كتبه لـ (ساينس أليرت): كارلي كاسيلا
منشور بتاريخ: 15-5-2018
ترجمة: عبدالرحمن الكنامة
تدقيق: ريام عيسى
تصميم الصورة: مينا خالد
تعتبر متلازمة تكيس المبايض من الأمراض الشائعة، والموهنة بنفس الوقت، وتعتبر السبب الرئيسي للعقم عند النساء على مستوى العالم. وعلى الرغم من السنوات الطوال في البحث والدراسات، إلا أنّه لم ينتج عن كل ذلك دليل ملموس ومؤكد عن كيفية تطور هذه المتلازمة. فقد افترض الباحثين في هذا المجال على مر السنين أنَّ الحالة تنطلق من المبيضين، في حين توصلت أبحاث حديثة إلى أدلة تشير إلى أن هذه الحالة تبدأ فعلياً من الدماغ.
توصلت إحدى الدراسات مؤخراً إلى تحقيق توازن بين الفرضيتين، وقد أشارت الدراسة ذاتها إلى إمكانية تحديد مسار تطور متلازمة تكيس المبيض قبل ولادة الفتاة حتى.
هذا وقد قام فريق بحثي بقيادة باحثين من جامعة(لييل) من فرنسا بعرض مجموعة من النتائج التي توصلوا إليها والتي تشير إلى انَّ متلازمة تكيس المبيض تتطور من تأثير أحد الهرمونات المبيضية على مجموعة من الخلايا العصبية في دماغ الأم، هذا التأثير يكون كفيل بإطلاق سلسلة من التفاعلات التي تقود إلى تعطيل بعض الإنزيمات في المشيمة، وهو ما سيؤدي في نهاية المطاف إلى ظهور أعراض متلازمة تكيس المبيض في الجيل التالي.
إنَّ هذه النتيجة تتوافق بشكل كبير مع الانتشار العائلي لمتلازمة تكيس المبيض. إنَّ متلازمة تكيس المبيض تظهر بمجموعة من الأعراض المتعلقة باختلال التوازن الهرموني في جسم الأنثى فتعاني من زيادة الوزن، أكياس مبيضية كبيرة، عسر إباضة، حب شباب، شعر زائد في الوجه، اكتئاب، تباعد الطمث، وعسر الطمث.
وبمجرد أن يتم تشخيص هذه المتلازمة عند السيدة وهو ما يمكن أن يستغرق سنوات، فإن الخيارات العلاجية لها لا تزال محدودة، وعادة ما تتضمن الخطة العلاجية أدوية هرمونية في سبيل تخفيف الاعراض. إنَّ متلازمة تكيس المبيض على الرغم من العلاج يمكن أن تؤدي على المدى الطويل للعديد من الاختلاطات مثل السكري من المستوى الثاني، وأمراض القلب والأوعية وحتى العقم.
وتوصلت هذه الدراسة لنتيجة بإمكانها تغيير منظورنا بشكل فعلي تجاه هذه المشكلة التي تعاني منها واحدة من بين كل 10 سيدات حول العالم. وتركز هذه الدراسة على الهرمون المضاد لمولر (أي أم أتش/AMH) وهو هرمون يتم انتاجه من الجريبات التي تقع في قشرة المبيض.
هذا وأظهرت العديد من الدراسات السابقة أنَّ الهرمون المضاد لمولر يمكن أن يتفاعل ويؤثر في بعض الخلايا العصبية في الدماغ، والتي بدورها تحث الغدة النخامية على إطلاق الحاثة اللوتيئينية (أل أتش/LH) وهو الهرمون نفسه الذي يرتفع في أوقات معينة من الدورة الشهرية في سبيل تحريض الإباضة.
وقد لوحظ لدى السيدات اللواتي يعانين من متلازمة تكيس المبيض وجود مستويات عالية من الحاثة اللوتئينية، وهو ما يؤدي إلى تثبيط الإباضة، وإطلاق مستويات عالية من هرمون التستوستيرون، وكلا الأمرين يعتبران من العلامات الدالة إلى هذه المتلازمة.
