منذ أن تنبأ آينشتاين لأول مرة بوجودها قبل قرنٍ من الزمان، والعلماء يبحثون عن الموجات الثقالية، وهي تموجاتٌ في نسيج الزمكان. هذا البحث إنتهى الآن. الموجات الثقالية بالفعل موجودة، ونحن قد وجدناها.
وذلك وفقاً للباحثين في مشروع راصد الموجات الثقالية عن طريق التداخل بالليزر “Interferometer Gravitational Wave Observatory” وإختصاره (LIGO)، الذين يشّقون ط…ريقهم لأسابيع، بالعمل على مدار 24 ساعة لإثبات إن الكشف البدائي للموجات الثقالية أمرٌ حقيقيّ. فقد تم الكشف عن إشاراتٍ خاطئة سابقاً، وعلى الرغم من إنتشار الشائعات التي أُعلِن عنها لأول مرة من قِبَل موقع Gizmodo على مدى شهر، إلا أن فريق LIGO أراد أن يتأكد تماماً قبل إصدار إعلانٍ رسميّ.
وها قد جاء الإعلان للتو. تم رصد الموجات الثقالية بتاريخ 14 سبتمبر/أيلول من عام 2015 في الساعة 5:51 صباحاً بتوقيت شرق أوروبا (ET) عن طريق كلٍ من كاشفات LIGO، الذين يقعون في ليفينغستون، لويزيانا، وهانفورد، واشنطن. ما كان مصدرها؟ كان مصدرها إصطدام ثقبٍ أسود هائل قبل 1.3 مليار سنة. وعند حدوث الإصطدام، تم تحويل حوالي ثلاثة أضعاف كتلة الشمس إلى طاقة خلال جزءٍ من الثانية. وقد تم قبول الإكتشاف للنشر في مجلة “Physical Review Letters”.
الموجات الثقالية عبارة عن تموجات في الكون ناجمة عن بعض الأحداث الكونيّة الأكثر نشاطاً، من النجوم المتفجرة إلى إندماج الثقوب السوداء هائلة الحجم. حيث تنتشر خلال نسيج الزمكان، وتُسبب الموجات الثقالية هزاتٍ صغيرة في الذرات التي تكوّن المادة. في حين تنبأ آينشتاين بها في نظريته النسبية العامة في عام 1916، وقد تم إثبات وجودها بشكلٍ غير مباشر في الثمانينات، لم يتم أخذ الأمور بجدية في البحث عن تموجات الزمكان حتى مجيء الكاشف LIGO عام 2002.
ولكن الجيل الأول من تجربة LIGO، التي إمتدت لثماني سنوات، لم تكن حساسة بما فيه الكفاية. وهذا أمرٌ معقول، لأن الموجات الثقالية صغيرة للغاية – إن التواترات الذرية التي تمر عبر عالمِنا عند سحق إثنين من الثقوب السوداء صادرةٌ من جسمٍ يبلغ المليار من المليار من قُطر الذرة. قام LIGO بكشفها عن طريق وسيط، وذلك بإستخدام أشعة ليزر ذات طاقةٍ عالية لقياس التغيرات في المسافة بين جسمين يبعدان آلاف الأميال عن بعضهما البعض. هناك مليون شيء يمكنه أن يُفشِل هذا الأمر، بما في ذلك هدير القطار الناقل للبضائع، هزةٌ أرضية، وواقعٌ غير مريح في إن جميع الأجسام التي تكون درجة حرارتها أعلى من الصفر المطلق، تهتز طوال الوقت.
بعد سلسلةٍ من التحسينات التي إستمرت من عام 2010 إلى عام 2015، عاد LIGO إلى العمل مرةً أخرى في الخريف الماضي. مع أشعة ليزر أقوى ونظامٍ محسّن لعزل التجربة عن الإهتزازات في الأرض، ولكن إحتمالية كشف الموجات الثقالية لم تتحسن. وقد تنبأ بعض العلماء في إن أول كشفٍ حقيقيّ سيكون في عام 2016.
