ستيفن هواكنغ (محاضرة)
في هذه المحاضرة، أود مناقشة ما إذا كان الزمان له بداية، وعما إذا سيكون له نهاية أو لا. يبدو أن كل الادلة تُشير إلى أن الكون لن يكون موجوداً للابد، لكن كانت هناك بداية لهذا الكون، قبل حوالي 15 مليار سنة. ربما يكون هذا الاكتشاف هو الاكثر أهمية في علم الكونيات الحديث. نحن للآن لم نصل بعد لمرحلة التأكّد أنّ الكون سيكون له نهاية. عندما ألقيت محاضرة في اليابان، طُلب مني أن لا اتحدث عن امكانية انهيار الكون، لان ذلك قد يؤثر على سوق الاسهم في اليابان! مع ذلك، بامكاني أن اضمن لاي شخص قلق على استثماراته، أن الوقت مبكر لبيع أسهمه، فان نهاية الكون بأبكر وقت لها ستكون بعد 20 مليار سنة، وبحلول ذلك الوقت، فان ”الإتفاقية العامة للتعرفة الكمركية والتجارة (GATT)“ ستكون منتهية الصلاحية ربما.
النطاق الزمني للكون طويل جداً بالمقارنة مع الحياة البشرية، لذا، لم يك مستغرباً فكرة أن الكون ثابت وساكن، وأنه لا يتغيّر مع الوقت. من ناحية اخرى، فأن هناك امراً يجب أن يكون واضحاً لدينا، أن مجتمعنا المتطور ثقافياً وتكنلوجياً وهذه المرحلة من التاريخ البشري لا يمكن أن تستمر أكثر من بضعة آلاف من السنين. أما إذا استمرت، فسنكون أكثر تقدماً مما نحن عليه. وعليهِ، كان من الطبيعي الأعتقاد بأن العِرق البشري، وربما الكون ككل، حديث النشأة. بالمقابل، فأن هناك الكثير من الناس غير راضين عن فكرة أن الكون له بداية، لأن هذا الامر قد يعني أن الكون قد أُوجد من قبل كائن خارق، لذا هم يفضّلون الاعتقاد أن الكون، والجنس البشري، كانا موجودين منذ الأزل. كان تفسير أولائك للتقدم البشري هو أن كوارث طبيعية وفيضانات قد حدثت بشكل دوري ومتكرر، كانت بكل مرة تُعيد البشر للعصور البدائية.
استمر هذا الجدل حول وجود أو عدم وجود بداية للكون خلال القرنين التاسع عشر والعشرين، وقد أجريت المجادلات على الفلسفة والدين بشكل اساسي، مع تأمل قليل للأدلة الرصدية. قد تكون تلك المجادلات معقولة نظراً للطابع “غير الجدير بالثقة” من الملاحظات الكونية آنذاك. يقول عالِم الكونيات السير ارثر ادنجتون حول ذلك الامر:”لا تقلق إذا لم تتفق نظريتك مع الملاحظات حولها، لان ملاحظاتك قد تكون مخطئة، لكن إذا لم تتفق نظريتك مع القانون الثاني للديناميكا الحرارية فانت في ورطة”! في الواقع، أن النظرية القائلة بأن الكون موجودٌ منذ الأزل تُشكّل مشكلة كبيرة مع القانون الثاني للديناميكا الحرارية. القانون الثاني للديناميكا الحرارية ينص على أن الاضطراب يزداد دائما مع مرور الوقت، مثار الجدل حول وجود الكون، فان القانون الثاني يشير أنه يجب أن تكون هناك بداية، وإلا فان الكون سيكون في حالة الفوضى الكاملة الآن، وسيكون كل شيء بنفس درجة الحرارة. ففي كون لانهائي وأبدي فإن خط الافق والرؤية سينتهي على سطح نجم، وهذا يعني أن السماء ليلاً ستكون مشرقة كما سطح الشمس، والطريقة الوحيدة لتجنّب هذه المشكلة ستكون إذاً ،ولسبب ما، ان النجوم لم تلمع قبل فترة زمنية محددة.
