ترجمة: آمنة الصوفي
تدقيق: عمر أكرم المهدي
تصميم: حسام زيدان
كتبه لموقع (big think): تيودورا زاريفا (TEODORA ZAREVA)
منشور بتاريخ: 12 ديسمبر، 2017
يمتلك الأشخاص ذوو معدل الذكاء المرتفع الأفضلية في العديد من المجالات. ومن البديهي أن يكون لديهم مستوى تعليمي أعلى، ووظائف أفضل، ومستوى دخل أعلى. ومع ذلك، اتضح أن ارتفاع معدل الذكاء يرتبط أيضًا مع مختلف الأمراض النفسية والمناعية مثل الاكتئاب والاضطراب ثنائي القطب والقلق واضطراب قصور الانتباه وفرط الحركة، فضلًا عن الحساسية والربو، واضطرابات المناعة. لمَ هذا؟ مقالة حديثة نشرتها مجلة (Intelligence) استعرضت الأدبيات واستكشفت الآليات التي يمكن أن تكمن وراء هذا الصدد.
قارن القائمون على الدراسة البيانات المأخوذة من 3715 من أعضاء جمعية مينسا الأميركية (الأفراد الذين شكلوا 2% في اختبارات الذكاء) مع البيانات المستمدة من الدراسات الاستقصائية الوطنية من أجل فحص انتشار العديد من الاضطرابات لدى أولئك الذين يمتلكون ذكاءً أعلى مقارنة مع متوسط الذكاء السكاني.
وأظهرت النتائج بأن الأفراد الذين يمتلكون معدل ذكاء عالٍ هم أكثر عرضة بنسبة 20% لأن يصابوا باضطراب طيف التوحد، و 80% أكثر عرضة للإصابة باضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه، و 83% أكثر عرضة للإصابة بالقلق، و 182% أكثر عرضة لظهور اضطراب مزاجي واحد على الأقل.
عندما يتعلق الأمر بالأمراض الفسلجية، فإن الأشخاص ذوي القدرات المعرفية العالية هم أكثر عرضة بنسبة 213% للحساسية البيئية، وبنسبة 108% أكثر عرضة للربو، وبنسبة 84% أكثر عرضةً لأمراض المناعة الذاتية.
انتقل الباحثون إلى مجال علم النفس العصبي المناعي (psychoneuroimmunology) للبحث عن بعض الإجابات. يبحث علم النفس العصبي المناعي في تأثير الإجهاد المزمن الناتج عن العوامل البيئية على عملية التواصل بين الدماغ والجهاز المناعي.
ويشير الباحثون إلى أن الأشخاص ذوي الذكاء العالي لديهم ميل إلى «النشاط الذهني المفرط» وزيادة في تفاعلية الجهاز العصبي المركزي. من ناحية أخرى، هذا يعطي أصحاب الذكاء العالي مزيدًا من الوعي الذي يثري عملهم الإبداعي والفني. في الحقيقة، مجال القدرة المعرفية يميّز جانبًا واحدًا بالنسبة للأشخاص فائقي الذكاء في كونهم «يمتلكون قدرةً أوسع وأعمق لفهم محيطهم.»
غير أن هذا النشاط الذهني المفرط يمكن أن يؤدي أيضًا إلى الاكتئاب ويسبب انحدارًا في الصحة النفسية. وقد اتضح ذلك بشكل خاص بالنسبة للشعراء والروائيين والأشخاص ذوي الذكاء اللغوي العالي. إن تفاعلهم العاطفي الشديد مع البيئة يزيد من الميول لظهور الاجترار والقلق، وكلاهما يؤدّيان إلى الاكتئاب والاضطرابات النفسية.
ذكر الباحثون في هذا المجال أن ردود الفعل النفسية المتفاقمة يمكن أن تؤثر على المناعة. إذ يُظهر الأشخاص الذين لديهم حساسية مفرطة ردود فعل قوية تجاه المحفّزات الخارجية التي تبدو غير ضارة مثل الانزعاج من علامات الملابس أو أي صوت. قد يتحول رد الفعل هذا إلى إجهاد متواصل واكتئاب ويؤثر على عمل جهاز المناعة.
عندما يعتقد الجسم بأنه في خطر (بغض النظر عما إذا كان ما يراه حقيقيًا مثل السم أو مجرد تخيُّل مثل صوت مزعج)، فإنه يُطلق سلسلة من الاستجابات الفسيولوجية التي تشمل عددًا لا يُحصى من الهورمونات والناقلات العصبية والجزيئات المنذرة. عندما يتم تنشيط هذه العمليات بصورة متواصلة، فإنها يمكن أن تغير الجسم والدماغ، وتشوّش وظيفة الجهاز المناعي وتؤدي إلى حالات مرضية مثل الربو والحساسية وأمراض المناعة الذاتية.
وأكّدت البحوث العلمية العلاقة بين الأطفال الموهوبين وزيادة معدل الحساسية والربو. وأظهرت إحدى الدراسات بأن 44% من أولئك الذين يمتلكون معدل ذكاء أكثر من 160 يعانون من الحساسية مقارنة مع 20% من أقرانهم في نفس الفئة العمرية. الدراسة الاستكشافية التي قام بها مؤلفو هذه الورقة البحثية الأخيرة تدعم هذا الصدد كذلك.
واستنادًا إلى النتائج التي توصلوا إليها والدراسات السابقة وصف الباحثون هذه الظاهرة (فرط الدماغ / فرط الجسم) – (hyper brain / hyper body theory of integration) استنادًا إلى نظرية التكامل، موضحين أن:
قد تؤدي فرط الحساسية التي يعاني منها ذوو الذكاء المرتفع إلى تعرض هؤلاء الأفراد لخطر إظهار ردود فعل مبالغة للأحداث البيئية الداخلية و/ أو الخارجية. قد يساهم الاجترار والقلق اللذان يصاحبان هذا الوعي المتزايد في نمط مزمن من الصراع، والهروب، أو تعطيل الاستجابات التي أطلقت بعد ذلك سلسلة من الأحداث المناعية. […] في الوضع الطبيعي، فإن التنظيم المناعي هو التوازن الأمثل للاستجابة المؤيدة والمضادة للالتهابات. وينبغي أن تتعادل مع الالتهاب بنفس القوة ومن ثم العودة فورًا إلى حالة هادئة. في أولئك الذين يعانون من فرط الحساسية التي سبق مناقشتها، بما في ذلك اضطراب طيف التوحد، فقد اظهروا فشلًا في تحقيق هذا التوازن، وبالتالي يؤدي ذلك إلى حالة تنشيط مستمرة للالتهاب.
وتوصل القائمون على الدراسة إلى خلاصة أفادت بأهمية مواصلة دراسة العلاقة بين الذكاء المرتفع (وخاصة من يمثلون أعلى بــ 2%) والمرض، ولاسيّما من أجل إظهار السببية وزيادة إبراز الجوانب السلبية لوجود معدل ذكاء مرتفع. كما يقولون: ’’هذه الهبة يمكن أن تكون إما حافزًا للتمكين وتحقيق الذات أو يمكن أن تكون مؤشرًا على التقلّبات والوهن‘‘ ومن أجل خدمة هذه المجموعة، من المهم ’’أن نعترف بدمدمة الرعد التي تلي تألقهم.‘‘
المقال باللغة الانكليزية: هنا