الرئيسية / بايولوجي / قراءة في كتاب: فكرة داروين الخطيرة، دانييل دينيت

قراءة في كتاب: فكرة داروين الخطيرة، دانييل دينيت

ظهرت الافكار التطورية في كتابات دانييل دينيت في اوقات مبكرة، وهو واحد من عدد قليل من الفلاسفة الذي تشعر كأنك في المنزل معهم لانهم يقدمون فلسفة مبسطة.

في كتابه “فكرة دارون الخطيرة”يثير دينيت الانتباه مباشرة الى فكرة التطور عن طريق الانتقاء الطبيعي وأهميتها، ثم يشرع في محاولة منه لشرح السبب الذي يجعل الكثير من زملاءه الفلاسفة-بل حتى بعض علماء الاحياء- ينأون بأنفسهم عن تشعباتها الكاملة.

يبدأ دينيت كتابه بتقديم وصف للنظرية الداروينية على المستوى الفلسفي المجرد، ثم يبحث في كيفية تسليط الاضواء على بعض الخلافات داخل البيولوجيا التطورية، ثم يبحث اخيرا في نتائج النظرية التطورية خارج علم الاحياء، في الفلسفة الاجتماعية والاخلاقية.

يُسمي دينيت فكرة التطور الداروينية بانها”حامض العالم acid” بسبب وجود مجموعة واسعة من التطبيقات للحوامض ولفكرة التطور، بالاضافة الى ان التطور فكرة تتراوح بين العلم والفلسفة.

يرى دينيت ان دارون يستحق جائزة”أفضل فكرة أتى بها شخص على مر العصور” ويشرح دينيت لماذا ان الفكرة ثورية جدا وفي غاية الخطورة. العنصر الرئيسي “للفكرة الخطيرة” لداروين هي انكار الماهية، وفهم الانتقاء الطبيعي كعملية محايدة ترتكز على ركيزة حسابية، وتنطبق على مجموعة واسعة جدا من الظواهر وقادرة على تفسير بُنى هائلة بتراكم بطيء في الزمان والمكان.
يستخدم دينيت المجازات في جميع انحاء الكتاب، فيستخدم كلمة “الرافعات”ويعني بها الاجهزة او”الحيل الجيّدة” التي تسمح للتصميم ليكون اسرع-يقصد بالتصميم هو التصميم البايولوجي او الفلسفي- وينتقد الكاتب فكرة “الخطافات السماوية” التي يعتبرها غامضة تماما، فلا يوجد صنارات مسبقة في السماء تقوم بحل المشاكل الفكرية-إشارة الى الافكار الدينية-ويرى دينيت ان لا مكان مطلقا للخطافات السماوية وان استخدامها هو “اختزال جشع” في محاولة للاستغناء عن الرافعات.

يرى الكاتب انه يمكن رؤية التطور عندما نتنقل داخل مكتبة مندل الوراثية، فكل مجموعة من العوامل الوراثية المحتملة، فأن جزء صغير منها موجود في الواقع. فالقيود المفروضة على العوامل الوراثيةبيولوجيا وبيئيا تعطينا مجموعات فرعية صغيرة من الممكنات. ويرى دينيت ان هكذا امكانية للتنوع البيولوجي يمكن ان تمتد خارج الاحياء، فالابداع البشري ليس استثناءا فكل صانع ساعات مثلا بامكانه صناعة نماذج في خياله اكثر مما صنعه بالحقيقة.

الجزء الثاني من فكرة داروين الخطيرة هي في الهجمات التي شُنت عليها وعلى الملحقات الداروينية داخل علم الاحياء. داروين بنفسه كان يعنى عناية شديدة في المجال الذي يُطبّق فيه نظريته-علم الاحياء- لكن دينيت يجادل ان الاستمرار بذلك “بناءً على طلب من الدين او غير ذلك” لم يعد موقفا يمكن الدفاع عنه، حيث يناقش عدّة افكار ملحقة لفكرة اصل الحياة.

فرغم ان هناك اختلافات اساسية واضحة بين تلك الاشياء التي تنتجها تصاميم الانسان وتلك التي تنتج عن التطور، فان البايولوجيا والهندسة لهما ارضيات مشتركة، فالهندسة العكسية هي اداة قوية لعلماء الاحياء. كما انه يخلق صلة بين مفهومين صعبين للغاية هما مفهوم “الوظيفة” في البايولوجيا ومفهوم “المعنى” في الفلسفة. فدينيت يعمل على انظمة التنظيم الذاتي لكوفمان* بحجة انها امتداد للداروينية بدلا من الطعن فيها.

بل ان دينيت يخصص فصلا كاملا لاستكشاف قوة التفكير ومركزيتها لفهم التطور. حيث يرى دينيت ان التكيّفات تعتبر مصدراً خصبا للتفسيرات الفكرية.

يخصص دينيت فصلا كاملا لنقد افكار ستيفن جاي غولد -الاحيائي الشهير- حيث يرى غولد ان التطور هي فكرة في عالم الاحياء لايجب ان تخرج منها الى مواضيع اخرى كالفلفسة. ويستنتج دينيت ان غولد يبحث عن”خطافات سماوية”للحد من قوة فكرة داروين الخطيرة. لكن في الحقيقة ان ستيفن جاي غولد يوافق على بعض من افكار دينيت لكنه يختلف في بعض المواضع حيث يرى ان تعقيد وتنوّع الرافعات المشاركة في التطور لا يمكن ان يكون بلا “خطافات” سماوية.

