للكاتب: مايكل شيرمر
أنا متفائل بأن العلم هو من سيفوز بالنهاية على التفكيرالسحري والخرافات. قد يبدو هذا التفكير ليس بالمنطقي، بالنظر إلى بيانات استطلاعات الراي حول اعتقادات الناس وأفكارهم. على سبيل المثال، وجد استطلاع لمركز بيو للابحاث عام 2005 أن 42% من الامريكان يعتقدون أن”الكائنات الحية كانت موجودة على شكلها الحالي منذ بداية الزمان” وأن الوضع يزداد سوءا عند دراسة الخرافات الأخرى. فاستطلاع مؤسسة العلوم الوطنية الذي اُجري عام 2002 حول المعتقدات أوضح التالي:
1-التصديق بوجود كائنات أخرى غير مرئية تعيش معنا على الأرض يصدقها الناس بنسبة 60% 2-نسبة التصديق باليوفو الفضائي 30% 3-نسبة التصديق بأرقام الحظ 32% 4-نسبة التصديق بالعلاج المغناطيسي 70% 5-نسبة التصديق بالطب البديل 88%
مع ذلك، أود أن أتخذ وجهة نظر تاريخية طويلة وإجراء مقارنة مع ما كان يعتقده الناس قبل الثورة العلمية وبالتالي سيكون هناك الكثير من الأشياء التي تدعو للتفائل.
إن النظر فيما يعتقد الناس منذ أربعة قرون مضت وقبل أن تضيء شمعة العلوم الظلمات في القرن السابع عشر قد يكون مبعثاً على التفاؤل. ففي القرن السادس عشر على سبيل المثال، فإن الجميع تقريبا كان يصدق بالسحر، والمستذئبين، والعفاريت والتنجيم والسحر الاسود، والشياطين، وأن الصلاة مؤثرة، والعناية الالهية المباشرة هي ما تجعل الحياة مستقرة.
أنقل هنا قول القديس لاتمير في كنيسة القديسين سنة 1552:” الكثير منا، عندما يقع في مشكلة، أو عندما يمرض، أو يخسر شيئا، سنتراكض هنا وهناك للسحرة أو العرافين والمشعوذين. نسعى لهم لمد يد العون والمساعدة”. كانت توجد تلك الكتب التي يُعتمد عليها لأداء طقوس مباركة المواشي والمحاصيل أوالمنازل والأدوات والسفن والآبار والأفران، ناهيك عن مباركتها للمرضى لأجل الشفاء بل حتى الحيوانات العقيمة لتتكاثر، أو الأزواج الذين يعانون من العقم ويحلمون بابن لهم.
في كتاب تشريح الميلانخوليا “الكآبة” يوضّح روبرت بيرتون عن عام 1621: “السحر كان أمراً شائعا جداً، الرجال الماكرون الذين يقولون للناس أنهم يعالجون بالسحر الأبيض، متواجدون في كل قرية. إنهم يدّعون أنهم يساعدون الناس في كل أمراض وعيوب الجسم تقريباً”
إن شرب المشروبات الكحولية وتدخين التبغ والمخدرات ضرورية في ذلك الوقت لتخفيف الألم وعدم الشعور بالراحة، وإن الخرافات والسحر وجدت أساساً للتخفيف من سوء الحظ. كما يؤكد على نفس الفكرة المؤرخ الكبير كيث توماس من اكسفورد حيث كتب في كتابه الكلاسيكي الصادر عام 1971 “الدين وتراجع السحر” يقول فيه: “في ذلك الوقت، لا أحد ينكر تأثير الاعتقاد بأن السماء هي من تؤثر بأحوال الطقس، بالإضافة الى أن التنجيم يوضع بالأهمية مع الطب والزراعة. قبل القرن السابع عشر فإن الشكوك حول العقيدة الفلكية استثنائية للغاية، سواء في انجلترا أو في أي مكان آخر في العالم. لقد كان الدين وعلم التنجيم والسحر هو ما يعتقده الناس طريقةً لحل مشاكل حياتهم اليومية من خلال تعليمهم كيفية تجنّب سوء الحظ وكيفية استعمال الخرافات”
لقد كانت هذه السلطة تجتاح الجميع تقريبا لذا يخلص توماس الى القول:” السحر هو توظيف تقنيات فعّالة لتهدئة القلق عند المنضوين بممارسة السحر ويمارسون من خلالها تأثيرهم على الاخرين. ثم يجب علينا ان نُدرك ان هؤلاء لا يخلو منهم مجتمع من المجتمعات القديمة” ويستنتج توماس ان الخرافات ستكون دائما معنا.
