الوعي ليس شيئاً يرغب العلماء في التحدث عنه كثيراً. لا تستطيع رؤيته، لا تستطيع امساكه، وبالرغم من جهود أفضل باحثي الاختصاص، لا نستطيع احصائه. وفي مجال العلم، إذا لا يمكنك قياس شيء، فسوف تواجه وقت صعب في محاولة تفسيره.
لكن الوعي موجود، وهو واحد من أكثر الجوانب الأساسية التي تجعلنا بشراً. ومثلما استعملت المادة المضلمة والطاقة المضلمة لملأ الفراغات التي برزت في النموذج التقليدي للفيزياء، فأن الباحثون اقترحوا أيضاً أنه بالإمكان اعتبار الوعي حالة جديدة للمادة.
للتوضيح، هذه فقط نظرية، ونظرية يجب أن تؤخذ بعين الشك والحذر، لأننا حالياً في عالم النظريات، وهنالك الكثير من الثغرات ليتم ملئها. لكنها جزء من حركة متسارعة ضمن الفيزياء النظرية وعلم الأعصاب لمحاولة ربط الوعي بمفاهيم أساسية محددة من أجل جعله منظوراً أكثر.
النظرية وضِعتْ لأول مرة عام 2014 من قبل عالم الكون والفيزياء النظرية ماكس تيقمارك من معهد ماساتشوستس للتكنلوجيا، والذي اقترح حالة من المادة – مثلما الصلبة، السائلة، أو الغازية – والتي فيها الذرات مرتبة لتنتج معلومات وترتقي لمستوى الموضوعية وفي النهاية الوعي.
الاسم المقترح لحالة المادة هذه؟ الحالة الادراكية بالطبع!!
مثلما يشرح تيقمارك في ورقته البحثية:
”اجيال من الفيزيائيين والكيميائيين درسوا ما يحدث عندما تقوم بجمع مجموعة واسعة من الذرات مع بعضها، إذ تجد أن محصلة تصرفاتها تعتمد على نمط ترتيبها: الفرق الأساسي بين الصلب، والسائل، والغاز يقع ليس ضمن نوع الذرات، بل في ترتيبهن. في هذه الورقة البحثية، أظن بأن الوعي يمكن فهمه كحالة أخرى من المادة. فمثلما هنالك أنواع كثيرة من السوائل، فأن هنالك أنواع كثيرة من الوعي. مع ذلك، هذا يجب أن لا يمنعنا من إيجاد، وإحصاء، وبناء نموذج يقودنا في النهاية إلى فهم الخصائص المميزة التي تتشاركها كل أشكال الحالة السائلة للمادة أو كل أشكال الحالة الإدراكية للمادة“.
بعبارة أخرى، فأن تيقمارك لا يقترح بأن هناك تجمع مادي للوعي يقع في مكان ما في أدمغتنا وينتقل في عروقنا لاعطاء أحساس من الوعي الشخصي. ولكن بدلاً من ذلك يقترح بأن الوعي يمكن تفسيره كنمط رياضي – النتيجة لمجموعة معينة من الظروف الرياضية.
مثلما هنالك ظروف محددة والتي تحتها يمكن لمختلف حالات المادة – مثل البخار، الماء، والثلج – أن تنشأ، كذلك يمكن لأشكال الوعي المختلفة. يجادل بقوله: ”إن إيجاد ماذا يتطلب لإنتاج الحالات المختلفة من الوعي بالنسبة لظروف يمكن ملاحظتها وقياسها، يمكن أن يساعدنا على إيجاد سيطرة حول حقيقة الوعي، وما يعنيه لإنسان، لقرد، لذبابة، أو لحاسبة خارقة“.
الفكرة قد استلهمت من عمل عالم الاعصاب قيوليو تونوني من جامعة ويسكونسن في ماديسون، حيث أقترح في عام 2008 بأنه إذا أردت أن تثبت بأن شيئاً لديه وعي، يجب عليك إيضاح سمتين. وفقاً لنظريته، نظرية المعلومات المتكاملة، فأن أول هذين السمتين هي أن الكائن الواعي يجب أن يكون قادر على خزن، ومعالجة، واسترجاع مقدار كبير من المعلومات. والسمة الثانية، توضحها مدونة متخصصة بالقول: ”إن هذه المعلومات يجب أن يتم دمجها في ذات موحدة، وبالتالي من المستحيل تقسيمها إلى أجزاء مستقلة“.
