الرئيسية / بيئة / العراق يواجه عدواً جديداً ـ الخليج الفارسي

العراق يواجه عدواً جديداً ـ الخليج الفارسي

بقلم: أندريو لاور

في محطة الحويزة لأبحاث الأهوار في جنوب العراق، قام بدر البدران بأخراج (سكين الجيش السويسرية) الخاصة به، ليقوم بقطع قنينة مشروبات غازية إلى نصفين، ليملئها بقليل من مياه النهر. وعن طريق إستخدام مقياس للملوحة المخصص للجيب، يقوم الجيولوجي القادم من جامعة البصرة بقياس نسبة ملوحة المياه لتظهر بأنها 3.8 غرام من الملح لكل كيلوغرام من هذه المياه، “إن هذه المياه كانت عذبة مؤخراً”، قال وهو يقدم بعض الماء للتذوق، حيث كان الماء صعب الشرب نظراً لمرورته.

بينما تقوم القوات العراقية بتعزيز أنتصاراتها الأسبوع الماضي ضد تنظيم الدولة الإسلامية في مدينة الرمادي شمال بغداد، يظهر في هذه الأثناء عدو جديد ينمو بشكل تدريجي سائراً بإتجاه الجنوب. مياه الخليج الفارسي تزحف بدون توقف إلى أعالي الأنهار والقنوات داخل العراق والتي تنكمش نتيجة لإندفاع المياه المالحة للخليج المندفعة ضد التيار ومكفولاً بسنين من الجفاف. النتيجة هي أزمة متنامية للمزارعين وللسكان البالغ عددهم 2.5 مليون نسمة لمدينة البصرة المزدهرة جنوبي العراق. الملوحة المتزايدة أيضاً تهدد المحاولات العديدة لأعادة أحياء الأهوار المشهورة في المنطقة ـ وهي الأراضي الرطبة الأكثر إتساعاً في الشرق الأوسط ـ والتي كادت تختفي خلال فترة حكم صدام حسين.

حيث يقول الكيميائي البحري علي دعيبل من مركز علوم البحار في جامعة البصرة: “إذا سمحنا للطبيعة بأخذ مجراها، سوف تتحرك مياه الخليج لتغطي الأراضي اليابسة في المنطقة.”

وفي أجتماع طارئ الشهر الماضي في محافظتي بغداد والبصرة، قام مسؤولون من وزارة الموارد المائية بالتحدث مع الباحثين المتخصصين للتعرف على الخيارات المتاحة لأنقاذ الأهوار والتأكيد على توفير مياه عذبة ملائمة للأستخدام في نفس الوقت من قبل الناس والمحاصيل والثروة الحيوانية في جنوب العراق. ولكن أصحاب المصالح لم يتفقوا حتى الآن على أستراتيجية معينة لمحاربة تضاءل كمية المياه العذبة وإرتفاع الملوحة. هذه الأزمة المستمرة بالتبلور مرتبطة بشكل مباشر بسياسات الشرق الأوسط المثيرة للجدل كما ذكر دعيبل. حيث أن تركيا تقوم ببناء عدة سدود على المنابع الجبلية لنهري دجلة والفرات، واللذان تتدفق مياههما عبر العراق، وفي نفس الوقت تقوم جماعات داعش الأرهابية بمنع تدفق المياه في أجزاء من الأنهار الموجودة في المناطق الواقعة تحت سيطرتهم. لذلك فالمياه التي تصل إلى جنوب العراق قليلة بسبب الأدارة الخاطئه لهذه المياه. ومع إستمرار الحكومة بالتشجيع على زراعة المحاصيل التي تتطلب كميات كبيرة من المياه مثل الرز. إن هذه العوامل البشرية المتفاقمة كلها تؤدي إلى موجة جفاف على مدى الأشهر القادمة والتابعة لأعقاب فترة الجفاف الممتدة من 2006 إلى 2010 والتي يُعتقد بأنها ساهمت في بداية الحرب الأهلية السورية.

قبل حوالي نصف قرن من الزمن، فأن تصريف المياه عند مصب نهر شط العرب، الممر المائي المتكون من إلتقاء نهري دجلة والفرات قرب الخليج الفارسي، كان 900 متر مربع من المياه في الثانية الواحدة. الآن هو أقل من 50 متر مكعب في الثانية الواحدة، يقول دعيبل: “إن النسبة التقديرية التي قام البدران بحسابها هي قرابة 20 متر مكعب للثانية الواحدة.” أي أن تدفق المياه العذبة لم يعد بالقوة الكافية التي تسمح له بردع مياه الخليج. قبل قرابة عقد من الزمن كان التأثير المدي مُقتصراً على فوهة شط العرب. ولكن في السنوات الأخيرة، التأثيرات المدية تم ملاحظتها على مسافة 100 كيلومتر داخل اليابسة، كما يمتد بعيداً متوغلاً إلى شمال البصرة، حيث أن مياه البحر تشق طريقها عبر طبقات الأنهار والقنوات محولتاً المياه الجوفية إلى مياه مالحة.

