مفاجأة ناسا:
النشاط الهيدروحراري على قمر إنسيلادوس التابع لزُحل قد يدل على وجود الحياة فيه
تعتبر الأقمار الجليدية للنظام الشمسي الخارجي بعضًا من أفضل الأماكن لإستضافة الحياة خارج الأرض. والآن، إكتشاف جديد يضع القمر (إنسيلادوس) في المرتبة الأولى من حيث ملائمته للحياة. وقد أكّد فريق دولي من العلماء وجود نشاط حراري على القمر إنسيلادوس، وهو القمر المغطّى بالجليد التابع لزُحل.
حيث أعلنت وكالة ناسا يوم الخميس 13 أبريل/نيسان 2017 عن إكتشاف إمكانية وجود الحياة على قمر إنسيلادوس الذي يدور حول كوكب زحل؛ موضّحة أن القمر يحتوي على معظم الظروف الضرورية للحياة من ماء وكيمياء حيوية (الكاربون وغيره من عناصر الحياة الأساسية)، التي تُـمكّن الكائنات الحية من العيش عليه.
وتوصّل العلماء إلى ملاحظات حديثة مفادها أن القمر الجليدي (إنسيلادوس) التابع لكوكب زحل قد يكون المكان الوحيد في المجموعة الشمسية الذي يصلح للحياة خارج حدود كوكب الأرض.
وتأتي هذه الملاحظات بعد رحلة المسبار كازيني حول هذا القمر الصغير لمسافة امتدّت لخمسمائة كيلومتر.
وأثناء الرحلة، جمع المسبار عيّنات من المياه من أعلى سطح المحيط الموجود على هذا القمر.
ويرجّح التحليل الكيميائي الذي قام به المسبار كازيني أن القمر (إنسيلادوس) ينفث أبخرة لسوائل دافئة تشبه إلى حدٍ كبير الأبخرة الموجودة على الأرض، والتي ترتبط بوجود الحياة.
ناسا وجدت أن غاز الهيدروجين يتصاعد من محيط تحت سطح قمر إنسيلادوس، الذي يدور حول كوكب زحل، وهذا يعني أن المياه والكيمياء ومصادر الطاقة اللازمة للحياة توجد على ظهر هذا القمر، وقد يحتوي بالفعل على حياة وفيرة تشبه الحياة على كوكب الأرض.
لكن العلماء قالوا إن اكتشاف مصادر المياه والكيمياء الحيوية والطاقة اللازمة لتطوّر الحياة على قمر إنسيلادوس، لا يشكّل دليلًا على أن الحياة قد تطوّرت بالفعل في عالم آخر أو أننا سـنجد هنالك كائنات حية كما هو الحال على الأرض، ولكن كشف النقاب عن وجود محيط تحت أرض قمر زحل هذا والذي يحتوي على هذه العناصر يجعله مرشّحًا رائدًا لإستضافة الكائنات الحية كالكائنات الدقيقة مثلًا.
وقال الدكتور هانتر وايت (Dr Hunter Waite)، الخبير في معهد أبحاث ساوثويست للابحاث في سان أنطونيو بولاية تكساس الأمريكية (Southwest Research Institute in San Antonio, Texas) الذي يشارك في تشغيل المسبار كازيني، لـ (بي بي سي): ’’إن مجرّد وجود نُـظم مائية حرارية لا يمكن أن يكون ضمانًا لوجود حياة لكائنات على هذا القمر الصغير، وربّما تكون البيئة هناك غير صالحة للحياة. لكن النتائج الجديدة تؤكّد ضرورة العودة إلى هذا القمر بمعدّات وتكنولوجيا أكثر تطوّرًا تمكّننا من إعادة جمع عيّنات من المياه للحصول على أدلّة واضحة على أن الحياة البايولوجية موجودة هنالك أيضًا.‘‘
وأضاف قائلًا: ’’نحن متأكّدون من وجود كائنات في المحيط الداخلي تحت سطح القمر (إنسيلادوس)، ونحتاج إلى العودة مرّة أخرى للتحقّق من ذلك.‘‘
وتابع متحدّثا للبي بي سي أيضًا: ’’لا ضير إن لم تكن هنالك حياة؟ ولكن إذا كانت هنالك حياة فهذا أفضل. بالتأكيد تودّ أن تطرح السؤال لأنّه من المثير للإهتمام أيضًا ألّا تكون هنالك حياة في ظل هذه الظروف.‘‘
ويُـعتقَد أن المحيط الداخلي الذي يجري تحت سطح القمر (إنسيلادوس) يقع على عمق عدّة كيلومترات، ويحتفظ بسيولته إعتمادًا على الحرارة الناتجة عن الضغط المستمر بفعل جاذبية القمر التي يكتسبها من زحل.
