الرئيسية / علوم تطبيقية / صاروخ فضاء أميركي بمحرّك روسي

صاروخ فضاء أميركي بمحرّك روسي

بعد عدّة عقود من إنتهاء عهد سباق الفضاء [1]، أصبح إقلاع صاروخ أميركي من قاعدة كاب كانفيرال ليضع قمر إتصالات في مدار معيّن أمرًا معتادًا، ولكن هذة المرّة كانت سابقة تاريخية. فالصاروخ الذي نتحدّث عنة شقّ طريقة إلى الفضاء بواسطة محرّك روسي لم يُـصنَع له مثيل في الولايات المتّحدة الأميركية. على الرغم من كون هذا المحرك جديدًا تمامًا؛ إلّا أن تصميمة يعود لفترة سباق الفضاء.
في بداية عام 1960 م كان الروس قد قطعوا شوطًا كبيرًا في إستكشاف الفضاء مقارنةً بالولايات المتّحدة الأميركية. فقد قاموا بارسال القمر الصناعي (سبوتينك) وأرسلوا يوري كاكارين “Yuri Gagarin” في رحلة حول مدار الأرض. وقد بدا الروس مستعدّين لإرسال رائد فضاء إلى القمر. لقد أصاب الأميركان القلق بسبب التقدّم التكنولوجي للروس، ممّا دفعهم للتجسّس عليهم بإستخدام الأقمار الصناعية، وقد كشفت الصور عن حقيقة مذهلة؛ ففي صحراء كازاخستان كان الروس يبنون معبرًا ضخمًا ومنصّتي إطلاق. وتبيّن أن الولايات المتّحدة كانت محقّة في قلقها.
كان المتحكّم الوحيد في برنامج الفضاء الروسي هو رجل يُـدعَى سيرجي بافلوفيتش كوروليوف “Sergey Pavlovich Korolyov” الذي أدّى تصميمه لطريقة سير العمل إلى النجاح الروسي. فبدلًا من قضاء ساعات طويلة في رسم وتحضير التصاميم كانوا يبنون الصواريخ ويطلقونها ثم يقومون بإجراء التعديلات اللّازمة بناءً على النتائج التي حصلوا عليها. عندما أعلن الرئيس الأميركي كندي عن نيّة الولايات المتّحدة بإنزال إنسان على القمر في نهاية العقد، كان السباق قد انطلق. لقد كان على درايةٍ تامة بمقدار الدفع الصاروخي الذي يتطلّبة إرسال إنسان إلى القمر ولهذا قرّر البحث عن مُـصنّع جديد للصورايخ ووجد ضالتة لدى نيكولاي كوزنتسوف “Nikolai Kuznetsov”.
في محرّك صاروخ (ساتيرن في) يتم ضخ كل من وقود الكيروسيون والأوكسجين السائل؛ كلٌ على حِـدة إلى المحرّك وتحت ضغطٍ عالٍ، ثم يمرّان أولًا على جهاز إشعال أوّلي، وبعدها يتم طرد ناتج الإشتعال إلى الهواء الخارجي. صمّم كل من كوروليوف وكوزنتسوف محرّكًا بدورةٍ مغلقة حيث يقوم بتدوير ناتج الإحتراق إلى المنظومة بدلًا من هدره. الإطلاق الأوّل لصاروخ (ان 1 لونج) تم تزويده بثلاثين محرّك ذوات دورة مغلقة، كل واحد منها بقوّة دفع تعادل سدس ما كان موجودًا في محرّك (ساتيرن في). فيما إذا كنت تهزّ أو تومئ برأسك موافقًا على مدى روعة وخطورة هذا التصميم فأنت محقٌّ تمامًا. ولكن حدوث مشكلة في أي واحد من هذة المحرّكات من المحتمل أن يؤدّي إلى سلسلة إنفجارات في المحرّكات الأخرى.