في الواقع، شَهَدَ LIGO تقريباً الموجات الثقالية على الفور. ثم أمضى الفريق فصل الخريف بتحقيقٍ شامل في إحتمالية التشويش من البيئة للتأكد من إن الإشارة حقيقية.
ووفقاً للنظرية النسبية لآينشتاين، عندما يدور زوجين من الثقوب السوداء حول بعضهما، فإنهما يخسران الطاقة ببطء، مما يسبب زحفهما تدريجياً بصورةٍ أقرب. في الدقائق الأخيرة من الإندماج، يتسارعان إلى حدٍ كبير، وفي النهاية، يتحركان بسرعةٍ تقارب نصف سرعة الضوء، فيُسحقان معاً، مكوّنين ثقباً أسود أكبر. مما يطلق إنفجاراً هائلاً من الطاقة، ينتشر عبر الفضاء بشكل الموجات الثقالية.
إن كلا الثقبان الأسودان اللذان وراء هذا الصخب يمتلكان كتلة 29 و36 مرة ضعف كتلة الشمس، على التوالي. يقدّر باحثون LIGO إن ناتج قوتهم في ذروة إصطدامهما الكونيّ كان 50 مرة ضعف قوة الكون المرئيّ برمته.
وقد قال راينر وايز “Rainer Weiss” الذي إقترح LIGO كوسيلة لإكتشاف الموجات الثقالية في الثمانينات، “إن تفاصيل هذه الملاحظات قد تم وصفها بشكلٍ جميل في النظرية النسبية لآينشتاين التي تم صياغتها قبل 100 عام وقد ضمت أول إختبارٍ للنظرية في الجاذبية القوية،” وأضاف، “كان سيكون من الرائع مشاهدة وجه آينشتاين عند إخبارنا له”.
إن إكتشاف الموجات الثقالية كان سراً معروفاً لأسابيع. وقد تحمس العلماء أنفسهم في مناسباتٍ عديدة، بما فيها الإسبوع الماضي، عندما أرسل عالِم الفيزياء النظرية كليفورد بورغيس “Clifford Burgess” من جامعة ماكماستر “McMaster” في هاميلتون، كندا، أرسل بريداً إلكترونياً إلى الإدارة، يخبرهم فيها إن LIGO قد وجد الإشارة الحقيقية و “المذهلة” لإثنين من الثقوب السوداء المندمجين.
إن إكتشاف الموجات الثقالية جانبٌ هام من جوانب النظرية النسبية، ولكنه يفعل أكثر من هذا. فهو يفتح فصلاً جديداً في إستكشاف كوننا حرفياً، حيث لم يعد الإشعاع الكهرومغناطيسي وحده هو أداتنا الوحيدة لرؤية الكون. كما قال عالِم الفيزياء النظرية في معهد ماساتشوتس “MIT” سكوت هيوز “Scott Hughes” لموقع Gizmodo في مقابلةٍ عبر الهاتف، يمكننا إستخدام الموجات الثقالية لسبر غموض الأجسام السماويّة مثل الثقوب السوداء والنجوم النيوترونية. وقال، “هناك الكثير من المعلومات الغنية المشفرة في الموجات الثقالية”، مشيراً إلى أن تموج الزمكان يمكن أن يُخبرنا عن حجم وحركة الجسم التي أنتجها. “و كفلكيّ، فأنا أحاول التفكير في كيفية إنتقال صوت الموجة التي قاسها LIGO، إلى العوامل التي أنتجت هذه الموجة”.
لاحظ هيوز أيضاً إنه وبمجرد إن كاشفاتِنا كانت حساسة بما فيه الكفاية للقبض على الموجات الثقالية، فإنه بإمكاننا أن نبدأ بإحصاء الأحداث الأكثر نشاطاً في الكون.
وقال أيضاً، “عندما يكون هناك كشفٌ أول، سيكون هنالك حفلة، لا شك في هذا،” وأضاف، “لكن بعد ذلك، عندما يصبح الكشف أمراً روتينيّ، تصبح الأمور مثيرةً للإهتمام حقاً.”إنتهت مطاردةٌ إمتدت لقرن، لكن الإكتشافات الكونيّة الجديدة قد بدأت للتو.
المصدر: هنا