وتوصّل المسبار كازيني إلى أن للمحيط الموجود تحت سطح قمر زحل قاعًا صخريًّا مكوّنًا من صخور الأملاح والسيليكا التي رصد المسبار وجودها من خلال الأبخرة المتصاعدة.
لكن ما يحاول العلماء التوصّل إليه هو ما إذا كانت هناك عملية تحدث في أعماق هذا المحيط لها نظير يحدث على الأرض، وهي عملية (التحول السيربنتيني) (serpentinisation).
فـعلى كوكب الأرض، توجد في المحيطات التي تتوسّط الكرة الأرضية عملية تتضمّن تفاعلًا بين مياه البحر والصخور الساخنة التي تصعد لأعلى بفعل حركة المياه والغنية بالحديد والمغنيسيوم. وبإتّحاد أملاح تلك الصخور مع جزيئات الماء تظهر جسيمات بلورية تنتج الهيدروجين وغيره من الغازات التي تستخدمها بعض المايكروبات كمصدر للطاقة من أجل القيام بعملية الأيض. وكانت تلك إشارة مؤكّدة على وجود الهيدروجين في محيط (إنسيلادوس)، وهو ما أكّده المسبار كازيني.
وقال الدكتور كريس ماكاي (Dr Chris McKay)، عالم بايولوجيا الفضاء بوكالة علوم الفضاء الأميركية (ناسا): ’’إذا ما كنت كائنًا دقيقًا، فـسوف يكون الهيدروجين بالنسبة لك كالحلوى، وسيكون طعامك المفضّل.‘‘
وأضاف بالقول: ’’إنّه جيد كمصدر للطاقة، حيث يمكنه دعم الكائنات الدقيقة بقوّة. ويُعدّ العثور على الهيدروجين ميّزة هامة تُـضافُ إلى الجدل الدائر حول وجود حياة على هذا القمر الصغير.‘‘
ويُـطلَق على النوع الذي ذكره ماكاي من المايكروبات بــ (المايكروبات الميثانية) لأنها تساعد على تفاعل الهيدروجين وثناني أوكسيد الكربون.
وكانت وكالة ناسا، المشرفة على عمليات المسبار كازيني، على وشك الإعلان عن وجود الهيدروجين على سطح قمر زحل منذ شهرين بعد إنطلاق المسبار الأخير في أوكتوبر/تشرين الأول من عام 2015، لكنها لم تقم بذلك. أي أن المسبار كازيني كان قد اكتشف وجود الهيدروجين على هذا القمر في خريف عام 2015 عندما حلّق خلال عمود بخار تصاعد من خلال الشقوق في سطح القمر الجليدي، وقال الباحثون إن الطائرة اكتشفت وجود الماء والجليد وآثار الميثان والأملاح وغيرها من مركّبات الكربون، وفق صحيفة الغارديان.
وكان سبب إمتناع ناسا عن الإعلان عن وجود الهيدروجين على (إنسيلادوس) هو إحتمال أن ينتج مطياف الكتلة المحايدة على القمر الصناعي الهيدروجين بداخلها إذا دخلت المياه إلى هذه الأداة بطريقة معيّنة. وقضت المجموعة البحثية بقيادة هانتر وايت عامًا كاملًا في تحليل البيانات للتأكّد من أنّ إشارات الهيدروجين تنتج عن أبخرة المياه الموجودة على القمر وليست نتيجة لتشغيل مطياف الكتلة المحايدة الخاص بالقمر الصناعي. ورغم أنّ هنالك إحتمالًا بأن تكون إشارات الهيدروجين ناتجة عن عمليّة التحوّل السيربنتيني، فلا يزال هنالك إحتمال آخر بأن تكون الأبخرة التي تحمل تلك الإشارات ناتجة عن حرارة شديدة لصخور نيزكيّة بدائية.