تُـوفّي كوروليوف في عام 1966 م، وعُـهِدَت مسؤولية برنامج الصواريخ إلى فاسيلي ميشين “Vasily Mishin”. إبتدأ بتجميع صاروخ (ان 1) في مطلع عام 1967 م، وكان طولة موازيًا لبناء بإرتفاع 35 طابقًا. كان الضغط شديدًا في شباط 1969 م، عندما كان الروس يستعدّون لأوّل إطلاق غير مأهول. إنطلق صاروخ (ان 1) من على منصّة الإقلاع وبدا كل شيء جيدًا. بعد مرور دقيقة على التحليق؛ وجدَت إحدى الشوائب المعدنية طريقها إلى المحرّكات وأنفجر الصاروخ.
على مدى الأشهر اللّاحقة قام الفريق بإجراء عدّة تعديلات، وأعدّوا لإطلاق الصاروخ في بداية تموز 1969 م، وكان ذلك قبل عدّة أسابيع من إطلاق رحلة (أبولو 11). أقلع صاروخ (ان 1)، ولكنّه تحطّم في الحال على منصّة الإقلاع بقوّة هائلة. على الرغم من أنّ مهمّة (أبولو 11) أنهت سباق الفضاء، إلّا أنّ الروس استمرّوا بمثابرتهم. إستمرّت التحسينات على صاروخ (ان كي 33)، والتي تضمّنت إضافة فلاتر لمنع وصول الشوائب إلى المحرّكات. استمر إطلاق الصواريخ التجريبية إلى أن ألغى الكرملن البرنامج، وأمر بتدمير جميع الصواريخ من أجل المحافظة على سريّة التكنولوجيا. أُستخدِمَـت بعض أجزاء الصورايخ في بناء الحضائر.
بعد أن أُسدِلَ الستار على الحرب الباردة، بدأ المهندسون الأميركان يسمعون حول تكنولوجيا صواريخ سريّة تم تطويرها من قِـبَل الروس في حِـقبة الستينيات من القرن الماضي. في نهاية المطاف حصل المهندسون من شركتي (أيروجيت) و (لوكهيد) على دعوة للإطّلاع على هذة التقنيّة. أُصطُـحبَ المهندسون إلى مستودعٍ كبير في وسط الصحراء، حيث يوجد أكثر من 60 محرّك ذي دورة مغلقة تم تخزينها هناك بسريّة.
أرادت شركة (ايروجيت) أن تتحقّق من قوّة وقدرة المحرّكات، فسُـمحَ لهم في تشرين الأول من عام 1995 بأخذ أحد المحرّكات إلى ساكرامينتو لإجراء الإختبارات. كانت النتائج وفقًا لما قاله الروس وحقّق المحرّك كل ما كان متوقّعًا. بعد وقتٍ قصير بدأ العمل على المحرّك الجديد (آر دي 180) بحجم مضاعف وبقدرة دفع تعادل خمس مرّات ما كان علية (ان كي 33).
لم يكن تصميم محرّك (آر دي 180) خاليًا من العيوب، فبسبب تصيمه المغلق الدورة أنتج المحرّك كميةً هائلة من الحرارة أدّت إلى إنصهاره. لذلك قام مصمّمو المحرّك بإنتاج فولاذ مقاوم لدرجات الحرارة العالية، وبعدها دفع (آر دي 180) صاروخ (أطلس 3) إلى الفضاء في آيار من عام 2000.
– للمزيد في هذا الفيديو:-هنا
[1] سباق الفضاء:- هو سباق بدأ أساسًا بين الإتحاد السوفييتي والولايات المتّحدة الأمريكية كجزء من الحرب الباردة، محوره التسابق على أخذ أكبر مساحة من الفضاء عن طريق الأقمار الصناعية ومركبات الفضاء المأهولة وغير المأهولة، كان الأمر إظهارًا للقدرة والتقنيّة لكل من الدولتين في مجال غزو الفضاء.
– المترجم.
المصدر: هنا

عن

شاهد أيضاً

وقود يخزن الطاقة الشمسية لمدة 18 سنة

كتبه لموقع “ساينس أليرت”: كارلي كاسيلا نُشر بتاريخ: 6/11/2018 ترجمة: بان علي مراجعة وتدقيق: عقيل …

فرانكنشتاين: التجارب الحقيقية التي ألهمت الخيال العلمي

كتبه لموقع “ذي كونفرزيشن”: ايوان موروس نشر بتاريخ: 26/10/2018 ترجمة: إبراهيم العيسى مراجعة وتدقيق : …