الرئيسية / سياسة / كيف يختار تنظيم داعش إنتحارييه؟ الجزء الثاني: جواسيس بهيئة داعش

كيف يختار تنظيم داعش إنتحارييه؟ الجزء الثاني: جواسيس بهيئة داعش

يأتون من روسيا وفرنسا ـ وحتى نيوجرسي ـ لينهوا حياتهم من أجل “الدولة الإسلامية”، لكن منشقاً عن تنظيم داعش يكشف بأن جواسيس صدام القدامى هم من يتحكمون بالزناد.

مع كل الإهتمام الذي يحيط بتنظيم داعش، يبقى ما هو معروف عن هيكليته الداخلية قليلاً نسبياً. لكن رجلاً يزعم بأنه قد كان عضواً فيما يُعرف بإسم “خدمات أمن الدولة الإسلامية” قد تقدم ليعطينا فكرة عن ذلك المشهد الداخلي. تستند هذه السلسلة على معلومات جُمعت على مدى أيامِ من المقابلات مع جاسوس داعش هذا.

الجزء الثاني: جواسيس بهيئة داعش

إسطنبول ـ “التفجير الإنتحاري مهمة إختيارية،” قال الرجل الذي سندعوه أبو خالد، وهو يطفئ عقب سيجارة مارلبورو أحمر قبل أن يشعل واحدة جديدة. وأضاف، “عند الإنضمام إلى داعش، وخلال الدروس الشرعية، يسألون، “من الذي سيكون شهيدا؟”، فيرفع الناس أيديهم، ومن ثم يتم نقلهم إلى مجموعات منفصلة.”

إن عدد المجندين آخذ في الإنخفاض، هذا ما أخبرني به المدرب والضابط السابق في جهاز إستخبارات داعش، هنا، على ضفاف البوسفور. لكن، وفي حصص التلقين تلك على الأقل، فإنهم ليسوا بحاجة لشبان يبحثون عن رحلة سريعة إلى الجنة. قال أبو خالد، “إنهم مستمرون في التطوع.”

ففي جميع أنحاء العالم خارج الدولة الإسلامية، نحن نلاحظ لمحات عرضية عن هؤلاء الشبان المتطرفين المهتاجين. فعلى سبيل المثال، كان هناك جيك بيلاردي، الأسترالي الساخط البالغ من العمر 18 عاماً، إذا ما حكمنا على ذلك من خلال المدونة التي تركها عندما كان لا يزال في ملبورن، فقد إنتقل بسلاسة من فكر تشومسكي إلى الفكر التكفيري، قبل أن يُقدم على تفجير نفسه عند نقطة تفتيش في العراق.

كان أبو عبد الله الأسترالي، عندما توجه ليموت في الرمادي، مُقتنعاً بأنه يقوم بعملٍ نبيل من خلال التضحية بالنفس، متحولاً إلى كاميكازي من أجل الخلافة. بالنسبة له، كان الجهاد قد بدأ في المنزل، حيث كتب، “تتزامن نقطة التحول في تطوري الأيديولوجي مع بداية كراهيتي الكاملة ومعارضتي لكل النظام الذي تقوم عليه أستراليا ومعظم دول العالم. وقد كانت أيضاً تلك اللحظة التي أدركت فيها بأن ثورة عالمية عنيفة ضرورية من أجل القضاء على نظام الحكم هذا، وبأنني من المحتمل أن أقتل في هذا الصراع.” وقد كان محقاً بخصوص الجزء الأخير، إن لم يكن تماماً حول الكيفية التي حدد بها زملاؤه الثوار إستغلاله.

شجع تنظيم داعش، ولأسبابٍ واقعية، على التجانس داخل صفوف كتائبه العسكرية، بذات القدر الذي قام به الجمهوريون مع ألويتهم الدولية أثناء الحرب الأهلية الإسبانية. وقد أطلق على واحدة من أفضل الكتائب تدريباً وتجهيزاً إسم “أنور العولقي”، رجل الدين المولود في الولايات المتحدة والموالي لتنظيم القاعدة، والذي قُتل في غارة أميركية شنتها طائرة بدون طيار في اليمن في عام 2011. قال أبو خالد، “كل شئ كان يتم باللغة الإنجليزية في هذه الكتيبة. وكانت لدينا كتيبة أخرى تضم الكثير من الأميركيين بإسم أبو محمد الأميركي. وقد سميت على إسم الرجل من نيو جيرسي الذي قتل في كوباني. وتضم هذه الكتيبة أيضاً الكثير من الأجانب.”