يقول جيفري كارجيل (Jeffrey Cargill) الأستاذ بجامعة أريزونا: ’’هذه النتيجة لا تعني أن الحياة موجودة هناك، ولكنها تجعل الحياة أكثر معقولية وربّما وفيرة جدًّا إذا ما أُستُـخدِم جزء من الهيدروجين لدفع التطوّر البايولوجي.‘‘
وأضاف أندرو كوتس (Andrew Coates)، أستاذ الفيزياء في كلية لندن الجامعية: ’’هذا القمر البعيد ينضم الآن إلى المريخ وأوروبا (قمر لكوكب المشتري) كأفضل المواقع المحتملة للحياة خارج الأرض في نظامنا الشمسي.‘‘
وقد وجدت ناسا مياه سائلة على سطح المريخ، ولكن الرياح الشمسية قد جرّدت الآيونات من غلافها الجوي وقد جفَّ الكوكب لحالته غير المشعّة الحالية، ومثل إنسيلادوس؛ أوروبا لديه قشرة جليدية ومحيط تحت الأرض. وتأمل ناسا إرسال مسبار فضائي للقمر في عشرينات القرن الحالي مع إستكمال أدوات الكشف عن الحرارة واختراق الجليد بحثاً عن فتحات تهوية وتنفّس تحت سطح البحر، وأعلن الباحثون أيضًا عن أدلّة جديدة عن أعمدة بخارية وبقعة ساخنة معيّنة على سطح القمر.
وقد درس علماء الأحياء، على مدى عقود، فتحات التهوية التنفّسية لمعرفة كيف بدأت الحياة على الأرض منذ 4 مليارات سنة مضت، وكيف يمكن أن تبدأ في عالم فضائي غريب، حيث لا تتوقّف درجات الحرارة الشديدة والإشعاع عن إطلاق التطوّر البايولوجي.
وقال ديفيد روثري (David Rothery) أستاذ علوم الأرض في الجامعة المفتوحة: ’’إذا كنّا نعلم أن الحياة بدأت بشكل منفصل في مكانين بنظامنا الشمسي، فنحن إذًا سـنكون واثقين تمامًا بأن الحياة بدأت أيضًا على عشرات المليارات من الكواكب والأقمار حول النجوم الأخرى في مجرّاتنا.‘‘
وتقترب مهمّة المسبار كازيني من نهايتها. فـبعد 12 سنة من الدوران حول زُحل، وصل الوقود إلى مستويات منخفضة، ومن ثم يتم إطلاقه في الغلاف الجوي للكوكب الدائري في سبتمبر/ أيلول المقبل للتأكّد من تفادي إصطدامه بالقمر إنسيلادوس في وقت لاحق، وهو الأمر الذي قد يؤدّي إلى تلوّث القمر.
وعلى الرغم من دقّة الأدوات التي زُوِّد بها المسبار، لم تكن هذه الأجهزة مؤهّلة لرصد الحياة البايولوجية على سطح القمر الأبيض الساطع، إذ يحتاج تطوير الأدوات اللازمة لهذا الغرض جيلًا جديدًا كاملًا من مقاييس الطيف، وهو المقترح الذي يعكف عليه الباحثون عليه من أجل إطلاق هذا الجيل الجديد بحلول عام 2026.
وأعطت ناسا الضوء الأخضر لمهمّة جديدة إلى يوروبا، وهو محيط في قمر تابع لكوكب المشترى، الذي يُـعتقَد بأنّ عملية تحوّل (سيربنتيني) تجري عليه، لكن الكتلة الجليدية التي تغلّفه أكثر سُـمكًا، ما يقلّل إلى حدٍّ كبير من كميات المياه التي تخرج منه.
وتعد الميزة التي يتمتّع بها القمر إنسيلادوس هي سهولة دراسة سطحه لأن فضاءه محمّل بتلك المواد إعتمادًا على شبكة من السخانات، فـالمسبار لا يحتاج سوى للتحليق وسط الإنبعاثات لإجراء الدراسة.
• ونُـشرَت الورقة البحثية في صحيفة (ذي جورنال أوف ساينس) العلمية المتخصّصة والتي توضّح أعمال وايت وفريقه.
A paper describing the work of Dr Waite’s group is published in the journal Science.
• المصـادر:-