ترجمة: ياسر منهل
مراجعة: مصطفى شهباز
تصميم: احمد الوائلي
مايك مكراي Mike Mcrae
15/12/2017
يعد تذكر اشخاص التقينا بهم قبل نحو ثلاثين سنة أمراً صعب بالنسبة للكثيرين. ولكن يمكن لخلايا نظامنا المناعي تذكر اعدائها القدامى جيدا. حيث كنا نجهل في السابق كيفية قيام هذه الخلايا بعملية التذكر هذه.
لكن دراسة جديدة اضافت تفاصيل كانت مفقودة حول الخطوات التي تتخذها اجسامنا لتذكر الاجسام المعدية كاشفة بذلك الخطوات التي تتخذها خلايانا المناعية للحفاظ على مكتبة مرجعية لمعاركها مع الامراض.
استخدم علماء من جامعة كاليفورنيا في بيركلي النظائر الهيدروجينية لتحدد كريات الدم البيضاء داخل اجسام المتطوعين للتجربة، حيث تتبعوا فيروس معين وانتقاله من حاله العدوى الى الشفاء لغرض تسجيل خطوات محددة في عملية المعالجة المناعية للمرض.
إن الصورة الشاملة عن المناعة التكيفية وقدرتنا على التذكر والقضاء على أمراض معينة قد تطورت تدريجياً خلال القرن الماضي.
تمتلك اجسامنا أنواع مختلفة من خلايا الدم البيضاء التي تعمل على تحديد وقتل الخلايا الأمراض الغازية، ونورد هنا مثالين عن تلك الأنواع وهما: خلايا B والتي تصنع وتفرز الاجسام المضادة والتي تلتصق كـ”بطاقات تعريف” على الأجسام المعادية. وخلايا T التي تقوم بمجموعة من الواجبات المناعية والدفاعية مثل تحديد الخلايا الغازية.
تعمل هذه الانواع من الخلايا كمؤرخين خلويين يحتفظون بمعلومات عن بقايا المعارك السابقة كذكريات المحاربين القدامى عن حروبهم التي خاضوها.
اما عن كيفية قيام خلايانا المناعية بعملها في تحديد ومن ثم تسجيل هذه الاحداث في ارشيفها، على أقل تقدير على مستوى التغير الكيميائي في الخلية، فأنها لاتزال غامضة عند العلماء.
وقد علق مارك هيليرشتاين اخصائي التغذية وأحد المشاركين في الدراسة قائلا: ” يجيب عملنا هذا على سؤال أساسي حول أصل وعمر خلايا الذاكرة عند الانسان والمعروفة بالرمز CD8+T والتي انتجها الجسم بعد عدوى حادة”.
تعد خلايا CD8+T السامة نوعا من الخلايا التي تقوم بمهمة الاغتيالات حيث تنشأ هذه الخلايا في الغدة الصعترية (thymus) للجسم لتتعرف على الخلايا الطبيعية قبل اطلاقها في الجسم وبهذا يمكنها تمييز ,تحديد الخلايا الغير مألوفة مثل الخلايا السرطانية أو البكتريا أو الخلايا المصابة بالفايروسات.
وفي حال تحديد خلايا دخيلة، يحفز الجسم خلايا T هذه للانتشار والتكاثر حيث يقوم هذا الجيش الصغير بأطلاق مواد كيميائية قاتلة في داخل خلايا العدو عن طريق احداث ثقوب في غشائها الخارجي.
لا تقوم جميع الخلايا التائية السامة بالاشتراك في المعركة بكل اعدادها لتموت بمجد في مقارعة الأعداء، بل يبقي بعض منها ثابت في مواقعه لغرض شن هجوم سريع ضد الأورام والامراض في حال عودتها لمهاجمة الجسم.
ومن اجل التعرف أكثر على تفاصيل هذه العملية اعطى الباحثون 40 متطوعا ماء يحتوي على مادة الديتيريوم (وهي ذرة هيدروجين ثقيلة) بدلا من اعطائهم الهيدروجين كما هو متبع، حيث تحدد هذه المادة كل خلية جديدة تظهر في اجسام المتطوعين على فترات مختلفة.
بعد ذلك حقن الأطباء المتطوعين بلقاح حي مخفف للحمة الصفراء. وهو فايروس من المفترض إن المتطوعين لم يصابون به في بيئتهم المنزلية في السابق.
وبتحديدهم الخلايا التائية السامة (CD8+T) الجديدة مسبقا، تمكن الباحثون من تعقب الخلايا على مدار أشهر من المتابعة لكي يحصلوا على فكرة حول كيفية حدوث التغير في الاعداد والطبيعة الكيميائية لهذه الخلايا.
حيث اكتشفوا بعد الاستجابة الأولية للقاح تشكل مجموعة من خلايا الذاكرة التي تبدو في شكلها وسلوكها مشابهة لخلايا تائية سامة ساذجة ولكن الاختلاف الوحيد بينهم هو ان جيناتها كانت مصنفة كجينات متوالية التخلق تحمل ذاكرة دفاعية.
يقول هيليرشتاين:”تشبه هذه الخلايا جنود من المحاربين القدامى يعسكرون في الدم والخلايا بانتظار خوض معركة ضد الحمى الصفراء حال ظهورها”.
“حيث أنهم(الخلايا) يرقدون بهدوء وهم يرتدون ملابس المجندين الجدد الغير مدربين لكنهم في الواقع يمتلكون خبرة كبيرة ومستعدين للمباشرة بالقتال والانتشار بسرعة والمهاجمة بعنف في حال عودة الغزاة”.
إن حالة الركود هي سر نجاح هذه الخلايا حيث تسمح لهم بالترصد بهدوء في الخلف، مستعدين للهجوم بقوة في حال عودة الأعداء.
بالمعدل تعيش الخلايا التائية عمر نصفي يبلغ 30 يوما تقريبا أي بمقدار شهر بعد موت اغلب الخلايا البيضاء، اما هذه الخلايا التائية المحاربة المتخفية فتعيش عمر نصفي يبلغ 450 يوم ما يعني إن قسم منهم يمكنه البقاء لسنوات ان لم نقل عقودا.
كلما تعلمنا أكثر عن نظام الذاكرة لخلايانا المناعية، كلما استطعنا استخدامها بصورة أفضل.
وقال هيليرشتاين:”إن فهم مبدأ عمل الذاكرة المناعية بعيدة الأمد قد تساعد العلماء على تطوير لقاحات أفضل وعلى فهم الاختلافات ما بين الامراض بصورة أكبر وتشخيص مستوى الاستجابة المناعية للفرد”
رابط المقال باللغة الانكليزية: هنا