ترجمة: علي محمد رجاي
مراجعة: مصطفى شهباز
تصميم: حسام زيدان
في فترة ما كان يموت سبعة آلاف شخص يومياً في القاهرة، كما دفن ثلاث ارباع سكان فلورنسا في مقابر جماعية. وأختفى ثلث سكان الصين قبل أن يعرف العالم عن الخطر القادم من هناك.
في الوقت الذي تلاشى فيه مرض الطاعون الدبلي والذي كان يشبه إعصار مدمر اجتاح العالم في القرن الرابع عشر ميلادي، مات من العدوى ما يقارب نص التعداد السكاني في كل منطقة من المناطق التي اجتاحها هذا المرض المرعب والموجع.
دمر الموت الأسود -كما يطلق عليه عادة– أوروبا بشكل خاص، والتي كانت تمر بقرن من المجاعة والحروب والفضائح التي طالت الكنيسة والتي انتقل مقرها الرئيسي من روما إلى مدينة أفينيون في فرنسا، للهروب من الاقتتال الداخلي بين الكرادلة.
قتل المرض في نهاية المطاف ما يقارب الـ75 مليون شخص. واستغرق الأمر قرون عديدة ليتعافى تعداد السكان في العالم من اثار هذا الطاعون المدمر، لكنه تسبب في حصول تغيرات اجتماعية دائمية في المناطق التي تأثرت به.
قاتل سريع
كانت عدوى مرض الطاعون تنتقل بطريقتين، بلدغة الحشرات أو عن طريق الهواء. في كلا الحالتين، نادراً ما بقي الضحايا على قيد الحياة أكثر من ثلاثة إلى أربعة أيام بعد اصابتهم بالعدوى، حيث يعاني المصاب من حمى وقيء شديد وتضخم غدده الليمفاوية إلى حد الانفجار.
كانت البكتريا المسببة للطاعون خاملة منذ مئات السنين، قبل أن تعاود نشاطها في صحراء غوبي في شمال الصين عام 1320، لتنتشر بسرعة في جميع الاتجاهات مع دماء البراغيث التي كانت تتغذى على الجرذان.
انتقل الطاعون مع البضائع التي كانت تسلك طرق التجارة في القرون الوسطى التي تمر من الصين عبر اسيا الوسطى وتركيا وصولاً الى أوروبا التي وصلها مرض الطاعون في عام 1347 على متن سفينة تجارية كان طاقمها قد توفى بالمرض في الوقت الذي وصل فيه الميناء. كانت اوروبا آنذاك ذات كثافة سكانية عالية، حيث شهدت نمواً حديثاً في عدد سكان مدنها، مما هيأ بيئة خصبة لهذا المرض.
دمر الموت الأسود القارة الأوربية لمدة ثلاث سنوات قبل أن يمتد الى روسيا، مما أسفر عن مقتل ثلث إلى نصف السكان بطريقة مأساوية.
قتل الطاعون بلا تمييز ولكن بصورة خاصة في المدن وبين المجموعات التي كانت على اتصال وثيق بالمرضى. حيث اختفت أديرة كاملة برهبانها خارج أوروبا التي فقدت معظم أطبائها. وفي الريف، تم التخلي عن قرى بأكملها. ووصل المرض حتى البؤر الاستيطانية المعزولة لغرينلاند وايسلندا، ولم يتبق سوى الماشية تتجول بحرية دون راعي، ووفقا لمؤرخين زاروا هذه المناطق بعد سنوات من المرض.
مشهد جديد
ظهرت الاثار الاجتماعية للطاعون مباشرة بعد أن تلاشى خطر المرض. وقد استفاد الناجون من المرض من النقص الشديد في اليد العاملة، حيث أصبح للعاملين في زراعة الأرض القدرة على اختيار المالك الذي يعملون من أجله. كما اضطر ملاك الأراضي لتحسين ظروف العمل وجعلها أفضل وأكثر جاذبية، أو أن تترك أراضيهم دون عمال، مما أدى لزيادة عامة في الأجور.
تلك التحسينات التي طرأت على اوضاع الفلاحين لم تجعلهم ينسون طعمها، لذا بعد أن حاول ملاكي الأراضي بعد عقد من الزمن الرجوع الى الطرق القديمة في تعاملهم مع الفلاحين، شهدت اوروبا عدة ثورات قام بها الفلاحون والطبقات الدنيا من أجل الحفاظ على حرياتهم ومكتسباتهم.
اوضاع الكنيسة لم تكن أفضل حالا، حيث ازداد انعدام الثقة في الكنيسة، التي كانت في وضع ضعيف بسبب الفضائح البابوية الأخيرة، حيث أدرك الناس أن الاعتماد على الكنيسة لا يقدم لها شيئا لوقف انتشار المرض ومعاناة الأسر. حيث توفي الكثير من الكهنة أيضا، توقفت خدمات الكنيسة في العديد من المناطق.
كما اصبح السكان اليهود كبش فداء. حيث اتهموا في بعض الأماكن بتسميم المياه لأن معدلات الوفيات لديهم كانت في كثير من الأحيان أقل بكثير من بقية السكان الاخرين، وهو ما يعزوه المؤرخون إلى عادات النظافة لديهم. هذا التحيز ضد اليهود لم يكن جديداً في أوروبا في ذلك الوقت، ولكن ازداد بشكل كبير أثناء الطاعون مما سبب فرار الكثير من اليهود إلى بولندا وروسيا، حيث بقوا هناك بأعداد كبيرة حتى القرن العشرين.
المقال باللغة الانكليزية: هنا