الرئيسية / أجتماع / تدهور النظام السوري أسوأ مما كُنت تعتقد

تدهور النظام السوري أسوأ مما كُنت تعتقد

بقلم: توبياس شنايدر (TOBIAS SCHNEIDER)
بتاريخ: 31 أغسطس 2016
في مقابلة أجراها مؤخرًا آرون ديفيد ميلر (Aaron David Miller) لصحيفة ”السياسة الخارجية“، أكد روبرت مالي (Robert Malley)، أحد أكثر المستشارين الموثوقين للرئيس في منطقة الشرق الأوسط، مرّة أخرى على تعداد الأولويات التنافسية لسياسة الولايات المتحدة في سوريا، قائلاً: بأنَّ هناك حاجة إلى تحقيق التوازن الإنساني والرغبة في ”الحفاظ على مؤسسات الدولة“ وتجنب حدوث فراغ في السلطة كي لا تنزلق البلاد إلى فوضى عارمة.
على مدى السنوات الثلاث الماضية بالتحديد، لم تكن هذه الحجة وحدها الدعامة الأساسية التي تدعم المُعايرَة بدقة، فسياسة الولايات المتحدة في سوريا لا تقتصر على الحكم الحالي، وإنما على عدد المعلقين الذين يكتبون بشكل ضمني وصريح في الدفاع عن سوريا أيضاً.
في مقالين محرفين تم نشرهما في الحرب على الصخور (War on Rocks)، إستخدم المؤلف اسمًا مستعارًا ووصف نظام الأسد بالعنيف، لكنه على الأقل علماني وتعددي ـ والأهم من ذلك ـ في النسخة المدنيّة النهائية، بأنه يمثل السلطة المركزية في الشرق الأوسط المضطرب.
وفي حين أن إميل حكيم لا يكف عن وضع استجابة بليغة فعليًا فيما يتعلق بديناميات الطائفية في بلاد الشام، فإن هنالك سؤال مهم بنفس القدر أُثير في رد المذكرات النموذجية: ما الذي يبقي الدولة المركزية السورية حقًا؟
حالة الرفض
بعد الانهيار السريع لقواتها في معركة إدلب العام الماضي، ألقى الرئيس بشار الأسد خطاب قبول نظام القوات المسلحة بسبب المعاناة الهائلة التي سببها نقص القوى العاملة الأمر الذي أوجب انسحابها من جبهات معيّنة. أعلنت الصحف طوال أشهر عديدة قبلها بأن جهود التجنيد والتوظيف يائسة في جميع أنحاء البلاد. في أواخر يوليو، أظهر نظام الأسد إنهياره لسنوات من التآكل البطيء والإنشقاق، والتحريض على تدخل إيران وروسيا مجتمعة سعيه إلى تغيير ثروات النظام. وبحلول فبراير من هذا العام، وافقت الحكومة على ما أراده المحللون في الداخل والخارج، فلقد نجحوا بشكل كبير في محاولاتهم.
وبعد قضاء سنوات في البحث وتتبع القوات المسلحة التابعة للنظام، أنا أعترض. فإلى حدٍ ما إستنفذت محاولات تقدير قوة النظام وعانى المراقبون من قصورٍ في التحليل.
إنهم يبالغون بالعدد المطلق للجنود في ساحة المعركة وكذلك كم الأميال المربعة من الأراضي الخاضعة لسيطرتهم (أسود اقل، أحمر أكثر _ الدولة الإسلامية في العراق والشام أقل “ISIL”، المزيد من الجيش العربي السوري)، لصالح نظام معتدل ﻷتساع الحكومة والسيطرة، من القضايا الاقتصادية والحكومية الى التمايز النوعي في القوات. وبسبب تدهور النظام، لا تمتلك قواته أي هيكلة. ومع ذلك، وإذا كان لدينا مغامرات لبناء دولة في العراق وأفغانستان، فإننا سنكون قد تعلمنا شيئًا، لم تكن لتسقط مؤسسات دولة ضعيفة محاصرة رسميًا وتجاهل خرائط مرمزة أبلغ من المقاييس الخاطئة. في جوهرها، الحرب الأهلية دائمًا هي خلاف على المبادئ الأساسية للحياة المجتمعية والمؤسسات التي هي هيكل لها. على هذا النحو، فالديناميات الحكومية الداخلية لا تقل أهمية عن النجاحات الميدانية وحركة الجبهة. وذلك إذا لم تواجه سوريا قريبًا نفاد الذكور تحت سن القتال، والأسلحة الصغيرة، أو الشاحنات الصغيرة، لذلك علينا من الأفضل البدء في جذب الانتباه إلى الديناميات الهيكلية التي يقوم عليها الصراع الذي يحتدم الآن على مدى أكثر من خمس سنوات.