يرى دينيت ان الكثير من الهرطقات الداروينية المنتشرة على نطاق واسع-حتى داخل الاوساط المتخصصة في البايولوجيا- هو ان العديدمن الناس يحاولون يائسين منع تطبيق فكرة دارون على “البشر”، وبالتالي هم يغتمنون اي فرصة في محاولة تقويضها.

في فصل الكتاب الثالث يناقش دينيت كيف تمت مقاومة فكرة داروين الخطيرة خارج مجالات الاحياء في مجالات مثل علم اللغة والفلسفة والاخلاق، وهذه المواد هي الاكثر اثارة بالنسبة للكثيرين.

ان تطبيق الفكرة الداروينية على الثقافة اتى بمفهوم الميمات، اي ان المفاهيم والافكار يمكن ان تنتقل من شخص لاخر وتتنافس مع بعضها البعض، حيث توفر الاساس الثقافي لنا وتسمح لنا بتجاوز الوراثة لدينا. يشكك دينيت في علم التطور الثقافي، ويرى انه ليس بقوة علم الوراثة، رغم امكانية تطبيق المبادئ الاساسية لعلم الوراثة على علوم التطور الثقافي، فثقافة الانسان هي “رافعات تقوم برفع الرافعات” ولا يوجد هناك “خطافات سماوية” بالنسبة للثقافة كما لا توجدتلك الخطافات السماوية في علم الاحياء.

يرى دينيت ان اسوأ الاعتراضات على فكرة الانتقاء الطبيعي تلك القادمة من خارج علوم الحياة ، فاعتراضات تشومسكي، سيرل، بنروز، فودور، بوتنام يمكن ان تاتي في هذا السياق. فدينيت يشير الى المعارضة الطويلة لفكرة ان اللغة يمكن ان تنشأ من الانتقاء الطبيعي التي قالها تشومسكي، وبالتالي يمضي دينيت في انشاء فصلا في كتابه عن نشأة اللغة والذكاء بناءا على الانتقاء الطبيعي. ويرى دينيت في هذا الفصل ان نظرية سيرل القصدية هي خير مثال على فكرة “الخطافات السماوية”

الاخلاق ايضا هي نتاج تطوري كما يشرح دينيت هذا الامر في فصلين من كتابه وهو يشدد على رفض “القصد الاصلي” و “الخطيئة الاصلية”وان اختزال امر الاخلاق الى القصدية هو “اختزال جشع” حسب تعبير دينيت.

ثم يمضي الكاتب لمعالجة قضية مهمة اخرى، فكلا المبداين الاخلاقيين “النفعية والكانطية” كلاهما يميلان للمثالية لدرجة عديمةالجدوى ، حيث يرى دينيت ان الاخلاق يجب بناءها وفق الحقائق التطورية وبالتالي “بناء دليل معنوي للاسعافات الاولية الاخلاقية” والذي يجب ان يأخذ بعين الاعتبار التعقيدات الحسابية المعقدة.

في الفصل الاخير يشرح الكاتب بشكل موجز كيف اثّرت فكرة داروين الخطيرة على معتقداته السياسية والاخلاقية ، وانه يرى التطور اساساً لاعطاء قيمة للتنوع الفني والثقافي والبيولوجي. بينما ينظر البعض من منتقدي دينيت ان افكار دينيت تُفضي الى افكارا محافظة بينما يقول دينيت ان افكاره تتناسب جدا مع التقاليد الليبرالية.

يوصي دينيت بعدم قراءة كتابه قبل ان يحظى المرء بإطلاع كاف على تفاصيل نظرية التطور العلمية وان يقرأ المرء على أقل تقدير كتاب الجينة الانانية لدوكنز لفهم متطلبات الكتاب. بالنسبة لمن قرا الكتاب فيوصون بتذوقه ببطء وانه يحتوي على “بعض” الافكار الاصلية رغم انتقادهم لاحتواء الكتاب على افكارا مألوفة في الفلسفة لم يفعل دينيت سوى تأطيرها “بفكرة داروين الخطيرة” رغم ان كتابه يُمثل تحطيما لخيوط العنكبوت الميتافيزيقية او اي فكرة تأخذ بفكرة التصميم الذكي .

المصدر: هنا

*عملية التنظيم الذاتي هي عملية من التنسيق العام تنشأ من التفاعلات الصغيرة والمحلية بين الاجزاء. عملية التنظيم الذاتييمكن ان تنشأ من تلقاء نفسها وليس بالضورة ان تتم السيطرةمننظام وكيل مساعد من الخارج.

المصدر: هنا

 

عن

شاهد أيضاً

لماذا يعتبر كوفيد -١٩ تهديداً للجهاز العصبي!

ترجمة : سهاد حسن عبد الجليل تدقيق: ريام عيسى   تصميم الصورة: حسن عبدالأمير تشير مراجعة …

“حمضٌ من بين ملايين الأحماض”: حمض الـ DNA ليس الجزيء الجيني الوحيد

تقديم: مات دافيس بتاريخ: 21. نوفمبر. 2019 لموقع: BIGTHINK.COM ترجمة: هندية عبد الله تصميم الصورة: …