كتبه لصحيفة النيويورك تايمز الأميركية: ماكس فيشر و أماندا تاوب.
منشور بتاريخ: 29 سبتمبر، 2017
ترجمة وتصميم: نعمان البياتي
متى تُحقق الحركات الاستقلالية أهدافها، وتمنح أصحابها الحرية؟ تم وضع مجموعة من القواعد والقوانين في العقود السابقة، لتحديد الطريق الذي يجب السير عليه للوصول للهدف، ولكن هذه القوانين تضم تناقضات ضمنها، ومع دَفعِ الكتلونيين في إسبانيا، والأكراد في العراق، لحركاتهم الاستقلالية من خلال الاستفتاء، تظهر هذه التناقضات بشكل واضح.
القاعدة الأولى: أطِّر قضيتك بإطار الصراع من أجل الديمقراطية، وحقوق الإنسان أولاً، وحق تقرير المصير الوطني ثانياً، هذا سيساعد في تجاوز القوانين التي تنص على عدم وجود حق قانوني، عالمي أو محلي للانفصال؛ كذلك، اكسب القوى الدولية، أو الولايات المتحدة على الأقل، لإجبار، أو إكراه، أو حتى رشوة الحكومة التي تريد التخلص من سلطتها، فإن لم يكن الانفصال مرغوباً به من الطرفين، فسيكون من المستحيل في الغالب، حل المسألة سلمياً، لذا سيكون من الأفضل ادّعاء أن الجميع يرغب بالانفصال.
وفي الحالة المثالية، اطلب الاستقلال من حاكم غير منتخب، وقليل الأصدقاء، وقم بتوظيف مجموعات ضغط (لوبي) لإقناع قادة العالم، أن قضيتك ستكون ذات فوائد ومنفعة لهم، وتصويرها على إنها مسألة سهلة ومفيدة؛ واحرص على ألّا يسأل أحدٌ، المواطنين الآخرين ضمن دولتك، إن كانوا يرغبون في وجود حدودٍ مشتركةٍ آمنةٍ بينكم، مما قد يكشف أن الاستفتاء قد يستثني العديد من الناس، الذين قد يتضررون بنتائجه.
وفي النهاية، وكما تقول (بريجيت كوكنز)، العالمة السياسية التي تدرس حالات طلب الانفصال، فإن الذين يرغبون في الانفصال، عليهم أن يتعاملوا مع ما يريده الأقوياء.
الكتلونيون على سبيل المثال، بنوا حركتهم الانفصالية حول الأفكار العليا، التي من المُفترض إنها ستؤدي إلى الاستقلال، فنظموا حركاتهم بعيداً عن العنف، ودعوا إلى تصويت مفتوح، وقدموا أنفسهم على إنهم مطالبون بحق عالمي لتقرير المصير؛ تسميها السيدة (كوكنز)، حركة مسالمة جميلة، لكنها مرتبكة تماماً من منظور العلاقات الدولية.
يحظى الكتلونيون بدعم عالمي ضعيف، مقابل رفض شديد، وكذلك هو الحال مع أكراد العراق، مما جعل الاثنان، على مسار واحد ضد القوى العالمية، والتناقضات المؤلمة لمبادئ الانفصال؛ وتأتي حركاتهم في وقت، القيادة الأمريكية فيه منسحبة بشكل كبير، وغير متواجدة لحل هذه التناقضات.
تناقض الانفصال
النظام العالمي الحديث، مبني جزئياً، على فكرتين، يبدو عليهما التعارض، وهما: الحدود مقدسة، وإن الناس يقررون وضعهم السياسي بأنفسهم؛ فالأولى اتُّفق عليها، لوضع حد للحروب، من خلال اجتياح البلدان، أو التمردات الانفصالية، أما الثانية، فقد وُضعت لحماية الناس من الدكتاتوريين، والمحتلّين؛ ولكن عندما تقرر مجموعة من السكان، أن تنفصل عن الكل الواحد، نجد القاعدتين السابقتين متصادمتين.