في الواقع، بعد خمس سنوات من الحرب، لا تختلف هيكلة قوات النظام اليوم أبداً عن ميليشيات المعارضة. فمن الافضل تزويد نظام الجيش السوري الذي لا يزال قائمًا على هيكل لوجستي، حيث تتكون القوة المقاتلة للحكومة اليوم من مجموعة مذهلة من الميليشيات المحلية التي تتماشى مع الفصائل المختلفة، والجهات الراعية المحلية والأجنبية، وأمراء الحرب المحليين. توفر لمحات أيمن التميمي من الميليشيات الموالية بعض التبّصر لخلفياتهم المتنوعة. ومن بين هذه الجماعات، مجموعة قليلة لا تزال قادرة على القيام بعمل هجومي. واكثر من ذلك بكثير من القيود الطائفية أو الديموغرافية، هذا التهشم هو نتيجة مباشرة للتفاعل بين الضغوط الاقتصادية والحكم الوطني والمحلي. وقد إكتسب ضمور الدولة المركزية السورية الشمولية، والأجزاء المكونة لها _ التعصبية، الطائفية، الريعية، البسيطة _ درجة مذهلة من الاستقلال السياسي والاقتصادي في دمشق. وخلافًا لما يدعيه الآخرون، لم يكن ضرب نظام الأسد نوع من الصفقات الكبرى مع قسم كبير من سكان الحضر في سوريا. عوضًا عن ذلك، فقد ارتقى إلى السلطة أكثر العناصر وحشية من البلاد وتضاعف الخناق على الميول الطائفية والقبلية وقطاع الطرق من القاعدة.
اليوم، تُظهر الخرائط الإعلامية المجسم الاحمر في جميع أنحاء المحافظات الغربية وسوريا، لذلك يجب أن نمّيز العشرات وربما المئات من الإقطاعيات الصغيرة فقط الموالية إسميًا للأسد. في الواقع، في معظم أنحاء البلاد، أنَّ مهمة قوات الأمن الموالية تمثل مخططاً ابتزازياً كبيراً : في الوقت نفسه سببًا ونتيجة لإنهيار الدولة على المستوى المحلي.
الجريمة والعقاب: قوات النمر في حماة
إن أولئك المتابعين للحرب الأهلية السورية على دراية بالتشكيلين المتنقلين المسؤولين عن رفع الحمل عن النظام. وهما ما يعرفان بـ”قوات النمر” و “صقور الصحراء” (لقد أصبح تتبّع نظام الميليشيات حقًا تدريباً في علم التصنيف – في الغالب الطيور والقطط الكبيرة)، ويعمل هذا التشكيلان حاليًا في حلب واللاذقية على التعاقب. تعمل هذه الوحدات كنوع من رجال الاطفاء المسلحين: الاندفاع سريعًا في جميع أنحاء البلاد، وإخماد الحرائق المحلية وهجمات المتمردين، وفي بعض الأحيان تأدية الهجمات الخاصة بهم. في هذه الحالات، تشبه كثيرًا المعارضة، فهي تجمع مجموعة غريبة من أمراء الحرب وبقايا النظام، ودعم أجنبي من تحالفات مؤقتة وغرف العمليات.
كمقدمة عن قوات النمر، يمكننا أن نتحول إلى حساب روبوت فيسك (Fisk) المتملق ”مقابلة مع […] جندي بشار الأسد المفضل، سهيل حسن،“ الذي يقود قوات النمر. حسن هو ضابط من النظام ويخشى مديرية المخابرات الجوية. وعلاوة على ذلك، يؤدي إلى ما يقال أنها القوة القتالية الأكثر نخبة في الحكومة، ويُعتقد أيضًا أنه واحد من المهندسين المعماريين ﻷرض الأسد المحروقة وحملة برميل التفجير. يتمتع حسن بشعبية أشبه بالعقائدية بين مؤيدي النظام.