مع ذلك، ففي الآونة الأخيرة، بدأت عملية حل الكتائب المحددة عرقياً أو لغوياً لتشكيل كتائب مختلطة، ويُعزى ذلك لنتيجة غير مقصودة تتعلق بصعوبة جمع عددٍ كبير من الناس من مكانٍ واحد أو لغة واحدة ليتم تجميعهم معاً. فكتيبة البتّار، واحدة من أقوى الكتائب في جيش داعش، كانت تتألف من 750 مقاتل ليبي. لكن تنظيم داعش وجد بأن رجالها أكثر ولاءً للأمير الخاص بهم من ولائهم للمنظمة. لذلك تم حل كتيبة البتار.

لم يمضِ وقتٌ طويل على إنضمام أبو خالد إلى داعش عندما أعلن عن نيته في تشكيل كتيبة فرنكوفونية تتألف من 70 إلى 80 مقاتلاً ممن لا يتكلمون اللغة العربية على الإطلاق. فتقدم الرجال بعريضة وقاموا بتوقيعها، وأخذها أبو خالد إلى مقر تنظيم داعش في الرقة. وقد تم رفض ذلك الإلتماس. سألته، “لماذا؟”، فقال، “لقد أخبروني بأنه كانت لديهم مشكلة سابقة مع الليبيين. ونحن لا نريد الفرنسيين مجتمعين في كتيبة واحدة.”

كما يُعتبر الناطقون بالروسية أيضاً من مثيري الشغب المارقين في الدولة. حيث يميل جميع المقاتلين من القوقاز أو جمهوريات الإتحاد السوفييتي السابقة إلى أن يُشار إليهم بكلمة “الشيشان”. وبينما يُعتبر أبو عمر الشيشاني، الشيشاني الإثنية والمنحدر من جورجيا، واحداً من أشهر قادة المعارك (والأكثر مبالغة) في تنظيم داعش، فإن الشيشانيين يديرون جماعاتهم الخاصة مع القليل جداً من الإشراف أو القيادة والسيطرة من مدينة الرقة. وقد تسبب هذا في يقظة متزايدة بين الجهاديين العرب والإقليميين. قال أبو خالد، “في إحدى المرات كنت في الرقة، وكان هناك خمسة أو ستة من الشيشانيين. كانوا مهتاجين بخصوص أمرٍ ما. لذلك جاءوا لرؤية أمير الرقة. وقد كان الأخير خائفاً للغاية، لدرجة أنه أمر تنظيم داعش بنشر القناصة على أسطح المباني. لقد إعتقد بأن الشيشانيين سوف يشنون هجوماً. وقد بقي القناصة هناك لمدة ساعتين.”

وضع تنظيم داعش نهاية للحدود المصطنعة التي فرضتها القوى الإستعمارية الأوروبية والتي أدت كنتيجة غير مقصودة لتوليد إمبريالية جهادية. إن قيادة داعش، بعد كل شئ، عراقية في الأساس، وإذا ما كان هنالك هدفٌ سياسي أساسي، بدلاً عن الديني، لكل نشاطاتها، فهو هدف إستعادة السلطة السُنية في بغداد. في الواقع، يُمكن إعتبار جناح داعش في بلاد ما بين النهرين “قومي” التوجه أكثر مما هو عليه الحال في الشام، حيث تبدو حفلة سُكر المهاجرين بإنتهاء “سايكس ـ بيكو” غير مدركة لكونهم يتعرضون للإستغلال من قبل الجلاوزة السابقين لنظام صدام حسين.

****

يمتلك تنظيم داعش هيكلية تشابه المخابرات الإقليمية أو وكالات الإستخبارات للطغاة العرب التقليديين الذين يُفترض أن داعش يريد إستئصالهم، حيث تتألف الأجهزة الأمنية لتنظيم داعش من أربع وكالات أو فروع منفصلة، ولكلٍ منها دورها.

هنالك الأمن الداخلي، وهو بمثابة وزارة الداخلية في تنظيم داعش. وهذا الجهاز مسؤول عن الحفاظ على الأمن في كل مدينة.

ومن ثم الأمن العسكري، أو الإستخبارات العسكرية لتنظيم داعش، ويقوم رجاله بالإستطلاع وتشريح مواقع العدو وقدرات القتال لديه.

وهناك الأمن الخارجي، أو الإستخبارات الخارجية لتنظيم داعش، والتي يتم إرسال عملاءها خلف “خطوط العدو” بهدف التجسس أو التآمر وإرتكاب عملياتٍ إرهابية. لكن “خطوط العدو” لا تشير فقط إلى البلدان والمدن في الغرب، بل إلى أية منطقة في سوريا يُسيطر عليها الجيش السوري الحر أو نظام الأسد، وبالتالي لا يُعتبر تقنياً ضمن حدود الخلافة، والذي يتطلب نتيجة لذلك وجود عملاء أجانب من أجل الإختراق.

