبون بين يديّ إله غاضب“ وهي موعظة ألقاها المُبشر ”جوناثان إدواردز“ عام 1741 حذر فيها من ”نيران الغضب“ في الجحيم.
لعله من المستفز أن تعنون كتابك ”صحوة الإلحاد“، يُعتبر أحدث إصدارات ”جامعة اكسفورد“ حول ”عدم الأيمان“ والذي قام بإعداده الباحثان ”كريستوفر سميث“ و“ريتشارد سيمينو“، هو ”أول بحث اجتماعي للعلمانية المنظمة في أمريكا“، حيث يتتّبع تطور المجتمع الملحد على مدى العقود العديدة الماضية، كما ويضيف ”سيمينو“ بأن القصد من وراء مصطلح ”الصحوة“ هي: ”ليست الزيادة العددية، بقدر ما هي الصحوة للتعبير عن الإلحاد والمجاهرة به“.
بالأرقام وحدها فأن الملحدين في أمريكا ليسوا بهذا الحجم الكبير كمجموعة، فوفقاً لتقرير ”معهد بيو للأبحاث“ الصادر عام 2012، فإن الملحدين في امريكا لا يشكلون سوى 2.4% من السكان، وحتى اللاأدريين، الذي من الممكن تسميتهم شبه ملحدين، لا تتجاوز نسبتهم الـ3.3%. على الرغم من أن كلا المجموعتين نمتا إلى حدٍ معين منذ عام 2007، إلا أن النمو الأكبر كان بين أولئك الذين يصنفون أنفسهم ”غير متبعين أي دين“ وهم يُشكلون 13.9% من السكان تقريباً، بزيادةٍ قدرها 2.3% على مدى خمس سنوات.
وعندما تقرأ عنواناً عن النمو المتصاعد لفئة ”غير المتبعين“، فاعلم بأنهم المقصودون من وراء مصطلح ”المتكتمين“.
قد يكونون روحانيين بشكلٍ معين، أو غير مبالين تماماً بالإيمان، إلا أنهم لسبب أو لآخر لا يصنفون أنفسهم كملحدين بشكلٍ قاطع.
أما بين أولئك الذين يصنفون أنفسهم كملحدين، فإن الحديث عن الدين المنظّم، وخاصةً في الآونة الأخيرة، قد اتخذ شكلاً علنياً أكثر من كونه متكتماً. فعن ”مسيرة المنطق“ التي نُظمت في واشنطن عام 2012 على سبيل المثال، يتحدث سيمينو وسميث: ”قامت فرقةٌ موسيقية بإلهاب الجماهير بأغنية تهكمية سخرت من المعتقد المسيحي بأن “المسيح عائد” ومزجتها بأيحائاتٍ جنسية“، كما لبس الحاضرون قُمصاناً كُتب عليها عباراتٌ مثل ”أنا أفضل الحقائق“ و”الدين كالقضيب“ (يعقبها استعارة مطوّلة)، بالإضافة لوجود دُمية للمسيح بحجم إنسان.
لم تكن هذه المسيرة مجرد تجمع صغير للشرب والنقاش حول ”الهراء“ المسيحي-اليهودي، بل كان هنالك ما بين الـ8,000 الى 20,000 شخص. أحد ابرز المتحدثين هو ”ريتشارد دوكينز“ الذي حث المتجمعين على السخرية من المعتقدات الدينية. ليس كل الملحدين يتخذون من السخرية نهجاً لهم، إلا أنها بشكل ما تعد رابطاً مشتركاً بينهم، وخصوصاً بين المتحدثين الأكثر إلحاحاً بما في ذلك ”دوكينز“ و“مايرز“ و“بيل مار“.
يضيف ”سيمينو“: ”أنها واحدةٌ من استراتيجياتهم، فهنالك محاولات حثيثة لكي يبدو هؤلاء مستهترين بالمعتقدات الدينية، وهذه صفة جديدة من صفات ”الإلحاد الحديث“، وهو مصطلح يُطلق على طريقة دوكينز بالنقاش حول الإيمان والعقيدة والذي يعتمد بشكلٍ كبير على العلم والحجج المنطقية المستفزة. فهنالك شعور بأنك بمجرد أن تسخر من الدين، سيمكنك نوعاً ما إزالة القداسة عنه“.
لكن هنالك نوعٌ من الأحساس أن االسخرية من الإيمان بين الملحدين الجريئين هي جزئياً نتاج المرارة المتراكمة، أو هذا ما يبدو عند قراءة كتاب ”صحوة الإلحاد“ على الأقل، إذ يقول الكاتب: ”من الصعب ألا نصل إلى استنتاجٍ مفاده أن الملحدين قد أمضوا وقتاً وجهداً في التفكير والكتابه حول الديانات، أكثر من الوقت الذي خصصه المؤمنون للملحدين“. لا يتفق الناخبون الأمريكيون كثيراً مع الملحدين من السياسيين، فيما يخشى الآباء على أبنائهم من الإرتباط بعلاقات عاطفية مع الملحدين، وبشكلٍ عام فأن الجمهور يشعر براحة أقل تجاه غير المؤمنين من أي شخص آخر متبع لدين مختلف. فكونك ملحداً في أمريكا يعني وضع نفسك بموضع خصومة مع الأيمان، والعكس ليس صحيحاً بالضرورة. امريكا هي أرض عدم الثقة بالأشخاص غير المؤمنين بالإله، وتشبه نوعاً ما البيئة المدرسية حيث نجد الطلاب من ذوي الشعبية وأولئك المنعزلين غير المرئيين.