لكن القصة الحقيقية لقوات النمر أقل سحرًا وجمالًا بكثير، وحتى الآن هي مفيدة كثيرًا لمحاولة فهم النظام. خلال الأيام الأولى للانتفاضة ضد الأسد، قام حسن بالتنسيق لقمع الإحتجاجات في حماة، وإعتمدت المحاولة على مجموعة من البلطجية، وضباط القوات الجوية، وزعماء قبائل المنطقة. تم العثور على فعاليته في قدرته على حشد الدعم المحلي بدلًا من الاعتماد على مؤسسات الدولة المتداعية بالفعل. في الوقت المناسب، تطورت هذه الشبكة من منفذيها إلى ما يسمى بقوات النمر. في حين أنها أكثر إستقرارًا من أشباه الجنود. إن الموالين للنمر اليوم لا يزالون ينحدرون من شبكة واسعة من الميليشيات والمجرمين والمهربين تمتد عبر أكثر المحافظات السورية المركزية، ويمكن القول أنها استراتيجية مقاطعة حماة.
أصبح العديد من مرؤوسيها سيئي السمعة في جميع أنحاء البلاد بسبب اللصوصية، ونشاط التهريب، وغياب القانون العام. في وقت سابق من هذا العام، دفعت إنتهاكات علي شيلي، السفاح القوي من بلدة تل سلحب والمسؤول المباشر عن حسن، به إلى نقطة النظام أخيرًا وتم إلقاء القبض عليه وزج به في السجن. ومع ذلك، وفي غضون أيام، تم إطلاق سراح شيلي، وعاد إلى الجبهة.
ينبغي أن يُنظر إلى مثل هذه الحوادث على أنها أكثر من بيروقراطية اقتتال داخلي على الفساد. ووفقًا لمقابلات أُجريت، فأن أمراء الحرب الموالين لحسن معروفين على نطاق واسع بتهريب الأسلحة، والناس، والنفط إلى داعش والمعارضة المحتلة، مباشرةً لضعضعة المجهود الحربي للنظام. ولكن الحكومة المركزية ليس لها خيّار سوى أن تنظر عاجزةً. يروي التقرير الذي في حوزتي من قبل مجلس الأمن الاقليمي في الجيش العربي السوري من الشهر الماضي تفاصيل واقعة حديثة، حيث تم القبض على قوات شيلي مع حمولة شاحنة من الاسلحة المهربة مخبأة تحت أكياس من القمح. وقد انخرطوا طويلًا في معركة مسلحة مع قوات الأمن الحكومية. لكنهم لم يعانوا من العواقب. قد نتساءل لماذا؟ الجواب بسيط إلى حد ما: لا توجد قوة موالية لدمشق اليوم قوية بما فيه الكفاية لوضع حد لهؤلاء اللصوص. بعد أيام قليلة، قتل خمسة جنود من المخابرات العسكرية في كمين نُصب لهم من قبل عصابة شيلي في جنوب سهل الغاب. وهناك عدد من مؤسسات الدولة قامت بمحاولات يائسة لكبح قوات النمر. وهناك شائعات تفيد بأن واحدةً من المحاولات على الأقل لاغتيال حسن نفسه دُبرت في مقر الاستخبارات العسكرية.
عامل النفط
بالإضافة إلى الزراعة المتبقية، وتجارة الوقود، والبنادق، والناس أصبح النفط الشكل المهيمن على أشكال النشاط الاقتصادي في كثير من أنحاء سوريا. والميليشيات الموالية للحكومة تدفع نقدًا. على ما يبدو، فقد تعلمت الجماعات المسلحة تحت راية الأسد بسرعة استغلال الاختناقات في الاقتصاد المحلي لتحرير نفسها من وصاية دمشق ـ خصوصًا عندما يتعلّق الأمر بواحدة من أكثر السلع القابلة للاستبدال إلا وهي الوقود. وفي حادث آخر في حماة هذا الصيف، عثّرت القوات العسكرية السورية على شاحنات ناقلة للنفط مهربة في طريقها إلى إقليم الدولة الإسلامية. وخوفًا من الانتقام من طلال الدقاق، وبدلًا من مصادرة وتوزيع البضائع المنهوبة لكونها محظورة، قام الضباط بتسليم الوقود بسرعة الى إدارة مخابرات القوة الجويّة المحلية. عند هذه النقطة، بحسب مصدر محلي في حماة، فإنها اختفت مرّة أخرى.
