الرئيسية / ثقافة / قراءة في كتاب: التلميذ الكوني، رسائل من حواف العلوم

قراءة في كتاب: التلميذ الكوني، رسائل من حواف العلوم

يدور الكتاب حول الاجابة عن سؤال :هل أن العلوم والفلسفة بحاجة بعضهم الى البعض الاخر..لماذا؟

ان تقديم تعريف مناسب ماهو العلم وماهي الفلسفة ليست هي المهمة الصعبة، المهمة الصعبة هي كيفية التناسب بينهما، وهذا ما يفعله دوريون ساغان مؤلف كتاب “التلميذ الكوني : رسائل من حواف العلوم” إذ يسعى الكاتب لاستكشاف الطرق المعقدة التي تعطّل التواصل بين الحقلين .
يقول الكاتب:
ان الفرق بين العلم والفلسفة هو ان يتعلم العلماء اكثر واكثر عن اشياء أدق وأدق حتى الوصول الى معرفة كل شيء عن اي شيء، في حين ان الفيلسوف يتعلم القليل من كل شيء حتى يضحى لا يعرف شيئا ، او كما يلخص القول نيلز بور بملاحظة ذكية ”لا يوجد حقيقة تافهة واخرى عظيمة، فالعكس من حقيقة عظيمة هو حقيقة اخرى عظيمة“..
ان عين العلم تتجه الى النظر في المزيد من التفاصيل مدعومة بأراء فلسفية ذات نطاق واسع. البُنية الفكرية القائمة على العلوم والدعم الفلسفي الواسع لها، تقطع العلاقة مع التخمة الفلسفية للفلسفة المثالية .
ورغم ذلك فان الكاتب يدحض الاعتقاد السائد بان العلم هدف عقلاني فقط، بل يُذكرنا على صفحات كتابه ان كل مفهوم علمي ونظرية كانت ولادتها بالاغلب ذاتية، فالعقل البشري غير معصوم من الخطأ، يقول دوريون ساغان:
“الملاحظات العظيمة كلها صنعت في اماكن واوقات مميزة، فالعلوم لا تقل عن الفن او الفلسفة في الابداع الذاتي“
والفلسفة ايضا لها ابعاد ذاتية، فرغم انها ليست مصنوعة من الخيال الا ان فيها ابعادا شخصية وخلاّّقة ومفتوحة وتمثّل ثقلاً موازناً للعلم، بل حتى الذين يجادلون بان العلم يركز على المادية وهو غير شخصي، الا انهم يوفرون مكانا للفلسفة فوق النظريات العلمية، قد تكون بعضها معادية للروح العلمية كالفلسفة المثالية، الا ان فلسفة العلم تساهم في البحث عن الحقيقة.
فالفلسفة الان مستضعفة ، فهي لا تساهم مباشرة في التقدم كما تسهم العلوم، ولا تتمتع بمستوى عال من الدعم المؤسسي، وانها الان تُدين للمحسنين بالاغلب!.
مثله مثل ريتشارد فاينمان فأن دوريون ساغان يُجادل بأن من مسؤولية العلماء عدم الحديث بنبرة التأكّد من كل شيء، بل يجب على العالِم الحديث بنبرة عدم التأكد، فالجهل المُتعمّد والخوف من الخطأ هو ما يدفع العلم للامام .
ويؤكد دوريون، ان روح العلم و الفلسفة، هو الاستجواب والفضول، هو الاستفسارات الحاسمة للتدقيق والبحث عن الحقيقة ، هو القدرة على الاعتراف بالخطأ.
ان النظريات الجديدة ووجهات النظر الفلسفية الجديدة تؤدي الى فتح العديد من الاسئلة الجديدة، وتؤدي الى تخصيب وجهات النظر العالمية حول مختلف المواضيع، يجب ان لا ننظر الى النظريات العلمية ووجهات النظر الفلسفية من جانب انها صحيحة ام خاطئة فقط، بل يجب ان ننظر الى جمالها وقدرتها على التحفيز، مثلها مثل الفن تماما، مثلها مثل القصائد واللوحات، فالافكار الجديدة مهما كانت خاطئة أو صحيحة فانها تُنمي الخيال والتفكير لدينا .