في فرضية الكون الساكن، لا يمكن أن يكون هناك اي سبب ديناميكي لظهور النجوم على حين غرة في زمن ما. أي نوع من “تشغيل الانارة” يجب أن يكون من خارج الكون. لكن الوضع أبح مختلفاً عندما تبيّن أن الكون ليس ساكناً وأنه يتوسع وأن المجرات تتحرك مبتعدة بعضها عن البعض الآخر، هذا يعني أنها كانت اقرب من بعضها البعض في الماضي. أصبح بالامكان رسم هذا الوسع على شكل دالة للزمن. إذا لم يك هناك تسارع في الجاذبية فأن الرسم سيكون خطاً مستقيماً. وبالتالي يُمكن أن نخمّن أنها ملتصقة ببعضها البعض منذ 20 مليار سنة. بالأمكان التوقع بأن الجاذبية قد تسبب بتسارع المجرتين بالأبتعاد عن بعضهما البعض وهذا سيقودنا لرسم منحني للأسفل من الخط المستقيم وهذا يقود بالنتيجة أن الزمن الذي كانتا فيه ملتصقتين ببعضهما أقل من 20 مليار عام.
في هذا الوقت الذي حدث عنده الإنفجار الكبير، كل المادة في الكون كانت متجمعة حول نفسها بكثافة لانهائية. لقد كان ما يُصطلح عليه ”تفردية“. عند هذه التفردية نهار كل قوانين الفيزياء، هذا يعني أن حالة الكون بعد الانفجار الكبير لن تعتمد على اي شيء يمكن أن يكون قد حدث من قبل، لأن القوانين الحتمية التي تحكم الكون سوف تنهار في الانفجار الكبير. إذن تطورالكون من الانفجار الكبير بشكل مستقل تمام الاستقلال عمّا كان عليه قبل الإنفجار. حتى كمية المادة في الكون يمكن أن تكون مختلفة عمّا كانت عليه قبل الانفجار الكبير، حيث أن قانون حفظ المادة سيتم كسره في لحظة الأنفجار الكبير.
بما أنه ليس هناك أي رصد للاحداث ما قبل الانفجار الكبير، بالإمكان تجاهل ما حدث قبله والقول بأن الوقت قد بدأ في الانفجار الكبير. ليس لدينا أي معرفة عن الاحداث قبل الانفجار الكبير، فليس لدينا أي طريقة يمكن لنا أن نعرف ذلك من خلالها. هذه النظرية عن بدء الكون وبدء الزمان تختلف كثيرا عن كل الفرضيات السابقة. فقديماً لا يمكن لهم استقراء الاحداث ابعد من 4004 قبل الميلاد، تاريخ خلق الكون وفقا لسفر التكوين. وبالتالي سيتطلب منهم فرض التدخل المباشر من الله، لذا افترضوا خلق الكون ابتداءاً من ذلك التاريخ. على النقيض من ذلك فان الانفجار الكبير هو البداية المطلوبة من قبل القوانين الديناميكية التي تحكم الكون، لذا فان الانفجار الكبير هو امر جوهري للكون، ولا يمكن أن نفترض تاثير قوة من الخارج.
على الرغم من أن قوانين العلم تنبأت بوجود بداية للكون لكنها لم تحديد الكيفية التي بدأ بها الكون. هذا كان غير مُرضي ببساطة. فكانت هناك عدّة محاولات للألتفاف على هذه نتيجة أن هناك تفردية غير منتهية الكثافة في الماضي. فظهرت مقترحات لتحديد بداية الكون، واحداً منها اقترح تعديلاً لقانون الجاذبية، حيث أصبح قبيحاً بعض الشيء. حيث يؤدي لرسم بياني يفصل بين مجرتين وتكوين منحنى يقترب من الصفر لكنه لن يصل إليه في أي زمن منتهي في الماضي. بدلاً من ذلك، كانت الفكرة، كلما انتقلت المجرات عن بعضها وتباعدت تتشكل مجرات جديدة فيما بينها، من المادة التي تنشأ باستمرار وكانت هذه هي نظرية الحالة الثابتة التي اقترحها كل من بوندي، جولد، هويل.
نظرية الحالة الثابتة-نظرية علمية وفق قواعد كارل بوبر فهي تحمل تنبؤات محددة يمكن اختبارها عن طريق الملاحظة، فتنجح أو تفشل – للاسف ظهر أن نظرية الحالة الثابتة فاشلة، حيث اتت الاضطرابات لهذه النظرية من جامعة كامبريدج حيث تم رصد عدد من مصادر الراديو من نقاط قوة مختلفة، حيث من المفترض المصادر الاكثر خفوتا هي الاكثر بُعداً، أما القريبة فاكثر عددا واكثر قرباً، مع ذلك فان الرسم البياني يُظهر أن النقاط القوية ليست هي القريبة بل أن القريبة منخفضة القوة، على عكس توقع نظرية الحالة الثابتة.