قد يمثل بيع النفط أكثر من 25 في المئة من حرب الإيرادات الحكومية، وهو المسؤول عن جزء كبير من احتياطيات النقد الأجنبي للبلاد. بعد سنوات من الحرب، إنهارت قيادة الاقتصاد الرسمي للنظام، وخاصة قطاع النفط والغاز، بالكامل. في هذا الصيف، فجر مسلحون الدولة الإسلامية منشأة الغاز الرئيسية الأخيرة التي لا تزال تعمل في البلاد، مما أدى إلى تفاقم الوضع المتوتر بالفعل في البلاد. لم تُسرع سوريا من الإنهيار الاقتصادي والمالي فقط والذي أدى إلى طمس مدخراتها، وتقلص الأجور، وبالتالي إلقاء الملايين من الناس في براثن الفقر، ولكن ذلك أدى أيضاً إلى انهيار العملة كما رأيت من مجموعتي الخاصة من أسعار الصرف في السوق السوداء عبّر سوريا.
في حين أن تأثير التضخم على التجنيد العسكري وثّق على نطاق واسع، وانخفاض قيمة العملة له آثار ثانوية أخرى: بالمعدلات الحالية، فقد أصبحت واردات السلع الأساسية باهظة الثمن. في هذه الأثناء، دفعت ضوابط الأسعار الحكومية واحتكارات المنتجات المنتجين المحليين إلى البطالة ورفعت حافز المهربين لتحريك البضائع التي تدخل إلى البلاد واعطته حق العودة عبّر الحدود، مما أدى إلى ارتفاع الأسعار ونقصها، وتقنينها بشكلٍ ضار في جميع أنحاء البلاد، وجعل بعض الرجال على دراية بما هو ضروري مانحة إياهم ثروة قوة بشكل كبير.
لنأخذ بعين الإعتبار على سبيل المثال صقور الصحراء، النظام الثاني المهم جدًا لتشكيل الهجوم وسخرية المنافسين من قوات النمر. هذه الوحدة تأسست من قبل الإخوة محمد وأيمن جابر، اللذان مثلا دور صعود المهربين إلى السلطة. الإثنان قدما مالهما الكثير كمجرمين عاديين في النفط العراقي مقابل الغذاء لتهريب الذهب في أواخر التسعينات وبعد ذلك استثمرا ثروتهم المكتشفة حديثًا بحكمة في الاحتكارات الممنوحة من الدولة على الساحل السوري خلال موجة القطاع الخاص الأولى لبشار.
في أغسطس 2013، تحت ضغط العقوبات الخارجية ومتمردين السلف، وقّع الأسد مرسومًا يسمح لرجال الأعمال برفع ميليشياتهم الخاصة في الدفاع عن أصولهم الرأسمالية. بجرة قلم، سلّح النظام الفاسدين. على مدى السنوات الثلاث المقبلة، شغل الإخوة قوافل النفط وعمليات غسيل الأموال من خلال العراق ولبنان، وحماية المنشآت النفطية، وفي هذه العملية، تمكنا من بناء واحدة من تشكيلات القتال الأكثر شراسة للنظام. في حين أنهم يتعهدون بالولاء لدمشق، فإنهم في ممارسة عملية، وقيادة سلسلة سوريا المستقلة، والتمويل، والتوظيف، وحتى عملية الشراء. سددت قوات الصقور ثلاثة أضعاف أجور الجيش النظامي وشغلت مرافق التدريب، وإنتجت مركبات القتال الخاصة بها. هذا الاستقلال الكبير يمكن أن يؤدي إلى الاحتكاك على ساحة المعركة. خلال إعلان تدّمر الهجوم في مارس، جاءت التوترات بين الصقور وغيرها من الموالين إلى الرئيس، فبعد جابر اتُهمت قوات النمر بإطلاق النار عمدًا في واحدة من مواقعها، مما أسفر عن مقتل تسعة وجرح عشرين وأكثر من ذلك. وبحسب مصادر متعددة، بما في ذلك حسابات وسائل الإعلام الاجتماعية المحذوفة، فقد هددت الميليشيات بسحب بنادقها عن رجال حسن والمغادرة. في النهاية، ارسلت دمشق وفد عالي المستوى للتوفيق بين أمراء الحرب وتقديم الهجوم مرّة أخرى الى مساره. لم تشارك الوحدات في خط المواجهة.