إن شحة المياه العذبة دمرت بيئة الأهوار، كما ذكر لطيف نصري العامل في محطة الحويزة لأبحاث الأهوار، ثم أضاف الجبولوجي بدر البدران: “إن هور الحويزة الواقع قرب البصرة كان يغطي فيما سبق قرابة 2500 كيلومتر مربع وكان موطن لللآلاف من سكان الأهوار العرب الذين عاشوا على جزر صغيرة، يصطادون في المياه العذبة ويرعون الماشية على قصب الأهوار. بعض البيوت الطينية المسقوفة المجاورة لبعض الطرق الطينية الوعرة هي التي تظهر في المناطق التي نمى فيها القصب سابقاً على إمتداد قنوات واسعة. أما الآن، فالمتبقي من الهور أقل من 10%”، كما أنه لم يتبقى سوى عدد قليل من العوائل تسكن المنطقة. إن هذا الفقدان ينتج من عدة أسباب أولها مجموعة من السدود الجديدة الواقعة ضد التيار أضافةً للجفاف ومحاولات الحكومة لأسنتزاف الأهورا في تسعينيات القرن الماضي. ولذلك، فأن محاولة إعادة إحياء النظام البيئي للأهوار من دون غزارة في المياه العذبة سيكون من الأمور الصعبة للغاية كما يقول الخبراء.

كنتيجة مذهلة لأستمرار تناقص تدفق الأنهار، تكونت شعاب مرجانية جديدة على بُعد بضعة كيلومترات من السواحل العراقية، كما أكتشف فريق من جامعة البصرة وجامعة فرايبرغ الألمانية للتعدين والتكنلوجيا في عام 2014. سابقاً، كانت مياه الأنهار المملوئة بالترسبات تتدفق نحو البحر لتمنع تكّون مثل هذه الشعاب المرجانية في هذا الجزء من الخليج الفارسي.

كما ذكر البدران أن هذا الأرتفاع في الملوحة سوف يدمر محطات تحلية المياه التي تم وضعها في السنوات القليلة الماضية حول البصرة وعند المصب والتي وضعت للحد من تزايد النقص في المياه العذبة. هذه المحطات تستخدم أغشية تتحمل مستويات معينة من الملوحة فقط، كما تتطلب إدامة شديدة ومستمرة.

في أجتماع الأسبوع الماضي، حث دعيبل مسؤولي المياه على لبناء سد ضخم على شط العرب على مسافة 30 كيلومتر جنوب البصرة لمنع دخول المياه المالحة. مثل هذه السدود أثبتت نجاحها في أماكن مثل سنغافوره، ولكن التكلفة الكبيرة تركت البعض من زملائه مشككين حول موافقة الحكومة على مثل هذا المشروع.

في الشهر الماضي، وافقت وزارة الموارد المائية على تحويل قسم من الماء من نهر الفرات لضمان نجاة الهور المركزي الواقع على مسافة 100 كيلومتر شمال البصرة، كما قال جاسم الأسعدي من مكتب الجبايش العراقي الطبيعي، وهي منظمة بيئية تسعى لحماية وأعادة أحياء الأهوار. حيث قال الأسعدي:” هذا يعني أن بأمكاننا أنقاذ جزء جيد من الهور، ولكن لا يمكننا أنقاذ الهور بأكمله”، لكن دعيبل يصر أن الأهوار تخطت مرحلة الأنقاذ وكيمية المياه العذبة القليلة المتبقية التي لا تزال تصل لجنوب العراق يجب أن تكرس للزراعة وللشرب.

لكن على المدى البعيد يظن دعيبل بأن إتفاقية مائية دولية بين العراق وتركيا وإيران ستكون ضرورية جداً بالنسبة لمستقبل العراق، بالأضافة إلى إدارة أفضل للمياه التي تعبر الحدود التركية. إنها مطاليب طويلة على مثل هذه الأمه التي تواجه تحديات وجودية صعبه، ولكنه يؤكد على أن القضية يجب أن تواجه بأقرب وقت ممكن. حيث ذكر أخيراً: “أستيقظ يا عراق، فكر بالمياه، المياه، المياه!”

المصدر: هنا

عن

شاهد أيضاً

كيف ربحت أنجيلا ميركل مقامرتها في استقبال اللاجئين

بقلم: فيلب اولترمان لموقع: ذا كارديان بتاريخ:30/آب/2020 ترجمة :رهام بصمه جي تدقيق: ريام عيسى  تصميم …

الجواز الأمريكي لا فائدة منه

يمكنني التنقل حيث شئت بجواز سفري الألماني. ولكن عدد الدول التي تسمح للأمريكيين بالدخول تكاد …