المسمار الاخير في نعش نظرية الحالة الثابتة جاء من اكتشاف اشعاع الخلفية المايكروية في عام 1965 وهذا الاشعاع هو نفسه في جميع الاتجاهات، ولديها طيف من الاشعاع فيه توازن حراري عند درجات حرارة بين 2-7 درجات فوق الصفر المطلق لدرجة الحرارة، فلا يوجد اي طريقة لشرح الاشعاع وفق نظرية الحالة الثابتة.
محاولة اخرى مقترحة لتجنّب بداية الوقت، وهي أن المجرات لا تلتقي عند نقطة واحدة في الماضي لان المجرات تتحرك بسرعات متفاوتة وهذا ما اسموه “السرعات الغريبة” للمجرات، وقيل أنه عند رسم مواقع المجرات بالعودة للماضي فان السرعات الغريبة الجانبية تعني أن المجرات لن تجتمع عند نقطة واحدة، بدلا من وجود نقطة بداية للزمن فان هناك مقترح وجود “مرحلة تقلّص” للزمن ومن ثم تحركت المجرات عن بعضها البعض. فرضية السرعات الغريبة تعني أن المجرات لا تتصادم مع بعضها لكنها تحركت من نقطة معينة وبدأت بالتسارع. بالتالي لن يكون هناك اي تفردية في الكثافة المطلقة، أو أي انهيار لقوانين الفيزياء، وبالتالي ليس بالضرورة افتراض بداية للكون أو الزمان. لكن هذه الفرضية لن تحل الاشكالية مع القانون الثاني للديناميكا الحرارية، فبهذه الحالة الكون المتوقع سيكون مختلاً اكثر، لذا من الصعب أن نرى الكون متقلبا لفترة لا حصر لها.
ونحن نبحث في الكون، إذا نظرنا الى الزمن في الماضي، فان الضوء ترك مصادره منذ زمن طويل جداً، ليصل الينا في الوقت الحاضر. وهذا يعني أن الاحداث تقع فيما نُسميّه “المخروط الضوئي” ، نقطة المخروط هي موقعنا في الزمن الحاضر. اما اذا رجعنا بالزمن الى الماضي في المخطط، فان المخروط الضوئي سينتشر لمساحة اكبر، ومساحته ستزداد، مع ذلك، ففي حالة وجود مادة كافية فان الضوء سينثني في مخروط الضوء بعودته للماضي. هذا يعني، اننا كلما توجهنا الى الماضي فان مساحة المخروط الضوئي ستصل الى اقصى مداها، ثم تبدأ بالانخفاض، وبالتركيز على مخروط الضوء الذاهب إلى الماضي فاننا سنرى تاثير الجاذبية على المادة في الكون. وهذا يُشير إلى أن الكون يمتلك أفقاً، مثل انعكاس الزمن في الثقب الاسود. لذا إذا حسبنا أن هناك مادة كافية في الكون فان الضوء سيتركز في الماضي في مخروط الضوء، وبالتالي سيمكننا من تطبيق نظريات التفردية لاظهار أن الزمن له بداية.
كيف يمكننا جمع الملاحظات، أن هناك ما يكفي من المادة في الماضي لعكس مخروطنا الضوئي للتركيز عليه؟ فنحن لا نلاحظ الا مجموعة من المجرات لكن لا نستطيع حساب كمية المادة التي تحتويها كما لا يمكننا أن نتاكد من كل خط افق سيمر من خلال المجرة، لذا سنحاول اظهار حجة مختلفة لتبيان أن الكون يحتوي على ما فيه الكفاية من المادة لتركيز مخروط الكون الضوئي في الماضي. الحجة تقوم على اشعاع الخلفية الميكروية، وسمة هذا الاشعاع انه يحتوي على توازن حراري، وبالتالي سناخذ بالاعتبار نفس درجة الحرارة. لتحقيق هذا التوازن الحراري، فان من الضروري ان تكون الأشعة مبعثرة من قبل المادة، لمرات عديدة. على سبيل المثال، فان الضوء الذي نتلقاه من الشمس يحتوي على طيف حراري بشكل مميز جداً. هذا لا يتم بسبب التفاعلات النووية التي تتم في مركز الشمس، بل يحدث ذلك لأن الاشعة تتناثر بواسطة المادة في الشمس، فهي تتناثر لمرات عديدة من طريقها في مركز الشمس.
