ترجمة: أحمد لاوي
تقترح دراسة جديدة أن حضارة متقدمة خارج الأرض ينبغي أن تكون قادرة على زيارة كل زاوية من المجرة في فترة مذهلة بقصرها من الوقت، وذلك باستخدام تأثير النقافة slingshot effect [النقافة هي قطعة خشب لصيد الطيور بالحجارة تكون على شكل حرف Y، المترجم] لدفع المسابير ذاتية النسخ خلال الفضاء بين النجوم. مما يُعيد ”مفارقة فيرمي“ إلى الحياة من جديد.
ولكن قبل أن نصل إلى هذه الدراسة الجديدة، دعونا بسرعة نستعرض ما نعنيه بالمسابير ذاتية النسخ وعلاقته بـ “مفارقة فيرمي”.
المسبار ذاتي النسخ self replicating probe هو جسم افتراضي تم طرحه كفكرة منذ أربعينات القرن الماضي. وضعها عالم الرياضيات الالمعي جون فون نيومان (ولهذا تسمى أحياناً مسابير فون نيومان)، وهو نظام غير بايولوجي قادر على أن ينسخ نفسه. فون نيومان لم يكن يفكر انذاك في استكشاف الفضاء أو استعماره، ولكن مفكرين آخرين، مثل فريمان دايسون، واريك دريكسلر، وروبرت فريتاس، وسعوا منذ ذلك الحين فكرته لتصل إلى هذا الهدف بالضبط.
بمجرد اطلاقها في الفضاء، تستطيع هذه المسابير السفر إلى المجاميع النجمية المجاورة، ولأنها مزودة بآليات روبوتيه، ولها قدرة على البناء الجزيئي molecular assembly، و تتمتع بالذكاء الصناعي، فكل ما تحتاجه هذه المسابير هو العثور على كويكب يحوي المواد المناسبة اللتي تمكنها من اعادة نسخ نفسها والأنتشار.
وبحسب تطور المسابير التقني أو الغرض من بنائها، فإنه يمكن إنشاء المستعمرات على الكواكب المناسبة (أما عن طريق إنتاج كائنات بيولوجية أو روبوتات ذوات عقول صناعية أو تحمل في ذاكرتها نسخ من عقول الحضارة الأم). أكثر بساطة، يمكن أن تنشر مسابير نيومان نوع آخر من المسابير يسمى ”مسابير بروسويل“ مختصة في الاتصالات حيث تتم برمجتها لتحقق اتصالاً مع حضارة موجودة أصلاً في الكوكب أو مستقبلية. بمجرد اكتمال مهمتها، تقوم مسابير نيومان بـ ”تفريخ“ نسخ جديدة حيث ترسل إلى النجوم القريبة وهكذا.
تكمن قوة مسابير نيومان في قدرتها على النسخ المتماثل بمعدل أسي. المعدلات الأولى للاستكشاف ستكون بطيئة، ولكن بعد إنتاج ملايين من الذرية، سيزداد معدل التوسع بمعدلات هائلة. فحتى لو كانت سرعتها عشر سرعة الضوء، يمكن أن تغطي هذه المسابير مساحات ضخمة في فترة قصيرة نسبياً من الوقت من منظور كوني.
وغني عن القول أن مفهوم مسابير نيومان أذكى من جديد الجدل حول ”مفارقة فيرمي“، القائلة بانه لو كان إنتشار الحضارات الذكية بهذه السهولة، فلماذا لم نلحظ أي منها حتى الآن؟
الآن، وبفضل ورقة جديدة للاروين نيكلسون ودنكان فوركان من معهد علم الفلك في جامعة أدنبرة، “مفارقة فيرمي” أصبحت تثير حيرة أكبر.
