في الكتاب الجديد لـ أمير دي. أكزيل .”لماذا لم يدحض العلم فكرة الإله” يذهب الكاتب بعيداً ليبين سبب إساءة معظم العلماء والفلاسفة لفهم بعضهم البعض عندما يتعلق الأمر بأسئلةٍ مصيرية.
يعتبر معظم العلماء بأن الوجود حدث لكوننا محظوظين ولا يتفق معظم الفلاسفة مع هذا.
أثار كتاب أكزيل سخط كلا الطرفين. حيث إستعرض آلان لايتمان من معهد ماساتشوستس في صحيفة واشنطن بوست إحدى النقاط التي يأخذها الفلاسفة بنظر الإعتبار والتي تثير غضب العلماء وهي: أن العلم لا يتم إلا بوجود أسسٍ ميتافيزيقية.. هذا صحيح نوعاً ما ولكنه تافه أيضاً.
يصر العلماء على أنهم لا يحتاجون إلى تذكير أنفسهم بذلك لأنهم يعملون به ويتنفسونه. يعمل العالم وفق قوانين منظمة وعقلانية وليست فوضوية.
لكن كتابات أكزيل قد تكون مثيرة للتوتر بالنسبة لعامة الناس خاصة عندما يتعلق الأمر بالإنفجار الكبير وفيزياء الكم.
يعتبر أكزيل فيزيائي رياضي ومؤلف للعديد من الكتب من جامعة بوسطن. وقد خصص فصلاً من كتابه لإنتقاد الفيزيائي لورانس كراوس وكتابه الأخير “كون من لا شيء”: لماذا يُرجح أن يكون هناك شيء بدلاً من لا شيء. جادل كراوس بطريقة معقولة. إن الكون الذي نعرفه الآن قد يكون تولد من التقلبات الكمومية في مرحلة مبكرة وفي فضاء فارغ.
صورة صغيرة جداً من المسبار لتباين إشعاع الخلفية الكوني” من ويكيبيديا”
المفتاح في فيزياء الكم .. الفضاء الفارغ ليس فارغاً وهذا ما يؤرق أكزيل وهو يكتب
لقد أساء لورانس كراوس إستعمال مصطلح “فضاء فارغ” للمجادلة بخصوص أن الكون قد خرج من الفراغ ونحن نعلم أن الجسيمات لا تأتي من الفراغ أبداً. لا يمكن أن يكون الفراغ “لا شيء” لأنه ممتلىء بالطاقة دائماً وتتغلغل في داخله خطوط مجالات القوة كالكهرومغناطيسية والجاذبية وغيرها والطاقة التي توفرها هذه المجالات مما يؤدي لخلق هذه الجسيمات ولذا فأن تكوين مثل هذه الجسيمات لا يمكن ان يأتي من لاشيء. بل تأتي للوجود من فضاء مليء بالطاقة.
الفضاء..الطاقة..والمجالات التي تتخلل كل شيء لابد وأنها قد أتت من مكان ما. لكن هنالك مشاكل لم يتم تناولها من قبل هذه النظرية. [الصفحة127
باختصار هناك إلتباس بخصوص الـ “لا شيء”. يقول أكزيل: لم يساعد كراوس بتوضيح ما هو اللاشيء كما لو أنه .. شيء. من الواضح حقا أنه وقبل قدوم الكون للوجود بالإنفجار الكبير لم يكن العدم كما يفهمه الفلاسفة. بل هو نوع آخر يسميه العلماء اللاشيء – لكن ربما لا ينبغي تسميته هكذا.
(تخيل لو أن لورانس قد قدم كتابه بعنوان الوجود من العدم Existence From Nonexistence :لماذا يوجد بدلاً من كونه لا يوجد. كان ليسعد الأكاديميين في أقسام دراسات القرون الوسطى في كل مكان لكن ربما ذلك لم يكن ليعود عليه بمكسب من نشره.)
لكن المثير للإهتمام هو أن أكزيل نفسه يعود ليستعمل كلمة الخلق creation عندما يريد أن يتحدث عن التولد generation هذه ليست قضية تافهة بالنسبة للمهووسين بالفلسفة. أما إذا تم تعريف الخلق كحدث وكون العلماء على حق، فسيكون اللاشيء بحاجة لوصف أصل الكون بصورة شاملة .
وأشار جون دي. بارو، وهو فيزيائي رياضي في جامعة كامبريدج عن كتاب اللاشيء : الخواء . الفراغ . وأحدث الأفكار عن أصل الكون. يسعى بعض اللاهوتيين حديثاً إلى التوحيد بين الأفكار القديمة التي تتحدث عن الخلق من لاشيء والأفكار الكونية المعاصرة.
من الجدير بالذكر بأن الإعتقاد المسيحي بالخلق من العدم لم ينشأ كدافع لعلم الفلك و الكونيات كما نعرفه اليوم حيث كانت الأغراض الرئيسية تهدف لتبيين العلاقة بين الكون والإله لتأكيد أن هناك هدف ومعنى للعالم وأنه يعتمد على الإله، والتمييز بين العقيدة المسيحية والمعتقدات الأخرى في الوقت الذي كانت فيه الكنيسة توسع مفهومها اللاهوتي. وعلى وجه الخصوص، الإدعاء بأن الطبيعة تختلف عن الإله وذلك لتبيين كون عبادة الأصنام أو محاولة فهم طبيعة الإله غير مجدية. فضلاً عن السعي لوضع هالة قدسية حول قوة الإله لتأكيد أن الخلق حدث بدلاً من التشكيل .. أي أنه ليس بحاجة لوجود مصادر مسبقة فالإله يسيطر على الوجود ويحافظ على نمط منظم (صفحة 278)
يتحدث كتاب أكزيل عن إله يشبه نوعاً ما الإله الذي يضعه نيوتن، وكيبلر، وسبينوزا بعين الإعتبار عند التحدث عن الخلق. يستحق كتاب أكزيل القراءة كما إنه صاحب نظرية فيرما الأخيرة، معادلة الإله واليسوعية والجمجمة.
المصدر: هنا