الرئيسية / أجتماع / ضد المساواة

ضد المساواة

الفيلسوف: مايكل هيومر

مذهبيّ المساواة وعدم المساواة.
شكل المساواة الذي أكترث لهُ يذهب إلى أن المساواة في توزِيع الرفاه بين أشخاص جيدة جوهرياً. بعبارة أخرى، انه لإمر جيد للناس ان يكونوا متساوين في العيش الرغيد، وسيئٌ للبعض أن يكونوا أفضل حالاً من غيرهم، بصرف النظر عن مراعاة أي عواقب لاحقة لهذه المساواة أو عدم المساواة[1]. مبدأ عدم المساواة هو الرأي القائل بأن المساواة في توزيع الرفاه بين الأشخاص محايدة في جوهرها – وهذا هو، بصرف النظر عن مراعاة آثار مفيدة أو ضارة، لا يهم ما إذا كان الناس متساوين في العيش الرغيد.

في القسمين التاليين، أنا أدافع عن مبدأ عدم المساواة.

هناك العديد من الأسباب تدعو للتفكير بأن المساواة في توزيع الرفاه بين الأشخاص (مساواة تبادلية بين الأفراد) [استعارة] لها دور فعّال جيد أو دور فعّال سيئ. على سبيل المثال، ربما عندما يكون الناس غير متساوين، يسبب هذا استياء وعدم رضا من جانب أولئك الذين لديهم أقل رفاهْ، وهذا يقلل مستوى رفاههم أقل مما كان عليه من قَبلْ. ولعلهُ يسبب عدم استقرار سياسي أيضاً. هذهِ ستكون أسباب تدعو للاعتقاد بأن للمساواة دور فعّال جيد. من ناحية أخرى، وربما عدم المساواة يحفز الناس على العمل بجديةً أكبر، مما يؤدي إلى متوسط إجْمالِيّ أكبر لمستوى الرفاه. هذا من شأنه أن يكون سبباً كافياً للاعتقاد أن لِعدم المساواة دور فعّال جيد. ولكن هذه ليست نوع الأسباب الذي استخدمتهُ هنا. أنا فقط أبين مسألة ما إذا كانت المساواة لها قيمة جوهرية – وهذا، إذا وضعنا جانباً التداعيات اللاحقة التي تسببها المساواة، هل لا يزال من الأفضل بذاته للناس أن يكونوا متساوين؟

 

هناك العديد من الذين يعتقدون ان للمساواة قيمة جوهرية. تَفْكِيرهم هو أنه، بغض النظر عما إذا كانت عدم المساواة تجعل الناس غير سعداء، تحفزهم على العمل بجدية أكبر، وهلم جرا، أنه ليس من العدل أن يكون بعض الاشخاص أفضل حالاً من غيرهم. وهكذا، أنهم يعتقدون أن كل الأمور الأخرى تكون متساوية، فمن الأفضل أن نطبق المساواة.

 

الحجة الاساسية ضد مبدأ المساواة.
لاختبار ما إذا كان للمساواة قيمة جوهرية، أطلب منكم أن تتخيلوا ثلاثة عوالم ممكنة بسيطة جداً. في كل العالم، هناك شخصان فقط، أنطوانيت وبوبا، ويعيشون كل منهما لمدة 100 سنة.

في العالم ١، أنطوانيت وبوبا كل منهما عند مستوى رفاه 75، وهو مستوى ممتاز. (تخيل أن هذا الرقم يقيس مجموع كل العوامل التي تحدد رفاههم، مثل كمية السرور، الصحة، معرفة، وأي شيء آخر تعتقد أنه قد يؤثر على رفاه الشخص.)
في العالم ٢، أنطوانيت لديها مستوى رفاه 100 في النصف الأول من حياتها، ولكن لديها مستوى رفاه فقط 50 في النصف الثاني. بوبا، من ناحية أخرى، لديه مستوى رفاهية 50 في النصف الأول من حياته، و100 في النصف الثاني.
في العالم ٣، أنطوانيت لديها مستوى رفاه 100 طوال حياتها [المدة التي تعيشها ١٠٠ سنة]، في حين أن المسكين بوبا لديه مستوى رفاه 50 فقط طوال حياته [المدة التي يعيشها ١٠٠ سنة].
وفقاً لمبدأ المساواة، على افتراض كل الأمور الأخرى متساوية (أيّ، لا توجد الخلافات بصورة تقييمية ذات الصلة فيما بين هذه العوالم لم يتم إدراجها في وصفي)، العالم 1 هو بوضوح أفضل من العالم 3. عوضاً عن هذا أود أن اقنعك أن العالم 1 والعالم 3 متساويان. وحجتي الأساسية هي هذهِ:

 

العالمين 1 و2 جيدين بصورة متساوية.
العالمين 2 و3 جيدين بصورة متساوية.
فإذن، العالمين 1 و3 جيدين بصورة متساوية.
لتبسيط هذا العرض، أنا أعرض المتغيرات التالية:

ل١ = قيمة العالم ١

ل٢ = قيمة العالم ٢

ل٢أ = قيمة النصف الاول من العالم ٢

ل٢ب = قيمة النصف الثاني من العالم ٢

ل٣ = قيمة العالم ٣

ل٣أ = قيمة النصف الاول من العالم ٣

ل٣ب = قيمة النصف الثاني من العالم ٣

باستخدام هذه الرموز، فحجتي تكون على النحو التالي:

١- ل١ = ل٢ …………………………… مقدمة.

٢- ل٢ = ل٣ ……………………………. من أ – ج إدناه.

أ. ل٢أ = ل٢ب…………………مقدمة.

ب. ل٣أ = ل٣ب ……………….مقدمة.

ت. ل٢أ = ل٣أ …………………مقدمة.

ث. ل٢ = ل٢أ + ل٢ب………….مقدمة.

ج. ل٣ = ل٣أ + ل٣ب…………..مقدمة.

ح. ل٢ = ل٣ …………………….من أ – ج.

٣- ل١ = ل٣ ………………………….من ١و٢ إعلاه.

 

واضح ان الاستنتاج يتبع المقدمات ومن الواضح أيضاً أنه يتعارض مع مبدأ المساواة. إذن الآن نحن بحاجة لفحص المقدمات – لماذا أقول (١)، (٢. أ)، (٢. ب )، (٢. ت)، (٢. ث)، (٢. ج). كلها صحيحة؟

 

مقدمات الحجة.
المقدمة الاولى: (ل١ = ل٢)

لماذا أقول إن العالم ١ و٢ متساويان؟ حسناً، العالم ٢ يحتوي على نفس معدل الرفاه (75) كـالعالم ١، العالمان لديهم نفس العدد من الاشخاص الموجودة بنفس المقدار من الوقت، وكلاهما متساويّن تماماً، ولقد اشترطنا على أنه لا توجد هناك أي عوامل بحاجة لتقييم ذات صلة في العالمين لم يتم إدراجها.

من الواضح أن العالم 1 عالم مبني على المساواة. ولكن ماذا عن العالم ٢؟ حسناً، في العالم ٢، أنطوانيت مُرَفَّه عموماً كـ بوبا هو الآخر – كل منهما يحصل على مستوى رفاه 100 لِنصفٌ من حياتهُ، و50 في النصف الآخر. وكلاهما لديهِ متوسط مستوى رفاهية (٧٥). إذا كنت على وشك أن يتم إنزالك إلى عالم مثل العالم ٢، لنْ يكون لديك أي سبب منطقي لِتُفضل أن تكون في مكان أنطوانيت أو مكان بوبا، أو العكس بالعكس. في سياق الحجة الأساسية لمبدأ المساواة، يمكننا أن نسأل: لمن قد يكون العالم ٢ غير عادل؟ قد يميل أحدهم لِيجب: “لخمسين عاماً الأولى، الحياة غير عادلة لِبوبا، وعلى مدى السنوات الـ 50 الاخيرة الحياة غير عادلة لِأنطوانيت”. ولكن نظراً لأن كلاً من أنطوانيت وبوبا يحصلون على نفس كمية الرفاه بشكل عام، فمن الصعب أن نرى كيف يمكن للعالم ككل ان يكون ظالم لأحدهم.