هذا أمرٌ بالغ الأهمية بالنسبة لكيفية “توسع” المنظمة في سوريا والعراق ـ عن طريق إيفاد خلايا نائمة تعمل على تجنيد عملاء ومخبرين، أو تقوم بجمع المعلومات عن الجماعات المناوئة، سواء أكانت ميليشياتٍ أخرى أو جيوشاً نظامية. أكد أبو خالد مراراً وتكراراً بأن الإستخبارات وليس الإقتدار الحربي هو ما يجعل تنظيم داعش قادرا بشكلٍ كبير على إحتلال الأراضي والإحتفاظ بها.

11111

ويتفق آخرون بشأن ذلك. فقبل بضعة أشهر، نشر كريستوف روتير من صحيفة دير شبيغل الألمانية سراً يستند إلى وثائق داخلية تمت مصادرتها من تنظيم داعش تُبين التقسيم الدقيق لجهاز الأمن.

كتب رويتر، “كان من المفترض أن يعمل العملاء مثل الموجات الزلزالية. حيث يتم إرسالهم لتعقب أدق الشقوق، فضلاً عن البحث عن التصدعات القديمة في الطبقات العميقة للمجتمع ـ بإختصار، جمع أي معلومة يُمكن إستخدامها لتقسيم وإخضاع السكان المحليين.” من هي عائلات النخبة؟ كيف قاموا بجمع أموالها؟ هل لديهم أي إبن مثلي الجنس سراً؟ ما الذي يُمكن إستخدامه لإبتزازهم وإجبارهم على الخضوع أو الإمتثال؟

كان الجهاز بالكامل مثقباً كخلية نحل مع العديد من الإقطاعيين العاملين بشكل شبه ذاتي، وغالباً ما يُطلب منهم متابعة ما يقوم الآخرون بمتابعته أيضاً. “تنقل دائرة المخابرات العامة تقاريرها إلى “أمير الأمن” في إحدى المناطق والمسؤول عن نواب الأمير في المناطق المنفردة. فيما ينقل رئيس خلايا التجسس السرية و”جهاز المخابرات وإدارة المعلومات” للمقاطعة كل ذلك لكلٍ من نواب الأمراء أولئك. فيما تقوم خلايا التجسس على المستوى المحلي بنقل التقارير إلى نائب أمير المقاطعة. والهدف من ذلك هو أن يعمل كل شخص على مراقبة كل شخصِ آخر.”

وهذا ما يجعلنا نفكر وبشكلٍ طبيعي بجهاز الإستخبارات الروسية كي جي بي أو الشتازي الألمانية ـ وليس من المصادفة أن نعلم بأن العديد من كبار المسؤولين في تنظيم داعش هم أعضاء سابقون في مخابرات صدام حسين، وبالتالي تلاميذ سابقين للأجهزة الأمنية في حلف وارشو. في الواقع، كان الرجل الذي أسس جناح تنظيم داعش في سوريا، الحاج بكر المتوفي الآن، فيما مضى عقيداً في جهاز مخابرات سلاح الجو في عهد صدام.

أخبرني أبو خالد بأن وزارة الخوف تلك التي أسسها الحاج بكر قد إزدهرت منذ ذلك الحين.

“قبل إسبوع من إنشقاقي، كنت أجلس مع رئيس الأمن الخارجي، أبو عبد الرحمن التونسي. إنهم يعرفون نقطة ضعف الجيش السوري الحر. قال لي التونسي: سوف نعمل على تدريب رجال نعرفهم، مجندين، وسوريين، سنقوم بأخذهم، وتدريبهم، وإرسالهم إلى المكان الذي أتوا منه. سوف نمنحهم 200.000 أو 300.000 دولار أميركي، ولأنهم يمتلكون المال، فإن الجيش السوري الحر سيضعهم في مناصب عليا.”

وأضاف أبو خالد قائلاً، “هذه هي الطريقة التي إستولى بها تنظيم داعش على سوريا. لديهم عناصر مغروسة في القرى والمناطق التي يديرها الجيش السوري الحر، ولديهم أفراد منهم في ذلك الجيش.”

بعبارةٍ أخرى، ليس جميع حلفاء أميركا المفترضين في سوريا على ما يبدون عليه في الواقع. فالبعض منهم، بحسب أبو خالد، يجري التلاعب بهم من قبل أشخاص يعملون سراً لصالح تنظيم داعش.

