الرئيسية / تقنية / هل التكنولوجيا جعلتنا أغبى أم أذكى؟

هل التكنولوجيا جعلتنا أغبى أم أذكى؟

ترجمة: زينب السامر

تدقيق: عمر أكرم المهدي

تصميم الصورة: مكي السرحان


الهاتف الذكي الذي بين يديك يمكّنك من تسجيل فيديو وتعديله وإرساله إلى جميع أرجاء العالم.

من خلال هاتفك الذكي يمكنك التنقّل بين المدن وشراء سيارة وتتبُّـع العلامات الحيويّة لجسمك وإنجاز آلاف من المهام الأخرى.
كل هذه الأنشطة المستخدمة تتطلّب تعلُّـم مهارات معيّنة والحصول على موارد ضرورية للقيام بها.
صناعة فيلم؟
أوّلًا: يجب عليك الحصول على كاميرا سينما وتقنيّات داعمة (الفيلم وأضواء ومعدّات التعديل).
وثانيًا: معرفة كيفيّة إستخدامها وتوظيف طاقم عمل.
وثالثًا: تصوير الفيلم.
ورابعًا: تطوير وتعديل الفيلم.
وخامسًا: عمل نسخ وتوزيعها.
الآن جميع هذه المهام يتم حلّها عن طريق التكنولوجيا، لم نعد نحتاج لمعرفة هذه التفاصيل المعقّدة في الوقت الذي جاء به مبرمجو الهاتف الذكي، لكن صُـنّاع السينما الآن أكثر حريّة للتركيز على عملهم؛ وإنّه أسهل من أيّ وقتٍ مضى لكي تصبح صانع أفلام، تاريخيًّا؛ التكنولوجيا جعلت منّا – كأفراد أكثر ذكاءً وأكثر غباءً – وبشكلٍ جماعي أكثر ذكاءًا؛ حيث أنّ التكنولوجيا جعلت منّا أكثر قدرة على عمل الأشياء وأقل قدرة على فهم ما نفعله! وزادت إعتمادنا على الآخرين.
وهذه ليست إتّجاهات حديثة بل جزءًا من تاريخ التكنولوجيا؛ منذ أن بدأ أوّل إنسان بالزراعة، في العقود الأخيرة هنالك ثلاثة مجالات ساعد تغيّرها في تسريع العملية، بدءًا من زيادة عدد البشر المتخصّصين في مهارات معيّنة بالإضافة إلى أنّنا أصبحنا نستعين بمصادر خارجية أكثر خبرة بأدوات التكنولوجيا مثل تطبيق صانع الأفلام على الهاتف الذكي، وهذا يريحنا من تحدّي تعلّم كميّة كبيرة من المعلومات التقنية. إنّه مكّن عددًا أكبر من البشر من الوصول إلى هذه التكنولوجيا بالمقارنة مع الماضي حيث أتاح لهم إستخدام هذه الأدوات بطريقةٍ أكثر سهولة.
 

المعرفة المتخصّصة:

التخصّص يتيح لنا أن نصبح جيدين أكثر في بعض الأنشطة، لكن الإستثمار في التعليم على سبيل المثال؛ كيف تصبح ممرّضَ غرفة الطوارئ أو مبرمج كومبيوتر يأتي على حساب مهارات أخرى مثل كيفيّة زراعة محاصيلك الزراعية أو بناء المأوى الخاص بك.
كما لاحظ آدم سميث (Adam Smith) في كتابه (ثورة الأمم – “Wealth of Nations”) عام 1776: التخصيص مكّن الناس من أن يصبحوا أكثر كفاءةً وإنتاجيّةً في مجموعةٍ واحدة من المهام، ولكن مع المفاضلة (التنازل عن ميّزة من أجل الحصول على أخرى) زاد الإعتماد على الآخرين لحاجات إضافية ومن وجهة نظر النظريّة فالجميع مستفيد!
التخصيص له عواقب أخلاقية وعلمية، العمّال المهَـرة هم أكثر عُـرضةً للتوظيف والكسب من الأشخاص غير الماهرين؛ أحد الأسباب التي جعلت الولايات المتّحدة تفوز بالحرب العالمية الثانية هو أنّ مشروع مجالس التجنيد حافظ على بعض العمّال المدرّبين والمهندسين والعلماء يعملون على الجبهة الداخلية بدلًا من إرسالهم إلى جبهات القتال، حيث أنّ مهارة مشغّل الأجهزة أو تلاعب ناقل الحطب بالنفط ساهم أكثر في كسب الحرب من خلال البقاء في المنزل والإنغماس في الدور المتخصَّـص بدلاً من التوجّه للجبهة مع بندقية، وهذا يعني أيضًا أنّ هنالك رجالًا (وبعض النساء) إرتدوا الملابس النظاميّة وكانوا عُـرضةً لخطر الموت أكبر بكثير من غيرهم.