هذا يعني بأن الوعي يجب تداوله كذات (كيان)، ولا يمكن تكسيره إلى مكونات منفصلة. الكائن أو النظام الواعي يجب أن لا يكون فقط قادراً على أن يُخزن ويُحلل المعلومات، وإنما يجب أن يقوم بهذه العمليات بطريقة تشكل ذات كاملة غير قابلة للتقسيم. يجادل تونوني قائلاً: ”إذا ما حدث وتمكن حاسوب خارق من الحصول على هاتين السمتين نسبياً، ذلك نوعاً ما ما كان تونوني يحاول اني يوضحه.
يكتب جورج جونسون لصحيفة نيويورك تايم، تتنبأت نظرية تونوني – بالاستعانة بالكثير من الرياضيات – بأن ”اجهزة ببساطة حساس الحرارة أو صمام ثنائي كهروضوئي يمكن أن تمتلك ومضات من الوعي ذات شخصية“.
في حسابات تونوني، فأن (ومضات الوعي) هذه لا تساوي بالضرورة وعي نظام متكامل، وحتى أنه جاء بوحدة قياس سماها فاي Φ والتي يقول أنها من الممكن استعمالها لقياس مقدار وعي ذات معين.
بعد ست سنوات، اقترح تيقمارك بأن هنالك نوعان من المادة يمكن أن تؤخذان بنظر الاعتبار حسب نظرية المعلومات المتكاملة. الأولى هي “المحسوبة” والتي تفي متطلبات السمة الأولى والمتمثلة بمقدرتها على تخزين، ومعالجة، واسترجاع مقدار كبير من المعلومات. والثانية هي “المدركة” والتي تفعل كل الذي أعلاه، لكن بطريقة تشكل الذات غير القابلة للتقسيم التي ذكرها تونوني.
في ورقته البحثية عام 2014، تيقمارك يوضح ما يعتبره هو المبادئ الخمسة الأساسية التي يمكن استعمالها لتفريق المادة الواعية من الأنظمة المادية الأخرى – الصُلب، السوائل، والغازات – وهي: المعلومات، التكامل، الاستقلالية، الحيوية، المنفعة الذاتية.
ثم يستغرق ما يقارب 30 ورقة محاولاً تفسيركيف يمكن لطريقة تفكيره حول الوعي أن تشرح المنظور البشري الفريد للكون.
تشرح احد المدونات المتخصصة، ”عندما ننظر نحو قدح من الماء المثلج، نحن ندرك أن الماء السائل ومكعبات الثلج شيئين مستقلين حتى لو أنهما متصلان كجزء من نفس النظام. كيف يحدث هذا؟ من بين كل النتائج الممكنة، لماذا ندرك هذا الحل؟“
إنها فكرة غير كاملة، لأن تيقمارك لا يملك حل. ومثلما توقعت ربما، أنه ليس شيئاً زملائه تواقيين لايجاد حل له. يمكن أن تقرأ افكاره كما هي في ورقته البحثية والمنشورة في هذه المجلة: ”تلك هي المشكلة مع شيء مثل الوعي – إذا لا تستطيع قياس محاولتك لقياسه، كيف يمكن أن تكون واثقاً انك قد قمت بقياسه على الاطلاق؟“
¯\_(ツ)_/¯
موخراً، حاول العلماء شرح كيف يمكن للوعي البشري أن يتحول إلى جسد صناعي – جدياً، هنالك توجه لعمل ذلك – ومجموعة من علماء الفيزياء السويسريون اقترحوا بأن الوعي يحدث في “شرائح من الزمن” والتي تكوم مفصولة بمئات من الملي ثانية.
افترض ماثيو دافيدسون، والذي يدرس الوعي في علم الاعصاب في جامعة موناش في استراليا، يشرح خلال المحادثة، نحن مازلنا لا نعلم الكثير عن ماهية الوعي. لكنه يتضح أكثر وأكثر بأنه شيء يجب علينا أن نفكر به خارج منظور مملكة البشر.
يقول دافيسون: ”اذا كان الوعي فعلا صفة منبثقة من شبكة جدا متكاملة، مثلما تقترح نظرية المعلومات المتكاملة، إذن على الاغلب كل الانظمة المعقدة – حتما كل المخلوقات التي لديها دماغ – تمتلك شكلا متدنيا من الوعي“.
بصورة عامة إذا كان الوعي معرف بكمية المعلومات المتكاملة في نظام، عندها يمكن أن نحتاج لنمضى بعيداً عن أي شكل الاستثناء البشري والذي ينص على أن الوعي حصري لنا فقط.
المصدر:- هنا