مع مرور ملايين السنين منذ نشأة الكون، بدأت الأسنان التي نمتلكها تتغير بالحجم مع مرور الوقت. أسنان العقل (Wisdom teeth) مثلاً، أخذت تنكمش (تصغر) بالحجم مع تطور البشر خلال السنين؛ كجزء من التغييرات التي بدأت مع استخدام البشر لأدوات الصيد وغيرها. هذا الإكتشاف والبحث قد يُحسّن معرفتنا بشأن الأنواع الأحفورية المُكتشفة وعلاقتها بالإنسان الحديث.
*ملاحظة المترجم: سيتكرر في هذا المقال مصطلح (Hominin)، لذا سأشير لهم بالمقال بـ ”أشباه البشرأو أشباه الإنسان“ **يمكنك مراجعة الشجرة التطورية لمعرفة هذ المصطلح.
نعود، يقول مؤلف الدراسة اليستير إيفانز، عالم الأحياء التطوري في جامعة موناش في ملبورن، أستراليا ”أسنان الأحافير هي الأكثر أكتشافاً من غيرها؛ لأنّها أصلب وأقوى الأجزاء في الجسم البشري، الأسنان هي المرجع الذي يُخبرنا عن، كيف عاش السلف الأحفوري؟ وإلى أيَّ الأنواع ينتمون؟ وماذا كانوا يأكلون؟ الخ. قال الباحثون، بأنّ أسنان أشباه البشر قد تقلصت في حجمها مع تطور الكائنات. ربما نرى هذا الشيء بوضوح في ضرس العقل، والذي يقع في الجزء الخلفي من الفم. في الإنسان الحديث، ضرس العقل غالباً ما يكون صغير جداً مقارنةً مع الأضراس الأخرى أو قد يكون مضمور (أو مطمور) وغير موجود، في حين أنّ أضراس العقل ضخمة في العديد من أنواع أشباه البشر الأخرى، ومع سطوح لمضغ الطعام تكون (2-4) مرات أكبر من نظيراتها في الإنسان الحديث.
أقترح البحث، بأنّ هذا الانكماش الكبير في حجم ضرس العقل للإنسان الحديث، يرجع إلى ظهور الطبخ أو غيرها من التغييرات في النظام الغذائي للإنسان الحديث. ومع ذلك، إيفانز وزملاؤه أعتقدوا بأنّ هذا التحول قد بدأ قبل ذلك بكثير في التطور البشري المستمر مع مرور السنين. قام العلماء بتحليل حجم الأسنان في الإنسان الحديث ومقارنتها مع الأحفوريات. وقد جد الباحثون، أنّ أسنان أشباه البشر يمكنها تقسيمها إلى مجموعتين رئيسيتين. تتألف المجموعة الأولى من جنس الهومو (Homo)، الذي يشمل كِلا من الإنسان الحديث (هوموسابين) وأقارب الإنسان المنقرضة (هومو إيريكتس وغيرهم). المجموعة الأخرى تتكون من الرئيسيات التي ظهرت قبل الهومو، مثل أوسترالوبثيكس (australopithcus)، وهو أول الرئيسيات (القرود العليا) يمشي منتصباً على قدميه.
بالنسبة لـ ”أوسترالوبثيكس“ وغيرهم من أشباه البشر، وجد العلماء بأنّ أسنانهم تميل إلى أن تصبح أكبر وأكبر بأتجاه الجزء الخلفي من الفم، مع بقاء عددها ثابتاً، بغض النظر عن الحجم الكلي للأسنان. أمّا في جنس الهومو (الإنسان الحديث)، كانت أصغر بالمقارنة مع أوسترالوبثيكس. وقال ايفانز ”يبدو أنّ الفرق الرئيسي بين المجموعتين هو الذي يساعدنا في تمييز جنس الهومو (الإنسان الحديث) عن غيره من الأجناس مثل أوسترالوبثيكس“.
يرجع سبب أنكماش الأسنان إلى صغر فكي الإنسان على مدى التاريخ التطوري. حيث أنّ تقطيع اللحم النيء إلى قطع صغيرة ومضغها بعد ذلك يمكن أن يكون قد ساعد أشباه الإنسان القدماء على أمتلاكهم لأسنان كبيرة إضافة لبقاء ضرس العقل موجوداً في الفك لا مطموراً (كما هو الحال الآن مع الإنسان الحديث حيث يبقى مطموراً)، كل ذلك يحصل؛ لتساعدهم في تقطيع الطعام النيء الصعب. بينما مع أكتشاف النار والطبخ، أصبح الطعام سهلاً للمضغ (غير نيء) وبذلك نرى صغر بحجم الأسنان للإنسان الحديث، وأختفاء أضراس العقل بمرور الزمن؛ لعدم الحاجة أليها.
ويستند هذا القول إلى تجارب قام بها العلماء على الفئران والتي أقترحت، بأنّ الأسنان يمكن أن تؤثر على بعضها البعض خلال تطورها. بمعنى، إنّ الأسنان التي تتطور في وقت مبكر يمكن أن تثبط حجم الأسنان التي تتطور في وقت لاحق، وبذلك تؤدي إلى ظهور أسنان جنس الهومو بكونها صغيرة مقارنة مع أسلافها. ومع أكتشاف الهومو ناليدي، مؤخراً في جنوب أفريقيا، وعند تحليل أسنانها، قال الباحثون بأنها حصلت على مزيج مثير للاهتمام، بعض من سماتها وخصائصها تبدو وكأنها هومو، في حيث البعض الآخر تبدو وكأنها أوسترالوبثيكس.
المصدر: هنا