صنع آلات للباقين منّا

إدماج مهارات الإنسان مع آلة والذي يُسمّى (بلاكبوكسنغ – “blackboxing”) لأنّه يجعل العمليات غير مرئيّة للمستخدم ويسمح للمزيد من الناس – على سبيل المثال – بأن يقوموا بقياس ضغط دمهم من دون أستثمار الوقت والموارد والجهد في تعلّم المهارات اللّازمة مسبقًا لإستخدام رباط ضغط الدم، ووضع الخبرات في جهاز يقلّل من الحواجز أمام الدخول لفعل شيءٍ ما لأنّ الشخص لا يحتاج لمعرفة هذا القدر من المعلومات. على سبيل المثال التعليم التناقضي في قيادة السيارة بواسطة ناقل الحركة اليدوي الإعتيادي مقابل ناقل الحركة الأوتوماتيكي.
إنتاج كميّات كبيرة من تكنولوجيا (البلاكبوكسنغ) يمكّننا من إستخدامها على نطاقٍ أوسع، وأن الهواتف الذكية وأجهزة مراقبة ضغط الدم الآلية تكون أقل فعّالية بكثير فقط لو كان آلاف بدلًا من عشرات الملايين تمكّنوا من إستخدامها، وللأسف فإنّ إنتاج عشرات الملايين من البنادق الآلية مثل AK-47s يسمح للأفراد أن يقتلوا أُناسًا أكثر وبسهولة أكثر بالمقارنة مع الأسلحة الأكثر بدائية مثل السكاكين.
من ناحيةٍ عملية أكثر، نحن نعتمد على الآخرين ليقوموا بما لا يمكننا القيام به نحن على الإطلاق، حيث يعتمد سكّان المدن على وجه الخصوص على المساحات الواسعة؛ معظمها هياكل غير مرئية لتوفير الطاقة وإزالة النفايات وتأمين الطعام وعشرات الآلاف من البنود الاخرى المتاحة.

الإعتماد المفرط على التكنولوجيا أمرٌ خطير

الجانب الرئيسي السلبي للإعتماد على التكنولوجيا هو زيادة العواقب إذا كُـسرَت هذه التكنولوجيا أو إختفت، يقدّم لويس دارتنيل (Lewis Dartnell) في كتابه (المعرفة – “The Knowledge”) إكتشافًا مبهِـجًا (ومخيفًا) لكيفية النجاة من كارثة إنسانية مدمّرة حيث يمكن إنقاذ والحفاظ على تكنولوجيا القرن الــ 21.
مجرّد مثال واحد من الكثير من الأمثلة هو أنّ الأكاديمية البحريّة الأميركية استأنفت تدريب الضبّاط للتنقّل بواسطة السداسيات [1].
تاريخيًّا الطريقة الوحيدة لتحديد موقع السفينة في عرض البحر يجري تدريسها مرّة أخرى كنسخة إحتياطية؛ في حال هجوم قراصنة الأنترنت وتداخلهم مع إشارات نظام تحديد المواقع ولأعطاء الملّاحين شعورًا أفضل عن أجهزة الكومبيوتر الخاصّة بهم.
كيف يبقى البشر على قيد الحياة ويزدهرون في هذا العالم الذي إزدادت فيه الإعتمادية والتغيير؟ إنّه لمن المستحيل أن يكون حقًّا إعتمادًا على الذات؛ ولكن من الممكن معرفة المزيد عن التكنولوجيا التي نستخدمها؛ لتعلّم المهارات الأساسية للإصلاح والتثبيت (تلميح: دائمًا افحص شبكة الإتصال وقم بقراءة الدليل) وابحث عن الأشخاص الذين يعرفون أكثر عن مواضيع محدّدة وبهذه الطريقة ثروة هائلة من المعلومات على شبكة الإنترنت لا يمكن أن تؤدّي إلى زيادة إعتمادنا لكن أيضًا تقلّله (وبالتأكيد الشكوك في معلومات الإنترنت هو ليس فكرةً سيّئة أبدًا) التفكير في ما يحدث إذا حدث خطأ ما يمكن أن يكون ممارسةً مفيدة في التخطط أو الإنحدار إلى هوس إثارة القلق.
كأفراد، نحن نعتمد على التكنولوجيا أكثر من أي وقتٍ مضى ولكن يمكننا أن نفعل أكثرمن أي وقتٍ مضى. إجمالًا؛ التكنولوجيا جعلتنا أكثر ذكاءً وأكثر قدرة وإنتاجية وما لم تقدّمه التكنولوجيا لنا جعلنا أكثر حِـكمة.
 

المصـدر:-
THE CONVERSATION

هوامش:-

[1] السدس (بالإنجليزية: Sextant):
هو آلة فلكية قديمة كانت تُـستخدَم لقياس الزاوية بين جسمين أو نجمين، والتي ابتكرها إسحق نيوتن في القرن السابع عشر الميلادي. تُـستخدم آلة السدس في الأساس لتحديد الزاوية بين جرم سماوي والأفق الذي يُـعرَف بإسم الإرتفاع. كما يمكن استخدمها لقياس المسافة بين القمر والأجرام السماوية من أجل تحديد التوقيت وفروقه عن توقيت غرينيتش، وهو أمر مهم لتحديد خطوط الطول الجغرافية.
– المدقّق.

عن

شاهد أيضاً

خلود وحياة مُعززة: هل المستقبل للبشر المتحوّلين؟

كتبه لصحيفة (ذا غارديان): روبن ماكي منشور بتاريخ: 6/5/2018 ترجمة: أحمد طريف المدرس مراجعة وتدقيق: …

كيف ساهم آينشتاين بأختراع السيارات ذاتية القيادة

كتبته لموقع (فروم ذا غرايبڤاين): جين فيرسكوس منشور بتاريخ: 25/1/2017 ترجمة: أحمد طريف المدرس تدقيق: …