ترجمة: الاء عبد الامير
مراجعة: مصطفى شهباز
تصميم: احمد الوائلي
كتبه لموقع big think: ماريا لورا دي توماسو و مارينا ديلا غويستا
بتاريخ: 12/12/2017
منظمة العفو الدولية (الأمينيستي) وصحيفة الإيكونوميست هما مؤسستان مختلفتان تماما، لكنهما توصلا لنفس النتيجة فيما يتعلق بأسواق المتاجرة بالجنس. في اغسطس الماضي، قرر المجلس الدولي لمنظمة العفو دعم الالغاء الكامل لقوانين تجريم البغاء، معللين ذلك بأن من شأنه أن يحمي حقوق العاملين في هذا المجال بشكل أكبر، كما انه افضل لصحة وسلامة جميع المعنيين بهذا الموضوع. وقد حرص المجلس الدولي لمنظمة العفو على الإعلان عن معارضته لتجريم العمل الجنسي لكل من العملاء والعاملين في مجال الجنس. اذ إن تجريم الجانبين (العرض والطلب) يعني دفع هذا السوق إلى الاقتصاد الخفي، مما يزيد من المخاطر التي يواجهها العاملون فيه.
من ناحية اخرى وبشكل قد يكون غير متوقع ناقشت صحيفة الإيكونوميست اهمية التحرير الكامل لسوق الجنس واوضحت موقفها المناهض لسياسات التجريم، في تقريرها عن الجنس مقابل المال والمنشور في سنة 2014.
وقد انضم الى القضية مؤخرا الخبير الاقتصادي الكينزي* البارز وعضو مجلس اللوردات البريطاني روبرت سكيدلسكي، حيث دعا الى مكافحة التجريم وتنظيم هذا السوق.
في الوقت نفسه، يواصل عدد من الممثلين والمنظمات البارزة الترويج إلى ما يسمى “الطريقة السويدية” في التعامل مع هذه القضية. اذ تم تضمين هذا المنهج في قانون كفينوفريد للعنف ضد النساء لعام 1999، ومنذ اعتماده في النرويج وأيسلندا اصبح يسمى “المنهج الشمالي” بصورة ادق، وهو يدين الصناعة كمكان تتعرض فيه النساء للظلم، ويهدف إلى مكافحة الاتجار بالعاملات بالجنس عن طريق تجريم ممارسة الجنس مقابل المال. روّجت الحكومة السويدية لهذه المقاربة محلياً وخارجياً من خلال التعليم العام والمؤتمرات والضغط الشديد في الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة.
نعتقد كاقتصاديين أن السياسة العامة يجب أن تقوم على اعتبارات تصب في المصلحة العامة. بعبارة أخرى، ماهو الحل الأفضل لهذا الموضوع؟
طوال أبحاثنا المتعلقة باقتصاديات العمل بالجنس، طرحنا على أنفسنا مجموعة من الأسئلة الأساسية حول مصلحة المعنيين. ماذا نعرف عن الوكلاء والبغايا والقوادين والزبائن؟ أي نوع من الناس هم من حيث خصائصهم الاجتماعية، سلوكياتهم ودوافعهم؟ ماهي نسبتهم من التعداد السكاني؟ وكمهتمين بالشأن الاقتصادي كان من المهم بالنسبة لنا معرفة الترتيبات المؤسساتية بشكل خاص، من شوارع وبيوت دعارة وصالونات وشقق، حيث يعمل بعضهم، وكيف يتأثرون بالقوانين والاحكام المختلفة. فالقوانين في نهاية المطاف ليست شيئا واحدا محددا، بل هي طيف واسع من الممنوعات والمسموحات، ودرجات مختلفة من التجريم واضفاء الشرعية.
أمضينا 15 عاما في البحث عن هذه الأسئلة باستخدام البيانات التي زودنا بها عملاء من الولايات المتحدة وبريطانيا وعينة دولية من العاملين بالجنس من بلدان أوروبا الشرقية ودول الاتحاد السوفياتي السابق، وكذلك من بلدان أفريقيا وأمريكا اللاتينية والصين وجنوب شرق آسيا. لقد عملنا مع العديد من المتعاونين وخضع عملنا لمراجعة شاملة من قبل زملائنا، ونقد مهني في الصحف والمؤتمرات والكتب. وإليكم ما يمكننا أن نقول..
إن العاملين في مجال الجنس، (نساء ورجال) يواجهون مخاطر على صحتهم، ومخاطر التعرض للعنف والاحتيال (لا يتم دفع مستحقاتهم مقابل خدماتهم). وفي كل حالة، تكون هذه المخاطر أعلى حيث يجرم البغاء، ويرجع ذلك جزئيا إلى أن التجريم يجعل التعاون مع كل من الموظفين الطبيين والمؤسسات القانونية أكثر صعوبة. كما أن تجريم العمل الجنسي يجعل الكشف عن الأشخاص دون السن القانوني أو اولئك الذين تتم المتاجرة بهم أكثر صعوبة. ولعله من المفاجئ أن تبين أبحاثنا بشأن النساء المُتاجر بهن لأغراض الخدمات الجنسية أو النساء اللائي يعملن في الشوارع أفضل حالا من العاملات في الصالات أو النوادي أو الفنادق بأشكال عدة. اذ تتمتع العاملات في الشوارع بقدر أكبر من حرية التنقل، ومقدار أقل من الإيذاء البدني والجنسي، كما إن فرص حصولهن على الخدمات الصحية اعلى من النساء اللواتي يعملن في الصالونات أو النوادي والفنادق. فبالنسبة لكل من الزبائن والعاملين في مجال الجنس، يؤدي التجريم إلى دفع السوق ككل إلى وضع مخفي في أماكن معزولة. فالشقق والنوادي وصالات التدليك هي أماكن أكثر انفصالا عن بقية المجتمع، وبالتالي تنخفض جودة الظروف المعيشية للنساء المتاجر بهن في هذه البيئات الخطيرة.
إن اغلب زبائن العاملين في الجنس من الرجال، لكن ليس بشكل حصري. وهم في الغالب رجال عاديون، فعند مقارنة بيانات العملاء مع بيانات السكان من الذكور في كل من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة فإننا لم نجد فروقات ملحوظة بين المجموعتين. مع ذلك فان العملاء مهتمين بتأثير دفع المال مقابل الجنس على سمعتهم، اذ يواجهون مخاطر أكبر عند تجريم البغاء. ولكن بشكل عام فان الزبائن يميلون للمخاطرة، اذ تمت ملاحظة علاقة بين الدفع مقابل الجنس والانخراط في سلوكيات خطرة اخرى. فتجريم البغاء بالنسبة للعديد من الرجال هو في الحقيقة امر اكثر جاذبية من العمل الجنسي المقنن.
اذن دفع العمل الجنسي الى الظلال لا يجعله اكثر خطورة فحسب بل يزيد من الطلب عليه حقيقة.
*نسبة الى النظرية الكنزية في الاقتصاد (المنسوبة الى جون مينارد كينز)، وتركز هذه النظرية على دور كلا القطاعين العام والخاص في الاقتصاد (أي الاقتصاد المختلط)، حيث يختلف كينز مع السوق الحر ويتفق مع تدخل الدولة في بعض المجالات.
المقال باللغة الانكليزية: هنا