قد يحس البعض أن لِأنطوانيت أشياء أفضل في العالم ٢، لأنها لا تضطر إلى الانتظار للحصول على حصتها ذات جودة عالية من الحياة؛ أيّ أنها بذلك تتجنب الشعور بنفاد الصبر الناجم عن الحاجة إلى الانتظار لمدة 50 عاماً. من ناحية أخرى، قد يشعر البعض أن بوبا حالهُ في الواقع أفضل، لأنه يحصل على متعة اللَذَاذَة من الترقب لمدة 50 عاماً، في حين أنطوانيت، عند بلوغ سن 50 سنة، تعرف أن كل شيء يُعتبر منحدر بالنسبة لـِ ٥٠ سنة المتبقية. ولَكِنّ في مثالي، لا يعتبر أياًّ من هذه الأشياء هو الحال: تخيل أنه في الواقع، ان بوبا لا يواجه أيّ التعاسة اضافية الناجمة عن نفاد الصبر، ولا أي متعة اضافية ناجمة عن التوقع. كلاً من أنطوانيت وبوبا غير مكترثين متى ستكون حياتهم جيدة. واشترطنا أيضاً أن أيّاً منهما لا يشعر بأيّ استياء أو أي شكل آخر من التعاسة ناجمة عن درجات متفاوتة من الرفاه. نحن أوْجَدنا هذه الشروط حتى نتمكن من التركيز على ما إذا كانت عدم المساواة سيئة في جوهرها، دون ان يشتت انتباهنا قضايا دخيلة. من الواضح، إذاً العالم 2 يحتوي على سعادة أقل بشكل عام، إذن فإنهُ أسوأ من العالم 1، إلا أن دراسة هذه الحالة لن تكون ذات صلة بتقييم مبدأ المساواة، ما هو مهم لحجتي هي الحالة التي يكون فيها العالم 2 لديهِ نفس القدر من السعادة بشكل عام كـ العالم 1، فقط موزعة بشكل مختلف عبر الزمن.

 

المقدمة ٢ – (أ. ل٢أ = ل٢ب)

يبدو أن نصفي العالم ٢ جيدين بِالمِثْل، لأن الاثنين متطابقيّن نوعياً. الفرق الوحيد هو أن أنطوانيت وبوبا تبادلا الأماكن. فقد انتقلا من كون أنطوانيت المحظوظة إلى كون بوبا محظوظاً. ولكن لا أنطوانيت ولا بوبا هو أكثر أهمية من الآخر، لذلك هاتين الحالتين جيدتين بشكل متساوٍ.

 

المقدمة ٢ – (ب. ل٣أ = ل٣ب)

يبدو أن نصفي العالم ٣ جيدين بشكل متساوِ، لأن الاثنين متطابقيّن نوعياً، حتى دون اختلاف الذي ينشأ من تبادل الأدوار بين أنطوانيت وبوبا. في حين قد يكون هناك سبب للتفكير ان العالم 3 سيء في جانب واحد وهو عدم المساواة، لا يبدو أن هناك أي سبب للتفكير ان السنوات الـ 50 الأولى من عدم المساواة هي أي أفضل أو أسوأ من الـ 50 عاماً اللاحقة من عدم المساواة [كما افترضنا سابقاً ان الاثنين يعيشا ١٠٠ سنة].

 

المقدمة ٢ – (ت. ل٢أ = ل٣أ)

يبدو أن النصف الأول من العالم ٢ جيد كالنصف الأول من العالم ٣، لأن الاثنين متطابقيّن نوعياً، حتى دون الاختلاف الذي ينشأ من تبادل الأدوار بين أنطوانيت وبوبا، وحتى من دون أي فارق زمني. العوالم 2 و3 يختلفان فقط في الـ 50 عاماً الثانية، بعد أن مرَ النصفين الأولين من العالمين. ما يحدث بعد الـ 50 سنة يجب ألا تؤثر على قيمة الـ 50 عاماً الأولى – ينبغي للمرء ألا يكون قادر على تحسين أو إفْساد الماضي بأثر رجعي.