لكن، مع كل ذلك، فان ارتفاع العلم وتقدمه سيخفف حتما من طريقة التفكير السحرية والخرافية تلك من خلال التفسيرات الطبيعية التي حلت محل التفسيرات الخارقة القديمة. فقبل داروين، كانت فرضية التصميم الجاهز للكائنات هي اللعبة الوحيدة لتفسير وجود الكائنات والحياة على الأرض، فهي مصممة من قبل الخالق مباشرة “يصفها اللاهوتي الطبيعي وليام بيلي من خلال حجة الساعاتي الأعمى”* .
أما اليوم فإن أقل من نصف السكان في أمريكا-أكثر الدول دينيةً في البلدان المتقدمة- يصدقون بالتصميم وإن الأغلبية مع العلم ونظرية التطور وإن أجزاء أخرى من العالم الجميع تقريبا يقبلون بالتطور.
إن صعود العلم أدّى إلى أن يناضل الخرافيون من أجل أن يبحثوا عن أدلة لمعتقداتهم الخرافية والتي كانت في السابق لا تحتاج الى تلك الأدلة ولم يفكروا بها إطلاقا. من خلال النظر الى ذلك التعليق من أحد الكتب العائد لبدايات القرن السابع عشر سنجد الكاتب يستنكر إنكار الخوارق تماما فيقول:” لقد كثُر الملحدون في هذه الايام، حيث أصبح السحر موضع تساؤل. بل أصبحوا يتسائلون لماذا ينبغي ان نُفكّر أن هنالك شياطين؟ سأجيبهم: إن لم يكن هنالك شياطين فذلك يعني عدم وجود إله ايضا”. انتقل السحر إلى الطرق التجريبية والطرق الرسمية الحالية التي تربط العلاقات السببية من خلال ربط السحر بالأحداث الطبيعية- يستخدمون نفس الأسس التي تقوم عليها العلوم الطبيعية-. نجد أحد السحرة والعرافين يكتب:” أنا لا أجهل أن الشهب تنطلق من أسباب طبيعية، لكنها تحمل الكثير من النُذر والكوارث الوشيكة” فهم يستخدمون طرق الاستدلال العلمي لتحليل أفكارهم السحرية بطريقة طبيعية بعد أن كانت تعتبر من الامور الخارقة.
بحلول القرن 18 فإن علم الفلك قد حلّ محل التنجيم وحلت الكيمياء محل الخيمياء، وحلّت نظرية الاحتمالات محل الاعتقادات حول الحظ وصناعة الثروات، وحل تخطيط المدن والنظافة محل الطرق السحرية للوقاية والعلاج من الأوبئة، وأصبحت تقلبات الحياة أقل قتامة وأقل غموضاً. يقول فرانسيس بيكون ببلاغة في كتابه نيو اتلانتس :” في النهاية فإن معرفة الأُسس والأسباب ستزداد اتساعاً لتحل محل الاقتراحات السرّية والخرافية وهذا ما سيزيد من الامبراطورية المعرفية للانسان، وبهذه المعرفة ستُمكن الإنسان من معرفة وإحداث أي شيء ممكن”.
*حجة صانع الساعاتي الأعمى لويليام بيلي في كتابه “الإلهيات الطبيعية” المنشور عام 1802، وهي مماثَلة (Analogy) لإثبات وجود الصانع، تقول بأن كل نظام معقّد (مثل أنظمة المتعضيات الحية) لا بد له من مصمم قام بإيجاده (خالق في حالة المتعضيات الحية)، تماما مثل أن كل ساعة -بكل ما تحويه من تراكيب معقدة- لا بد لها من صانع ساعات قام بتصميمها.
المصدر: هنا