ترجمة: منار إبراهيم
تدقيق: نعمان البياتي
تصميم: مكي السرحان
هل سبق وأن شعرت بإجهاد وضغط شديدين على مدار اليوم لسبب غير واضح؟! إذا سبق وفعلت ذلك، فقد يكون هذا راجعًا إلى عدد ساعات عملك – أو بالأحرى، الوقت الذي باشرت فيه عملك.
تشير إحدى الدراسات التي نُشرت مؤخرًا، إلى إن مُباشرة العمل في الصباح الباكر ليست بالأمر الجيد على الإطلاق، إذ إنها تؤدي إلى مشاكل أكثر خطورة من مجرد الشعور بالإجهاد والضغط؛ حتى وإن كنت تستطيع الاستيقاظ مبكراً بسهولة، فإن الصعوبة تكمن في النشاط البدني، الذي يتعين عليك القيام به للنهوض من الفراش؛ وإذا تساءلت عن السبب وراء ذلك، ستجد أن أجسادنا تواجه صعوبة في التزامن مع الطريقة التي يسير على خُطاها مجتمعنا العصري، أي إن أنماط نومنا الطبيعية تختلف جُملة وتفصيلًا عن ساعات العمل التي يُحددها المجتمع.
الأمر الذي حدا بالعلماء إلى مقارنة العمل قبل العاشرة صباحاً بالتعذيب الناجم عن حرمان الشخص من الحصول على قسط كافِ من النوم.
ويرجع هذا إلى إن أجسادنا تعمل وفقًا لما يُدعى “الإيقاع البيولوجي”، فهذا الإيقاع البيولوجي – أو ساعة الجسم البيولوجية إن صح التعبير – عبارة عن دورة مُبرمجة وراثيًا، والتي من شأنها التحكم في الأنشطة الرئيسية لأدمغتنا، وطاقتنا، وإنتاج الهرمونات بأجسادنا، وكذلك إدراكنا للوقت.
وقد قام – عالم الأعصاب بجامعة أكسفورد – الدكتور بول كيلي بالعديد من الأبحاث لسبر أغوار هذا الموضوع، حتى خلص إلى العديد من الاكتشافات التي قد تؤثر علينا بشدة؛ وبنظرِهِ إلى صور التعذيب العصري المتنوعة لدينا، اكتشف أن الاستيقاظ والذهاب إلى العمل مبكرًا قبل العاشرة، لا يختلف كثيرًا عن أنواع التعذيب المُتعارف عليها، بل هو إحدى صورها كذلك.
وقد استطرد كيلي قائلاً – وفقاً لنتائج أبحاثه – إنه لأمرٌ غاية في الخطورة أن تُكرِه جسدك على الاستيقاظ مبكرًا قبل دماغك وأعضاء جسدك، هذا لِما له من تبعات وخيمة وغير صحية بالمرة، وذلك نظرًا لتضاربه مع ساعة أجسادنا البيولوجية؛ تلك الساعة التي لا يمكن تغييرها، لأنها قد سبق وتمت برمجتها بالفعل داخل المخ.
ناهيك عمّا قد نتعرض له من مشاكل صحية – إذا ما عارضنا أنماط نومنا الطبيعية هذه وخالفناها – مثل الحرمان من النوم، والضغط البدني والعاطفي، وقد يتفاقم الأمر ليصل إلى مشاكل صحية أكثر خطورة.
كما أضاف كيلي قائلاً: “لن نستطيع التغيير من إيقاع يومنا على مدى الأربع وعشرين ساعة، فضلاً على أن تَعلُّم الاستيقاظ في وقت محدد ليس بالأمر اليسير كذلك… حيث تنتهج أعضاء جسدك مثل الكبد والقلب أنماطًا مغايرة تمامًا، وها أنت ذا تأتي مطالبًا إياهم بتغيير هذا النمط ساعتين أو ثلاث ساعات!.”
ولإثبات ما توصل إليه عمليًا، أجرى كيلي تجربة – بالتعاون مع جامعة أكسفورد – على إحدى مدارس المملكة المتحدة، إذ عمل على تغيير بداية اليوم الدراسي فيها من الثامنة والنصف إلى العاشرة صباحًا، وقد جاءت النتائج مُبشرة للغاية؛ إذ أسفرت تلك التجربة عن ارتفاع نسبة الحضور بين الطلاب، هذا بالإضافة إلى تحسن أدائهم ونشاطهم الدراسي، وبالتالي انعكس ذلك على معدلات النجاح التي شهدت ارتفاعًا بنسبة بلغت 19%.
لذا، يبقى السؤال المطروح هنا: لِمَ المداومة على تعذيب أنفسنا؟ ألم يأنِ لنا الكف عن هذا العبث؟
بالعودة قليلاً إلى الوراء، نجد أن النظام القائم على العمل لمدة ثمانِ ساعات يوميًا، كان قد أنشئ أولاً في مطلع القرن العشرين، وذلك حرصًا منهم على زيادة إنتاجية العمال، لإنتاج أكبر عدد ممكن من المصنوعات، إذ إنهم –للأسف – لم يأخذوا في اعتبارهم هذا الإيقاع البيولوجي الذي يتناسق مع ضوء الشمس.
ولسوء الحظ، لم يتغير أي شيء مذ ذلك الحين، وظلت الأمور قائمة على ما هي عليه، ولا زلنا عالقين في هذا النظام المُتعارض مع وظائف أجسادنا الطبيعية.
خلاصة القول، إنه إذا حصلنا على قسط كافِ من النوم، سيزداد تركيزنا مما ينعكس إيجابًا على كفاءتنا وإنتاجيتنا في العمل، لأنه إذا ما استرقنا السمع إلى أجسادنا لفهم ما تحاول إخبارنا إياه، وجعلناها تستفيق من نومها بصورة طبيعية، فهذا حتمًا سيرفع من مستوى سعادتنا، وجميعنا يعلم جيدًا أن أكثر الأشخاص سعادة، هم أفضلهم كفاءة وإنتاجية في العمل.
رابط المقال بالانكليزية: هنا