إن من أهم المشاكل المحتملة اللتي تثبط أي نية لبناء مسابير نيومان هو الطاقة والوقت اللازم للسفر من نجمة إلى نجمة. فأذا كانت تعتمد على محركات الدفع وبالتالي تحتاج إلى مصدر وقود فلن تكون معقدة فقط ولكن أيضاً ستحتاج وقتاً طويلاً جداً لاعادة نسخ نفسها والإنتشار.
لكن وفقاً للدراسة الجديدة التي نشرت في “المجلة الدولية لعلم الفلك”، فيمكن للمسابير (أو البشر مستقبلاً) استخدام تأثير النقافة لدفع المسابير من نجمة إلى نجمة. وفي الواقع، هذه هي بالتحديد الظاهرة نفسها التي استخدمت لنقل مركبات فوياجر خلال نظامنا الشمسي أثناء تنقلها من كوكب إلى آخر. ولكن لكي تعمل على نطاق المجرة، ستناور هذه المسابير حول النجوم، لكي تكتسب دفعة في السرعة عن طريق استخراج الطاقة من حركة كل نجم حول مركز المجرة.
هذه المناورات ستكلف القليل للحصول على الطاقة الإضافية. وكما تبين في الأعمال السابقة، مسبار مشابه لفوياجر سيستطيع استكشاف المجرة 100 مرة أسرع عند الاضطلاع بهذه النقافات مقارنة بالتنقل بواسطة الطيران بالوقود.
المثير للاهتمام أن نيكولسون وفوركان يفترضان أن المسبار يقوم بجمع الغبار والغاز من بين النجوم أثناء ترحالها عبر الفضاء وبالتالي يبني حرفياً نسخة طبق الأصل من نفسها أثناء مسيرها ولا حاجة للتوقف. يقول الباحثان: ”المسبار الأصل تصل إلى نجمة جديدة.. وقبل أن تُقلع مرة أخرى تقوم بوضع نسخه منها في النظام النجمي.. كل من الأصل والنسخة المتماثلة تقوم باستخدام النقافات لتعزيز السرعة. ولأن زيادة السرعة يعتمد على الزاوية بين النجوم، الأصل والنسخة المتماثلة ستحقق سرع مختلفة كما سيكون لديهم وجهات نجمية مختلفة.“
الباحثان اختبروا هذا النموذج باستخدام المحاكاة بالكمبيوتر. فأكتشفو أنه باستخدام هذا الأسلوب، يمكن لحضارة غريبة أن تسبر غور كل المجاميع الشمسية في مجرتنا من خلال مسابير تسافر بسرعة لا تتجاوز 10% من سرعة الضوء في 10 مليون سنة فقط . إنه أمر لا يصدق – فهذا المقدار من الوقت أقل بكثير من عمر الأرض.
ولكن.. فيرمي يطل برأسه من جديد.. أين إذاً هي هذه المسابير بحق الجحيم؟ ذلك لأن هذه النتيجه تعني أن حضارة غريبة يمكن (بل وينبغي) أنها وصلت إلى نظامنا الشمسي الآن.
أحدى الامكانيات القاتمة أننا ببساطة وحيدون ولا توجد أي حضارة غريبة لترسل المسابير. ولكن هذا غريب واحتماله قليل نظراً لأن الحياة الذكية كان يمكن لها ان تظهر في مجرتنا قبل حوالي 5 مليارات سنة. ولكن أيضاً يمكن أن نتصور أن المسابير في الواقع هنا، ولكن غير مرئية بالنسبة لنا. أما نحن لا نملك التكنولوجيا اللازمة للكشف عنها، أو أنها تجلس خاملة بانتظارنا لنعبر نوع من الإختبار أو العتبة التكنولوجية.
ولكن كباحثين فهم يختتمون قائلين: ”إن استراتيجية “نقافة أقرب النجوم” ما زال أعظم سبيل فعال لأستكشاف المجاميع النجمية وأن أسطولاً من مسابير فون نيومان ذاتية النسخ يمكن لها في الواقع استكشاف المجرة في فترة زمنية قصيرة“.
http://journals.cambridge.org/actio…