 

المقدمة ٢ – (ث. ل٢ = ل٢أ + ل٢ب)، (ج. ل٣ = ل٣أ + ل٣ب)

يبدو أن قيمة كُلْ عالم يجب أن تكون مجموع قيم نصفيّه. أنا أسمي هذا المبدأ “الجمع الزمني” [قابلية الجمع الزمنية] (قيمة تُضاف بمرور الزمن). هذا المبدأ بدِيهيّ. ومع ذلك، المساواتي [المؤمن بمبدأ المساواة] قد يرغب في إنكار مبدأ الجمع الزمني، للأسباب التالية: (أ) المساواتي يعتقد إن عدم المساواة سيئة في جوهرها، إنّما (ب) من الواضح أن عدم المساواة غير-مضافة مع مرور الوقت (أيّ، لا يمكنك معرفة مقدار عدم المساواة الذي يحتويهِ العالم عن طريق جمع كمية عدم المساواة الموجودة في كل نصف بفترة زمنية). في العالم ٢، على سبيل المثال، يوجد الكثير من عدم المساواة في الخمسين سنة الأولى، والكثير من عدم المساواة في السنوات الخمسين الأخيرة. ولكن العالم كَكل يُظهر ان بهِ مساواة، لأن عدم المساواة في نصفين العالم يلغي بعضهما بعضا [كما في العمليات الرياضية والفيزيائية]. لذلك، لأن عدم المساواة غير-مضافة [مع مرور الزمن] وهذا واضح، يمكن للمرء أن يميل إلى استنتاج مفادهُ أن القيمة يجب أن تكون غير-مضافة. وقد يرغب أحدهم بالقول، إذن، أن (ل٢ أكبر من ل٢أ + ل٢ب)، لأن العالم ٢ كَكل يحصل على بعض القيمة الإضافية (إعلاهُ قيمة النصف الأول والنصف الثاني) لأنها تُظهر مساواة، في حين لا النصف الأول ولا النصف الثاني من العالم يُظهر هذه المساواة.

 

أنه من غير الواضح أين يكمن عبء الإثبات. من الواضح أن الحجة المذكورة أعلاه ضد الجمع الزمني، تفترض مبدأ المساواة. بادئ ذي بدء إذا الجمع الزمني معقول بشكل حدسي، إذن الجدال ضدهُ بافتراض مبدأ المساواة – وهي الأطروحة التي اجادل ضدها – يمكن أن يقال انها تثير التساؤل. من ناحية أخرى، قد يقول البعض بأن مبدأ المساواة يرتبط ارتباطاً وثيقاً بعدم القابلية للجمع وبافتراضي الجمع الزمني يُثير التساؤل ضد مبدأ المساواة.

 

لحسن الحظ، نحتاج لِــإلا نترك الأمور تقف عند هذا الحد. على الأقل من الواضح أنه إذا كان بإمكاني أن اعطي حجة مستقلة للجمع الزمني، فإن المساواتي لا يمكنهُ (بدون إثارة التساؤل) الاستمرار برفض الجمع الزمني فقط على أساس عدم انسجامهُ مع مفهوم مبدأ المساواة. إذا كان المساواتي يفعل ذلك، فإنه سيتبنى المنهجية الدوغماتية أي لا حجة ضد منصبهُ يمكن أن تنزله من الصدارة، لأنه سوف يستخدم فقط الحقيقة المفترضة لمنصبهُ لدحض أي انتقاد.

 

هناك حجة مستقلة للجمع الزمني: إنكار الجمع الزمني يؤدي إلى نوع من التناقض في نظرية القرار. تخيل أن الله يقول لك أنه على وشك أن يخلق عالم جديد. يطلق عليه “العالم 4”. وسيوجد هذا العالم لمدة 100 سنة، خلالها لن يكون لهُ اي تداخل مع عالمك. وأن الله أَحَبَ أن يعطيك فرصة للعبْ دور في تشكيل العالم 4. وقد قرر الله مسبقاً كيف سيكون النصف الأول من هذا العالم، ويعطيك وصفاً مفصلاً بذلك. سَمْي النصف الأول من هذا العالم “الجزء الأول”. ثم يقول لك الله أن النصف الثاني من العالم سيذهب في واحدة من طريقتين – والتي يصفها هو أيضاً بالتفصيل – سَمْي هذين الطريقتين الممكنتين (الجزء ٢أ) (والجزء ٢ب). وأخيراً، أفترض أنك تعرف أن (الجزء ٢أ) أفضل منْ (الجزء ٢ب)، ولكن، لأن القيمة غير-مضافة، مَرَكّب من الجزء الأول و(الجزء ٢أ) أسوأ من مَرَكّب من الجزء الأول و(الجزء ٢ب). بعبارة أخرى، إذا خَلقَ الله (الجزء ٢أ)، وَقْتَئِذٍ النصف الثاني من العالم سيكون أفضل، ولكن العالم كَكل سيكون أسوأ. إذا الجمع الزمني خاطئ، فإن كل هذا ممكن. الآن أفترض أن الله يطلب منك: “أيّ منها تعتقد يجب عليّهَ أن أنشئ: الجزء الأول و(الجزء ٢أ)، أو الجزء الأول (الجزء ٢ب)”؟