الأمر السابق أدى إلى هوّة في النظام العالمي، عندما يأتي الأمر لإعلان الاستقلال، فلا الأعراف تحدد متى يكون ذلك مسموحاً، ولا القوانين توضح ذلك؛ إذ يقول أستاذ القانون (كريس بوركين) “بصورة عامة، لا يوجد حق لأحد للانفصال في ظل القانون العالمي” ويضيف “الانفصال ليس حقاً، لكنه ليس بالضرورة غير قانوني أيضاً”؛ أما على أرض الواقع، فإن القوى الكبرى تملأ هذا الفراغ، وتحدد متى يكون تدخلها لحماية الحدود، متوافقاً مع رغبة مجموعة ما بالانفصال.
فاستفتاء انفصال جنوب السودان على سبيل المثال، خرج من اتفاق السلام العالمي، الذي أنهى الحرب الأهلية السودانية الطويلة؛ هذا يعني، أنه كان للأمر شرعية عالمية ضمنية، وأن الحكومة السودانية، أذعنت للانفصال بشكل أو بآخر، أما إسبانيا، فإنها غير موافقة على انفصال كتالونيا، ولا العراق موافق على انفصال الأكراد، وبدون وجود موافقة، كما في الحالة السودانية، تصبح الأمور متقلبة جداً.
إعلان كوسوفو الاستقلال من صربيا، كان بدعم من الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين، لكنه كان معارضاً لرغبة الصِرب، والحكومة الروسية؛ اليوم، رغم أن كوسوفو معترف بها من قبل أكثر من 100 دولة، فإنها لا تزال غير معترف بها من قبل الأمم المتحدة.
فبسبب المبادئ المقدسة لتقرير المصير، فإن الديمقراطية، والاستقلالية، ستصطدمان في جميع هذه الحالات تقريباً، والقوى تجد طريقها لتبرير مواقفها دائماً؛ فروسيا بررت موقفها لغزو القرم، برغبة سكان القرم المزعومة للانضمام إلى روسيا، مغطّيةً قضيتها باستفتاء مغلوط؛ الولايات المتحدة، باعتراضها على طبيعة التصويت، تمكنت من تفادي الإجابة على السؤال الصعب، وهو هل إن القرميين فعلاً يريدون أن يصبحوا جزءاً من روسيا.
من الناحية القانونية، وجد السيد (بروكين) وباحثون آخرون عديدون، أن روسيا كانت مخطئة، لكن ضم روسيا للقرم، ودَعمِها للحركات الانفصالية عبر أوروبا، يوضح الفجوة بين كيفية عمل الانفصال نظرياً، وكيفية عمله على أرض الواقع؛ وربما وجد الكتلونيون أنفسهم واقِعين في هذه الفجوة، مؤمنين بأن رغبتهم في الديمقراطية، وحق تقرير المصير سيأتي بالهدف؛ القوى الغربية، وبعد عقود من دعم مبادئ الانفصال، ومن ضمنها دعم استقلال كوسوفو، ربما ستجد طريقاً لثني الكتلونيين عن رغباتهم.
معضلة الانفصاليين
”القادة الأكراد يعلمون جيداً، أن الواقعية السياسية، لا المثالية، هي التي ستحدد مدى نجاح رغباتهم في الاستقلال“، يقول (مورجان قبلان)، العالم السياسي الذي يدرس القضية الكردية؛ فبحسب (قبلان) فإن الاستفتاء، من وجهة نظر كردية “كان يُفترض أن يكون الخطوة الأولى للتفاوض مع بغداد”، وأنهم فكروا أن مناشدة الأعراف العالمية، قد يدفع بالولايات المتحدة، والقوى الأخرى لدعم الاستقلال، وإنه في المقابل، سيضغط على بغداد، للموافقة على الانفصال.
لكن التصويت في الحقيقة، وضع الولايات المتحدة في صف بغداد، كمعارضين للمسألة، موضِّحاً فكرة “معضلة الانفصاليين” التي تذكرها (إيريكا كينوويث)، و(تانيشا فضل)، وهي إن القوانين غير المُعلَنة للانفصال، تفشل غالباً، أو تؤدي لمفعول عكسي حتى؛ “الانفصاليون، لا يُكافؤون عادة، لفعل ما يقوله المجتمع الدولي” كتبت السيدة (فضل) على تويتر، وأضافت بعد إعلان الأكراد مَضيّهم في طريقهم، متجاهلين القوانين “في لحظة ما، سيلتحق بهم الانفصاليون، أتساءل إن كان أكراد العراق قد وصلوا لهذه المرحلة”.