ولاستكشاف أثر الهرمون المضاد لمولر قام الباحثون بتحليل عينات دم مأخوذة من أربع مجموعات من النساء في الثلث الثاني من الحمل، وهذه المجموعات مختلفة بين بدينات، وغير بدينات، يعانين من متلازمة المبيض متعدد الكيسات، ولا يعانين.
وكانت النتيجة مثيرة للدهشة حيث اكتشف الفريق أنَّ مجموعة النساء الغير بدينات، ويعانين من متلازمة تكيس المبيض وجد لديهن مستوى الهرمون المضاد لمولر أربع أضعاف مستواه في المجموعات الأخرى. وكخطوة تالية انتقل الباحثون لاجراء التجارب على نماذج من الفئران حيث يمكنهم اختبار تأثير المستويات العالية من الهرمون المضاد لمولر على النسل الأنثوي، فقاموا بحقن الفئران الحوامل بهرمون (أي أم اتش) لمحاكاة الاضطراب الهرموني الملاحظ عند السيدات اللواتي يعانين من متلازمة المبيض متعدد الكيسات.
وكان من الواضح بعد إجراء هذه التجربة ظهور أعراض لدى الجيل التالي من الفئران الإناث شبيهة إلى حد كبير بتلك التي تظهر عند السيدات اللواتي يعانين من متلازمة المبيض متعدد الكيسات كارتفاع مستويات هرمون التستوستيرون، واضطرابات الإباضة.
ويعزو الفريق كل ذلك إلى وجود تركيز عالي من الهرمون (أي أم أتش) الذي يثبط بدوره أنزيم في المشيمة يدعى (أرومتاز)، والذي يوصف دوره بأنّه يعمل على تحويل التستوستيرون إلى الإستروجين، وتكمن المشكلة في فشل إتمام هذا التحويل وهو ما سيؤدي إلى تعرض الجنين الأنثى داخل الرحم إلى مستويات أعلى من المعتاد من هرمون التستوستيرون وهو ما سيقود إلى اضطرابات هرمونية لديها مستقبلاً.
وعلى الرغم من أنَّ ما تم التوصل إليه يشكل فرضية قوية إلا أنَّ العلماء سيحتاجون إلى مواصلة العمل، والبحث لمعرفة ما إذا كان ما لاحظوه عند الفئران يحدث بالفعل عند النساء أيضاً. وعلّق على ذلك الدكتور (جيفري تشانج) الباحث والمتخصص في الغدد التناسلية بجامعة كاليفورنيا سان دييغو قائلاً: “لا نعرف تماماً فيما إذا كان نفس الشيء يحدث عند البشر.”
ولا بد من الإشارة إلى وجود فارق جوهري بين نماذج الفئران، وإناث البشر ألا وهو أنَّ مشيمة البشر تحوي على تراكيز أعلى بكثير من الأرومتاز مقارنة عما هو لدى الفئران، وهو ما قد يشكل عقبة أمام التستوستيرون ليطغى بتأثيره على نشاط أنزيم الأرومتاز.
وعلى الرغم من ذلك فإن معظم الباحثين يتفقون على أنَّ المستويات المرتفعة من التستوستيرون، والتي تتأثر بشكل مباشر بمستويات الهرمون (أي أم أتش) تلعب دوراً رئيسياً في تطور متلازمة تكيس المبيض.
وعلقت العالمة (سو موينتر) وهي عالمة فيزيولوجية من جامعة ميتشيغان للعلوم على الدراسة الجديدة: ” إنَّ الدراسة الجديدة ما هي إلا لبنة جديدة في الجدار وتؤكد على أنَّ بعض الهرمونات مثل التستوستيرون تمهد الطريق أمام حدوث متلازمة المبيض متعدد الكيسات لدى الأجنة.”
ويهدف الباحثون حالياً إلى البحث، واكتشاف كيفية تأثر النسل عندما يتم ضبط مستويات هرمون التستوستيرون خلال فترة الحمل.
المقال باللغة الأنجليزية: هنا