 

أفترض أنك محب للخير وتهتم فقط بالقيام بما هو فعلُ خير – وهذا، كل ما ترغب به هو اتخاذ الخيار الذي يؤل إلى أفضل النتائج. لذا تقول: “الله، أنشئ العالم ٤ مع الجزء الأول (والجزء ٢ب)، لأن بهذه الطريقة، فإن العالم سيكون أفضل بشكل عام”. يقول الله تمام، ثم يختفي.

 

وبعد خمسين سنة، يعود الله ويُعطيك تحديثاً: فيقول لك: العالم ٤ أكمل 50 عاماً حتى الآن، وأن كل شيء يسير وفقاً للخطة الموضوعة. الجزء الأول من العالم قد انتهى لتوه، والجزء الثاني على وشك أن يبدأ. “وبالمناسبة” يقول الله: “أردت فقط أن اتحقق مما إذا كنت لازلت على نفس قرارك السابق: هل ما زلت تعتقد أنه يجب عليّهَ أن اسمح للـ (الجزء ٢ب) أن يبدأ، أم تريد أن تغير رأيك وتذهب مع (الجزء ٢أ) بدلاً من ذلك؟” وتفكر في السؤال الأخير. فتدرك أنه بما ان الجزء الاول من العالم قد ولى فلا يوجد شيء باستطاعتك فعلهُ لتؤثر عليه الآن. كل ما يمكنك أن تؤثر عليه هو ما مدى رفاهيةْ الـ 50 عاماً المقبلة من العالم 4. وهكذا، مرة أخرى كونك محب للخير وتريد فقط القيام بما هو خيّر الذي سيؤل إلى أفضل النتائج، تقول: “أَتعرف، الله، لقد غيرت رأيي: إنشئ (الجزء ٢أ)”.

 

في كلتا الحالتين، اتخذت القرار الصحيح: عندما جاء إليك الله أول مرة، كان عليك أن تختار بين {الجزء الأول + الجزء ٢أ} و{الجزء الأول + الجزء ٢ب}. كان المعقول والصحيح لك لِتختار {الجزء الأول + الجزء ٢ب}، لأن ذلك كان الخيار الأفضل. ولكن عندما جاء إليك الله المرة الثانية، كان يجب عليك أن تختار بين (الجزء ٢أ) (والجزء ٢ب). كان معقول والصحيح لك لِتختار (الجزء ٢أ)، لأنه كان الخيار الأفضل.

 

هذا تناقض. الخيار بين {الجزء الأول + الجزء ٢أ} و{الجزء الأول + الجزء ٢ب} يجب ان يكون مكافئ لخيار بين (الجزء ٢أ) (والجزء ٢ب) بالنظر إلى أن الجزء الأول قد حدثَ بالفعل. إذا تتخذ قرار عقلاني وصحيح، ولا تظهر معلومات جديدة – لا شيء جديد يحدث لم تكن تعرف انهُ بالفعل سيحدث – فإنه لا معنى له أن يكون لِزاماً عليك أن تغير رأيك. (تخيل أن شخصاً ما سألك: “إذا هطل المطر، هل تريد مظلة؟” تقول “نعم”. وبعد حين، عندما يبدأ هطول الامطار، يقول: “تريد مظلة الآن، أليس كذلك” تقول أنت “لا”. يبدو أن هناك بعض التناقض هنا). ولكن هذا هو نوع الشيء الذي يمكن أن يحدث إذا نَكَرَ أحدهم الجمع الزمني. يمكننا تجنب التناقض بقبول كون تلك القيمة تُضاف بمرور الوقت.