الحصار الاقتصادي
بدلًا من محاولة الحصول على احتكارات الموارد، اتخذت بعض الجماعات المسلّحة استغلال معاناة السكان مباشرًا وسيلة لتحقيق الربح. اخّذة بعين الإعتبار بلدة التل شمالي العاصمة دمشق. من الناحية الفنية، وبموجب اتفاقية الهدنة مع النظام، يضم مجتمع المعارضة الصغيرة هذا الآن مئات الآلاف من النازحين داخليًا الذين فروا بهم من جميع أنحاء العاصمة. على الرغم من الضمّانات من قبل الحكومة، وبدأت الميليشيات الموالية للحكومة المحلية المكّلفة بحراسة نقاط التفتيش في المنطقة مؤخرًا وقامت بفرض ضريبة قدرها 100 ليرة سورية للكيلوغرام الواحد على جميع المنتجات الغذائية الواردة. وحتى التقدير المحافظ يضع الإيرادات الشهرية من مثل هذه الضريبة الى ما يقدر بملايين الدولارات الأمريكية. وهذا يكفي لإطعام وتوفير الآلاف من المقاتلين الذين كانوا يحرسون النطاق، وكذلك أسرهم. وقد وضعت مجموعة ”مراقبة الحصار“ عدد من المدنيين المحاصرين بقوات النظام بما يقرُب من 850،000 آخرين في أرجاء سوريا. في هذه المناطق المنكوبة، تضاعفت تكلفة المعيشة، مع فارق الاختلاس من قبل أولئك الذين كانوا يحرسون الاختناقات. بعبارة أخرى، مع كون دمشق غير قادرة بأي شكل ممكن على تمويل وإطعام الأسر من رجال الميليشيات الموالين، فقد أصبح تطويق وفرض الضرائب على المواطنين ضرورة اقتصادية للنظام للحفاظ على العديد من قواتها في الجبهة الامامية مجهزين وسعداء.
هذا ليس مجرّد توضيح للشر المعنوي من جانب النظام السوري، لكن العودة إلى الوطن هي النقطة الأكثر أهمية: فبالكاد تكفي الاجور العامة الجنود أنفسهم، وقد بدأ رجال الأسد منّذ فترة طويلة التغذية بعيدًا عن الأرض والسكان المدنيين. اليوم، لا يمكن لأكبر جزء من التشكيلات القتالية الموالية الاعتماد على النظام في غالبية دخلهم، ومعداتهم، أو مجنديهم. بينما قيمة الأسد استراتيجيًا، هي بأي حال من الأحوال تؤكد أن النظام مسيطر تمامًا على التمسك بعدد من الحصارات، لا سيّما في ريف دمشق وحمص وجبال القلمون. وقد أخبرني مصدر محلي يتحرك بإنتظام بين دمشق والغوطة عن طريق أنفاق التهريب، بأن كتائب الثوار المحلية يديرها ضباط الجيش العربي السوري. كما ان اقتصاد البلاد ومؤسسات الحكم لا تزال تتعثر، هؤلاء ”الأشباح،“ كما يشير السوريون الى المجرمين المنحازين للنظام عاميًا، عادوا لمطاردة من في السلطة. على الرغم مما تظهره خرائط السيطرة المرمزة، يحتفظ بشار الأسد بالقليل جدًّا من معنى السلطة أكثر بكثير من الإقليم الذي يقال بأنه تابع للقاعدة. وكلما تقدمت الحرب، ستؤدي هذه الديناميات حتمًا إلى اختلاف المصالح بين المقاتلين المحليين والنظام، وكذلك بين دمشق وداعميها الأجانب.