في حالة الكون، حقيقة أن الخلفية الميكروية وامتلاكها لهذا الطيف الحراري يُشير إلى أنه تبعثر عدّة مرات، وبالتالي يجب أن يحتوي الكون إذاً على المادة الكافية لتوازنه، لآن الخلفية الميكروية هي نفسها في كل اتجاه نظرنا اليه. علاوة على ذلك فان تلك المادة والعتمة التي تصدر عنها تبتعد بمسافات كبيرة عنّا لاننا يمكن أن نرى المجرات والكوازارات على مسافات كبيرة عنّا. لذا يجب أن تكون هناك الكثير من المادة بمسافات كبيرة عن الارض. أكبر عتمة تاتينا من الهيدروجين المتأين. وبالتالي أمكننا أن نركز المخروط الضوئي على الماضي، وهذا ما قمت به انا (هواكنغ) مع بنروز لاظهار أن للزمن نقطة بداية.
ترّكيز مخروط الضوء الماضي يقود لقناعة بأن الزمن له بداية، بناء على صحّة نظرية النسبية العامة. لكن يمكن للمرء أن يطرح سؤال: هل ان النسبية العامة صحيحة أم لا؟ النسبية العامة توافقت مع كل التنبؤات التي جاءت بها وكل الملاحظات التي شاهدناها، كما أن النسبية العامة لا تعمل إلا على المسافات الكبيرة إلى حدٍ ما، ونحن نعلم أن النسبية العامة ليست صحيحة على المسافات الصغيرة جداً، لأنها نظرية كلاسيكية. بالاضافة إلى ذلك فان مبدأ عدم الدقة في ميكانيكا الكم، الذي ينص على أن الجسم لا يمكن التاكد من موقعهُ وسرعته في نفس الوقت، فاذا قسنا سرعته بشكل صحيح لا يمكننا تحديد موقعه بدقة والعكس بالعكس. لفهم تلكم المرحلة المبكرة والعالية الكثافة عندما كان الكون صغيراً جداً، يحتاج المرء إلى نظرية للجاذبية الكمومية، أي التي تجمع بين النسبية العامة مع مبدأ عدم اليقين.
يعتقد الكثير من الناس أن التأثيرات الكمومية ستعالج تفردية الكثافة اللانهائية وتمكن الكون من يرتد ويعود إلى حالته الكثيفة السابقة، لكني أعتقد أن هذا لن يحدث، فآثار الكم لن تقوم بازالة اثار التفردية وأن الوقت سيستمر بالتقدم إلى مالانهاية. لا يمكن لنظرية النسبية العامة الكلاسيكية ان تحسب ما يخرج من التفردية لان كل قوانين الفيزياء تنهار هناك ، وهذا يعني أن العلم لا يستطيع أن يتنبأ بكيفية بدء الكون، بدلاً من ذلك، لابد من أن نسأل قوة خارج الكون لوصف الاحداث. وقد يكون هذا هو السبب الذي يجعل الزعماء المتدينين مستعدين لقبول نظرية الانفجار الكبير ونظريات التفردية.
لكن يبدو أن نظرية الكم، من ناحية اخرى، يمكن أن تتنبأ بكيفية بدأ الكون. فنظرية الكم تُقدّم فكرة جديدة وهي الزمن الوهمي. الزمن الوهمي قد يبدو مثل الخيال العلمي، لكنه رغم ذلك مفهوم علمي حقيقي. يمكن للمرء أن يتصوره على النحو التالي. الوقت الحقيقي هو خط افقي، يمتد للماضي وللمستقبل ما بين اليسار واليمين. ولكن هناك نوع أخر من الزمن في الاتجاه العمودي، يسمى هذا بالوقت الوهمي لأنه ليس من نوع الزمن الذي نعيشه بالشكل الطبيعي ولدينا خبرة معتادة عنه. ولكنه حقيقي مثله مثل الزمن الحقيقي.
الاتجاهات “المحاور” الثلاثة في الفضاء مع اتجاه الزمن تشكل ما يسمى “الزمكان الاقليدي”. وهذا شيء يصعب تصوره حيث يصعب تصوّر سطح رباعي الأبعاد. لكن ليس من الصعب تصور سطح ثنائي الابعاد مثل السرج او كرة القدم.
لقد اقترح جيمس هارتل من جامعة كاليفورنيا واتفق معه، أن المكان والزمان كلاهما تخيّلي، فهما لهما نهاية لكن من دون حدود، مثلها مثل سطح الارض لكن مع بُعدين آخرين، فسطح الاض له نهاية لكن ليس له حدود أو حواف، فلو طفت حول الارض لن تسقط من احدى حافاتها.