لقد أنتجت هذه البيئة ما يمكنك تسميته الإلحاد العدواني، وهو النوع الذي يسخر من الإيمان الديني. وكما يشير سيمينو وسميث فإن هذه الصراحة قد ساعدت في تسليط الضوء على الإلحاد ومنحه نوعاً من التناسق كحركة، لكن لهذا الأمر سلبياته أيضاً.
بحسب الكاتب ”سام هاريس“ في مؤتمر ”التحالف الملحد“ عام 2007: ”إن قبولنا للتصنيفات، وخصوصاً تصنيف ”ملحد“، يعني أننا نتقبل أن نُصنّف على أننا ثقافة فرعية غريبة الأطوار، فنحن نوافق على اعتبارنا مجموعة هامشية، تجتمع في قاعات الفنادق… وكمسألةٍ أستراتيجية، لقد وقعنا في فخ“.
أما بالنسبة للجيل القادم من الملحدين، فإن الأمور قد تكون مختلفة بعض الشيء، أي عدد أقل من الطعام السيء في الاجتماعات ومزيد من الأنترنت.
ويقول ”سميث“: ”هنالك انقتاحٌ فيما يتعلق باختيار دينك بدلاً من مجرد البقاء على الدين الذي ولدت عليه، خاصة مع الشباب“.
الأنترنت يسهل هذا الأمر: فالأشخاص الذين يشعرون بالعزلة من قبل الأعراف الدينية في مدنهم، يمكنهم الوصول الى مجتمعات الأشخاص الذين يؤمنون بعكس ذلك. كما يضيف: ”الملحدون ليسوا منعزلين بدون شبكات تواصل، إذ يمكن أن يكون لديهم مجتمع، وتجمعات، دون أن يكونوا متواجدين في نفس المكان جغرافياً“.
وهذا يضم مواقع مثل ”فري ثوت بلوغ“ و“ريديت“ التي تحتوي على منتديات للنقاش حيث يمكن للناس نشر الأفكار والمقالات حول الإلحاد. عن هذا الأمر يتحدث سيمينو وسميث: ”وفقاً لشهادة العديد من المنشورات، فإن المنتدى المعروف بإسم ”الإلحاد“ هو عبارة عن قارب النجاة في بحر التعصب الديني وشعور اللامبالاة“. تشمل هذه المنشورات موضوعات حول العائلة والأصدقاء غير المنفتحين على الإلحاد، ونقاشات حول القضايا الإجتماعية مثل الإجهاض، والأمور الأساسية مثل ”الإلحاد غير محصور بسمكة داروين“.
هنالك أيضاً جوانب سلبية لهذه الأنواع من المجتمعات مجهولة الهوية على الإنترنت. ففي حادثة وقعت عام 2011 ويشار إليها بإسم ”بوابة ريديت“، نشرت فتاة تبلغ من العمر 15 عاماً صورةً لنفسها تحمل كتاباً عن الإلحاد حصلت عليه في عيد الميلاد، ورد عدد من المعلقين بعباراة جنسية صريحة. وغيرها من حالات التحرش الجنسي في المجتمع الملحد أثارت تساؤلات حول مدى وديته تجاه النساء.
وبشكلٍ عام، فمن المرجح أن يكون الملحدون من الأمريكيين رجالاً؛ حيث قدر ”معهد بيو للأبحاث“ أن حوالي 64% من الملحدين الصريحين هم من الرجال، كما أن غالبيتهم من المثقفين الأغنياء ذوي البشرة البيضاء. وهم أيضاً الأكثر شباباً، إذ تقدر نسبة الملحدين الشباب بين18-29 عاماً بحاولي 42% من العدد الكلي للملحدين، وبشكل عام فإن هذه الفئة العمرية لا تشكل سوى 22% من أجمالي عدد السكان في أمريكا. باقي معظم الملحدين البالغين هم ما دون الـ50 عاماً، ولا يوجد هنالك الكثير من المعترفين بإلحادهم بين فئة كثيري الإنجاب.
فيما لدينا مفكرون مثل ”سام هاريس“ الذين يعملون على تنمية السلوك الإلحادي الأقل عدوانية، ومع نمو المجتمعات الإلكترونية التي ينتمى اليها الشباب من غير المؤمنين، لربما تكون هناك حاجةٌ أقل لنشاط الإلحاد العدواني الصاخب. سواء كان هذا يُشكل صحوةً أم لا، فإن النقاش مفتوح حول ذلك، وفي المستقبل قد يكون الأمر أقرب الى كونه دردشة ودية في ثقافةٍ يكون فيها الإلحاد أمراً من السهل تقبله.
و ربما لن يحدث ذلك، يستنتج الكاتبان في النهاية: ”في المستقبل القريب، قد يكون للحوار والتعاطف تأثير محدود في الحركة الإجتماعية الشابة“. فبالنسبة لأعضاء الحركة التي كافحت من أجل اكتساب الشرعية والظهور في بلد متدين بعمق، قد يبدو خيار الإجهار والصخب هو الأكثر فاعلية.
المقال باللغة الإنجليزية: هنا