النظام المُحتكر
قد تكون الحادثة التي وقعت في فبراير من هذا العام بمثابة مثال لما يمكن ان يحدث لاحقًا. إنَّ التورط في اشتباكات عنيفة مع قوات المتمردين بالقرب من بلدة حربنفسه، جعل زعيم الميليشيات أحمد إسماعيل يدعو زملائه من امراء الحرب في البلدة بعرين المجاورة بسبب الحاجة الماسّة الى التعزيزات. رفض فادي قاربيش، رئيس مسلحي بعرين، الطلب بكل وقاحة. في اليوم التالي، ولشعوره بالخيانة مع وقف إطلاق النار المحلية، تحول إسماعيل ببندقيته ضد قرابيش. قبل فترةٍ طويلةٍ، إنضّمت إليه مفارز من مخابرات القوات الجوية بحماه، باحثة عن دعم لعميلها المفضل وسحق المقاتل المتمرد. لكن قرابيش خاض الهجوم بنجاح، وأنشأ لاحقًا نقاط التفتيش الخاصة به على طول الطرق في المنطقة، وقطع طرق التهريب إلى إسماعيل وحولها الى جيب المتمردين. ولم يجرؤ النظام على إزعاج بعرين منذ ذلك الحين.
يبدو الآمر ضعيفًا جدًّا لإجبار وكسر الذين يقاتلون تحت لوائه، لذلك أدلى الاسد جهودًا لربط تابعيه الأقرب إلى بلده دمشق بالوسائل السياسية بدلًا من ذلك. أشارت ”الانتخابات“ البرلمانية في نيسان الجاري الى التحول الهيكلي للنظام من دولة مركزية إلى خليط واسع من أمراء الحرب. وهناك عدد من البعثيين البيروقراطيين لفترات طويلة صادقوا تلقائيًا على ذلك والشخصيات المحلية وأركان النظام الريعية التقليدية للنظام، فقدوا مقاعدهم لصالح المهربين، وقادة الميليشيات، وزعماء القبائل. استلّم الحرس القديم مذكرة : وعقب إعلان النتائج، أرسل النواب المزاحون من النظام في حماة وفداً مستعجلاً لتحذير الدائرة الداخلية الشخصية للأسد والتصرف برجاله الذين اختيروا ليصلوا الى السلطة. ولكن لم يعد هناك بديل، فالأسد بحاجة للاحتفاظ بهؤلاء الرجال بالقرب منه.
قد يكون بعض هذه الأحداث أكثر تعقيدًا من غيرها. فقد قام ابنا خالة الأسد السرّاق، واخوة مخلوف، ببناء شبكة ميليشيا خاصة بهم من خلال جمعية البستان، ومؤسسة خاصة، انشأت قبل الحرب كموارد مالية لتمويل الإغاثة الإنسانية، فضلًا عن الجماعات المسلحة. يمتد هذا النطاق وتتسع سيطرة النظام على إقليم معين ويبقيه خارج سيطرة الدولة. في الوقت نفسه، عاد الحزب القومي السوري الإجتماعي (SSNP)، أقرب عدو سياسي لحزب البعث، للظهور في الساحة وقدم بالفعل نجاحات هائلة بين المجتمعات الأرثوذكسية المسيحية والدرزية في البلاد، حيث قاموا بتجنيد الجناح العسكري المتزايد الخاص بهم. وبالنظر للدور التاريخي الذي لعبته عائلة مخلوف في الحزب القومي السوري الاجتماعي، فإن لدى الكثيرين في دمشق سبب للقلق من القوى النابذة التي تمزق النظام أبعد من ذلك.
لا يساعد الموالون الاجانب الأسد كثيرًا، ويبدو أن إيران تُظهر قناعتها التامة بالوضع المشوش في الأرض، بعد أن وضعت موارد كبيرة في تطوير شبكة عملائها في جميع أنحاء البلاد. في الوقت نفسه، يمكن القول بأن روسيا معنيّة كثيرًا بأستقرار النظام، ويبدو أنها غافلة عن الوضع برمته. حيث تم تصوير ضباطها وجنودها في القتال والاختلاط بمجموعة واسعة من الميليشيات القبلية والطائفية. في إحدى الحالات، اظهرت الصور الجنود الروس يقاتلون الى جانب أعضاء ما يسمى بكتيبة الجبل، وتصدر الزي العلوي الصغير عناوين الصحف في العام الماضي عندما أعلن عن أول فرقة انتحارية من الموالين.