 

خاتمة
مبدأ المساواة يستند كلياً على إسْتَجْدَاء الحدس: الحدس الذي يقول ان عدم المساواة أمر غير عادل وأنه أمر سيء. أنا دافعت عن استخدام الحدس في الأخلاق [أصدر الكاتب كتاب بعنوان الأخلاقية الحدسية (مَذْهَبٌ يَرَى الحَدْسَ لَهُ الصَّدَارَةُ في المَعْرِفَة)]. لكن الحدس لا ينبغي أن يُستجدى به دون تمحيص. العديد من البديهيات [الحدسيات] غير صحيحة ومشوهة بالتحيز العاطفي وغيرهُ. الأعراض الحقيقة التي تُبيّن الحدس مشوه تشمل: (أ) أن الحدس مرتبط بأيديولوجية سياسية، على سبيل المثال، أن الليبراليين هم أكثر عرضة لينصاعوا للحدس من المحافظين. (ب) وأن الحدس مرتبط بعواطف معينة؛ و (ج) أنه يؤدي إلى نتائج متناقضة أو يتعارض مع البديهيات الأخرى التي هي أقل عرضة لتتأثر بالتحيز. فمن المحتمل جداً أن حدس الذي يقول أن المساواة قيّمة جوهرياً يُعتبر تحيز. وهو، من ناحية أخرى، من المستبعد جداً أن الحدس القيمة مُضَافة، أو أن أحداث متماثلة نوعياً لها نفس القيمة، يعتبر تحيز. المبادئ الأخيرة ليس لها عواطف ملحوظة المرتبطة بها. هي نقاط غير مهمة للليبراليين والمحافظين، أو أي أيديولوجية أخرى. وبشكل عام من أكثر المرشحين الأكثر قبولاً لتكون [المبادئ الأخيرة] منتجات التفكير العقلاني. وبالتالي فهي نوع من المبادئ التي يمكن استخدامها لحل النزاعات في الأخلاق واستئصال أخطاء بديهية، أيّ إذا كان أصلاً ممكن حل هذه النزاعات واستئصال هذه الأخطاء من جذورها على الإطلاق [سخرية]. وبالتالي فإننا لا ينبغي لنا الرد على حجةْ القسم 2 برفض واحدة من المقدمات حتى نتمكن من الابقاء على الحدس المساواة [أيّ أن حدسنا حول المساواة انها مفيدة وشيء صحي في الكون]. يجب علينا بدلاً من ذلك التخلي عن قيمة المساواة في ظل عدم انسجامها مع المبادئ المجردة عن القيمة التي ترتكز على التفكير العقلاني.

 

ولد الفيلسوف مايكل هيومر في (27 ديسمبر 1969م) هو أستاذ الفلسفة في جامعة كولورادو في بولدر في الولايات المتحدة. وقد دافع عن الأخلاقية الحدسية والواقعية المباشرة، التحررية والفوضوية الفلسفية. ولهُ العديد من المؤلفات منها: الأخلاقية الحدسية، الشك وحجاب الإدراك (دراسات في نظرية المعرفة ونظرية الادراكية)، الاقتراب من اللانهاية، مشكلة السلطة السياسية: دراسة لِلحقْ الإجبار وواجب الإطاعة وغيرها [المؤلفات غير مترجمة].

 

[1] من هنا فصاعداً، سأعالج الخير الجوهري للمساواة كمعادل للشر الجوهري لعدم المساواة. على نحو أدق، وأنا مهتم (فقط) مع ما إذا كانت المساواة هي في جوهرها أفضل من عدم المساواة.

 

المصدر: هنا

عن

شاهد أيضاً

كيف أصبحت الحياة كلها تنافسًا شديدًا ودائمًا؟

من مجلة (ذي أتلانتك) تنشر في عدد أيلول/سبتمبر 2019 ترجمة: ابراهيم العيسى تدقيق: عمر اكرم …

لا يحدث كل شيء لسبب

بقلم: نيكولاس كليرمونت ترجمة: رحاب الهلالي تدقيق: ريام عيسى تصميم الصورة: امير محمد ١١/حزيران / …