ويُثنّي دوريون ساغان على قناعة والده كارل ساغان بان”الجهود المبذولة للترويج للعلم هو امر حاسم وضروري للمجتمع”اذ يقول:
العلم والفلسفة لهما سمعة سيئة بانهما مادتان جافتان للقراءة، لكن اجيال من مبسّطي العلوم من خلال البرامج العامة او من خلال الخيال العلمي قللا من هذه السمعة السيئة.
ثم يعرّج الكاتب على الفلسفة ودورها:
ان الفلسفة هي التي اعطت لنا تاريخيا القدرة على ولوج العصر العلمي والتجريبي، ولديها موقع متميز في اثارة الاسئلة المتواصلة على العلم الحديث، وهذه الاسئلة يمكن ان تساهم في تسريع العلم الحديث .
الفلسفة هي اقل معرفة بالفعل واقل قابلية للتأكد ،وان المنازلات الفلسفية اللاذعة بين النقاد عديمة الفائدة احيانا، لكن الفائدة الاساسية للفلسفة هي ادامة التفكير ،انها افتتاحية افكارنا نحو العالم والنظرة الاولى للوجود.
كما ان للفلسفة اتصالات باختصاصات متعددة مما يجعلها بموقع الرابط بين الافكار على عكس العلم الذي يتطلب تحليلا دقيقا للامور التخصصية، فان ميزة الفلسفة هنا هي التوليف بين الافكار المتباعدة احيانا .
فلا يوجد في الطبيعة “انقسامات اقليمية” لتصبح الاختصاصات لا علاقة لاحدها بالاخر ، بل هناك تواشج كبير بين العلوم ومُفتتح هذا التواشج ومقوّمه الاساسي هو الفلسفة.
اما في حالة النزاع بين العلم والفلسفة على نقاط اخلاقية وعلمية يجب ان يكون الهدف الاساسي من الجدل هو محاولة اكتشاف الحقيقة، لا الفوز بالجدال وقهر الخصم، لذلك لا بأس في اتباع الحجة الاقوى ودعم الاكتشاف والحجة الجديدة بدل الاصرار على الراي” ويردف الكاتب بان المراجعة المستمرة للافكار يفتح الكثير من الطرق المسدودة ويعطينا ثماراً جديدة.
على النظريات الفلسفية لتكون مفيدة، ان لاتكون مثل السيوف الفكرية التي تقطع من يقترب منها. لنؤكد مرة اخرى ان النظريات الفلسفية والعلمية حتى في حال فشلها فانها تمثل نجاحا لانها تفتح طرقا جديدة للتفكير.
في جانب آخر يدعم الكاتب رؤية الفيزيائي نيل ديغراس تايسون بان التصميم الذكي هو فلسفة الجهل، فالتطور نظرية قادمة من جوهر العلم وهي لوحة رائعة للربط بين الانواع الحية في عملية واحدة عبر التاريخ الطبيعي للارض، وهو انجاز شخصي رائع لداروين بقدر ماهو انجاز عظيم للبشرية.
واخيرا يؤكد الكاتب على ان نكون نحن البشر منفتحون على مبدأ ان لجميع العقول الحق في التفكير، والسماح لكل البشر بامتلاك روح التحقيق والاتصال بالعلم ليس بوصفه شيئا مفيدا فقط، بل ان العلم هو مصدر للفهم العميق وهومصدر للتأمل الجمالي وان لحظات التفكير العلمي تُماثل لحظات الخشوع الدينية، وان طقوس التفكير تماثل تماما الطقوس الدينية في قيمتها المقدسة والمفيدة والجمالية للبشر.
المصدر: هنا

عن

شاهد أيضاً

كيف تركز على شيء واحد فقط

نشر في: موقع فوكس تأليف: ريبيكا جينينغس بتاريخ: 4 سبتمبر 2019 ترجمة: مازن سفان تدقيق …

هل تجعلنا قراءة قصص الخيال أشخاصاً أفضل؟

تقديم: كلوديا هاموند ترجمة: ياسين إدوحموش تصميم الصورة: امير محمد كل يوم يُباع أكثر من …