الاستنتاجات
على مدى السنوات الثلاث الماضية، وعلى الرغم من المساعدات العسكرية الخارجية والدعم، استمر النظام في ظلّ الأسد في الضمور بسرعة. فإذا استمرت هذه الاتجاهات، سيكون على الرئيس السوري أن يجد نفسه يتقلص كثيرًا، فقد وسع القاسم المشترك الرمزي التحالف بين الإقطاعية واللصوص. وهكذا، مع التدهور البطيء للدولة القوية والجيش، وتأسيس الحزب، يأتي شخص بشار الأسد نفسه لتجسيد عمود آخر باقٍ ليس من دولة ولكن من “النظام” وحربه الوحشية ضد مواطنيه.
تحارب الغالبية العظمى من القوات في سوريا اليوم، وخاصةً بين الأقلية من مؤيدي النظام، في حرب محلية متزايدة لحماية مجتمعاتهم خصوصًا.فمن أجل إستمرار وجود النظام فقط – مجسداً بشخص الأسد – إرتبطت هذه الأهداف الدفاعية برؤية وطنية عنيفة نعرف من بأنها منغير مقبولة من قبل الغالبية العظمى من السوريين، وكارثية لمؤيديها، وغير واقعية عسكريًا. في حين أن إزالة الطاغية قد تشعل الصراع بين أمراء الحرب الباقين على قيّد الحياة، فمن المرجح أن هذا لا يعني انهيار قواتهم وإشعال مجزرة في قراهم. اللاذقية ليست محمية من قبل الأسد والى حد كبير فأنها محمية وهميًا من قبل “فيلق 4” من الجيش العربي السوري، والحقيقة انها محمية من قبل محمد جابر ورجاله من صقور الصحراء. في الواقع، إذا كان هناك طبقة بيروقراطية وعسكرية قوية يمكنها إنقاذ وإحياء الدولة وإذا وضعت الميليشيات الموالية بدرجة متزايدة من الاعتماد على الذات، فإن الوضع ليس كأفتراض السياسات الغربية. الرئيس السوري أصبح تمامًا ككفيل الدولة، ولكن يجب أن يكون آخر عقبّة متبقية لعملية السلام على أساس إطلاق النار على المناطق المحلية وعودة المشردين الى مجتمعاتهم.
وهذا ما يجعل تلك الدعوات التي تُسمع في العواصم الغربية، فضلًا عن موسكو، بوجوب الحفاظ على مؤسسات الدولة السورية حلقة جوفاء حقاً. كل هذه المعاناة – للحفاظ على ماذا بالضبط؟
إن الخيال المتعلق بوجود نظامٍ وطني يمسكه الأسد هو ما يقود أسوأ الانتهاكات في هذه الحرب، وهو ما يجبر الاطفال العلويين في الجبال الساحلية، وسهول حماة على قتال أبناء بلادهم في أركانٍ قصية من بلد تمزق منذ وقتٍ طويل الى اقطاعيات صغيرة خارج نطاق الدولة. لا ينبغي على الولايات المتحدة التواطئ في هذه الذريعة. فالدولة السورية ضائعة. عند هذه النقطة، من شأن عملية قطع رأس سريعة أن يكون أفضل من الانهيار الطويل الأمد.
عندما ثار السوريون أول مرة فإنهم لم يطالبوا بسقوط بشار الأسد فحسب، وأنما طالبوا بسقوط النظام. لأن المعاناة الإنسانية، وفشل الدولة – نعم – والإرهاب في سوريا ليست مخاوف متنافسة بحاجة لأن تكون في حالة توازن، بل أعراض لمرضٍ محدد: ألا وهو سوء حكم بشارالأسد وعملائه، والمقربين منه، والمجرمين الذين أوصلهم إلى السلطة.
المصدر: هنا

عن

شاهد أيضاً

لماذا الولايات المتحدة منقسمة جدًا؟ ببساطة، لأنها لم تكن موحدةً على الإطلاق

تقديم: سكوتي هندريكس لموقع: BIG THINK بتاريخ: 20 كانون الأول 2016 ترجمة: شهد سعد  مراجعة …

كيف ربحت أنجيلا ميركل مقامرتها في استقبال اللاجئين

بقلم: فيلب اولترمان لموقع: ذا كارديان بتاريخ:30/آب/2020 ترجمة :رهام بصمه جي تدقيق: ريام عيسى  تصميم …