إذا كان المكان والزمن التخيلي كشكل الأرض، لن تكون هناك أي متفرديات في اتجاه الزمن التخيلي -الذي تنهار فيه قوانين الفيزياء- ولن يكون هناك أي حدود في الزمكان الوهمي مثلها مثل المثال الذي سقناه عن الارض. هذا يعني أن قوانين الفيزياء ستحدد حالة الكون الفريدة، في الوقت الوهمي. وإذا امكننا أن نعرف حالة الكون في الزمن الوهمي، يمكن للمرء حساب حالة الكون في الزمن الحقيقي. على المرء أن لا يسعى لمناشدة قوى خارج الكون لتحديد كيف بدأ الكون، بدلاً من ذلك، فأن الطريقة التي بدأ فيها الكون في الانفجار الكبير سيتم تحديدها في حالة الكون ضمن الزمن التخيلي، وهكذا يمكن لنا أن نقول أن الكون هو نظام مكتفٍ بذاته، ولن يتم تحديده من أي شيء خارج الكون المادي، هذا ما لاحظناه.
الشروط الأولية التي تبيّن أن قوانين الفيزياء صالحة في كل مكان، هو ما يود المرء أن يُصدّقه ولكنها تبقى في طور الفرضية، لذلك نحتاج إلى اختبار تلك الفرضية ومقارنة حالة الكون مع الملاحظات الواقعية، فاذا اختلفت الملاحظات مع تنبؤات الفرضية فهي فرضية خاطئة.
وفقا لاقتراح اللاحدود فان الكون توسّع بطريقة سلسة من نقطة واحدة تشبه القطب الشمالي للأرض، لكن هذه النقطة لم تكن تفردية كما في حالة الإنفجار الكبير، إنما هي نقطة نقطة عادية في الزمكان كما أن القطب الشمالي هو نقطة عادية على سطح الأرض.
وفقاُ لمقترح الحدود فأن الكون تمدد بصورة سلسة من نقطة في الزمكان، وبتمدده كان قد اقترض طاقة من حقل الجاذبية ليخلق مادة. بإمكان أي اقتصادي أن يخبرنا أن نتيجة الاقتراض هو التضخم. توسع الكون واستدان بمعدل فائدة مرتفع باستمرار، ولحسن الحظ هذه الإستدانة سوف لن تكون قابلة للسدادقبل نهاية الكون.
في نهاية المطاف، فان فترة التضخم انتهت وأن الكون قد استقرت حالته إلى مرحلة أكثر اعتدالاً في التوسع. ومع ذلك فان التوسع قد ترك بصماته على الكون. في عام 1992 وجد مستكشفوا الخلفية المايكروية “مخالفات” في الخلفية المايكروية على عكس السلاسة التي يتمتع بها الكون، لقد كانت لحظة تاريخية. لقد شاهدنا العودة إلى أصل الكون لأن تلك التقلبات و”المخالفات” في خلفية المايكرويف تتفق بشكل وثيق مع التنبؤات لاقتراحات نظرية الحدود. أن هذه “التخالفات” الطفيفة جداً في بعض مناطق الكون قد توسعت أقل من غيرها، في نهاية المطاف توقفت تلك “التخافات” عن التوسع وانهارت على نفسها مشكلةً المجرات والنجوم. وهكذا فان فكرة اللاحدود يمكنها تفسير كل البُنى الغنية والمتنوعة من الكون الذي نعيش فيه.
الاستنتاج من هذه المحاضرة هو أن الكون لم يكن موجوداً منذ الأزل، بل أن الزمن كان له بداية في الانفجار الكبير قبل حوالي 15 مليار سنة. بداية الزمن ”الحقيقي“، الذي يمكن أن يكون من التفردية، قد كسر قوانين الفيزياء، ومع ذلك فان الطريقة التي بدأ بها الكون قد تم تحديدها من قبل قوانين الفيزياء، إذ استوفى الكون شروط اللاحدود، حيث أن الزمن التخيّلي، والزمكان هو له نهاية لكنه ليس له اي حدود أو حافة. تتوقع فرضية اللاحدود أن الكون سينهار في نهاية المطاف مرة اخرى لكن في هذه الحالة لن يكون سهم الزمن منعكساً في زمن التوسع، لذا فاننا سنبقى نكبر ولن نعود لشبابنا لأن الوقت لن يعود للوراء.
المصدر: هنا