أصبح أبو خالد عضواً في أمن الدولة، أو جهاز أمن الدولة الإسلامية في العراق والشام. كان ذلك الشين باء أو الأف بي آي الخاص بها، والمسؤول عن تشغيل عمليات مكافحة التجسس (كإستئصال الجواسيس الأجانب من الجيش السوري الحر، ونظام الأسد، أو الإستخبارات الغربية والإقليمية)، وحصر الإتصالات داخلياً (مثل المكالمات الهاتفية، أو وصلات الإنترنت غير المرخصة)، والحفاظ على برنامج الإعتقال سئ الصيت الخاص بالمنظمة. وقد كان محمد إموازي المولود في بريطانيا، والذي منحته وسائل الإعلام لقب “جون الجهادي” بعد أن ظهر في تسجيل مصور يظهره وهو يقوم يقطع رؤوس رهائن غربيين والذي كان يُرجح بأنه قد قُتل في غارة أميركية بدون طيار يوم 13 تشرين الثاني ـ نوفمبر، عضواً في أمن الدولة هو الآخر.

وضح أبو خالد ذلك قائلاً، “عندما يكون أي شخص من هذه الفروع الأربعة في العمل، فإنه يكون ملثماً.” لكن في بعض الأحيان يساهم ولع تنظيم داعش في لفت إنتباه وسائل الإعلام في قهره. حيث يقول أبو خالد بأن هوية إموازي لم تتأكد إلا بعد أن حصل مخبرٌ يعمل لصالح إحدى الحكومات الإقليمية على لقطات غير محررة لذلك المواطن البريطاني وهو يجري في الرقة بدون قناعه وسلمها إلى لندن.

2222222

وفي حين أن عملاء كل فرع هم من السوريين في العادة، إلا أن الرؤساء ليسوا كذلك. ولسببٍ ما لم يكن أبو خالد قادراً على تفسيره، فإن الرؤساء الأمنيين يكونون في العادة فلسطينيين من قطاع غزة.

ومثل أي بيروقراطية حكومية، فإن الإنتماءات الإقليمية تثير التحزب والإقتتال الداخلي. قال أبو خالد، “لدينا العسكريين والأمنيين. ولا يحبان بعضهما البعض. عندما كنت أعمل على تدريب الأمنيين، كان أصدقائي من العسكريين يقولون لي، “إذن أنت تعمل الآن لصالح الكفار؟” أضاف مبتسماً.

كان الدور الرئيسي لأبو خالد يتمثل في تدريب الخطوط الأمامية من قوى الأمن المحلية في مدينة الباب. ويجري ذلك في معسكر يقع على بعد حوالي خمسة كيلومترات إلى الشمال من تلك المدينة وكان جدول الأعمال اليومي مكثفاً. كان الإستيقاظ في الساعة الخامسة والنصف فجراً. حيث يتجمع كل الجهاديين للقيام بتمرين مدته ساعة واحدة. يصل أبو خالد إلى الموقع في السابعة ليقوم بإعطاء الدروس حتى الظهر. كان يُدرس تكتيكات القتال والوعي التشغيلي: كيفية تأمين المحيط، وكيفية شن الهجمات.

ومن ثم يُسمح للمقاتلين بالإستراحة لمدة ساعتين قبل بدء التدريب مرة أخرى. في الخامسة والنصف مساءً، كانوا يرتاحون، لكن ليس في ثكنات المعسكر. قال أبو خالد، “يذهب الرجال إلى الأماكن التي ينامون فيها لأنه لم يكن آمناً البقاء في المعسكر.”

****

يمكُث المقاتلون في مقر إقامة أبو محمد العدناني، المولود في حلب، والذي يعدّ ثاني أقوى رجل في هذا الجيش الإرهابي. وقد كان العدناني فيما مضى مقرباً من أبو مصعب الزرقاوي، المؤسس الأردني لتنظيم القاعدة في العراق، وهو الكيان الأصلي الذي إنبثق منه تنظيم داعش.

يُعتبر العدناني، العضو البارز في مجلس شورى داعش ـ وهي هيئة صنع القرار الرئيسية في التنظيم ـ المسؤول عن تعيين الوالي أو الحاكم، لكلٍ من الولايات أو المحافظات الأربع.

كما يُسمي العدناني أيضاً رؤساء جميع الفروع الأربعة في الأجهزة الأمنية، فضلاً عن تسميته لرئيس أركان الإدارة العسكرية في التنظيم. هو شخصٌ متقلبٌ جداً. قال أبو خالد، “أنا لا أعتقد بأنه يتشاور مع الخليفة بشأن إستبدال الأشخاص أو فصلهم.” (ويبدو هذا مبالغاً فيه: لأن مجلس الشورى الذي يترأسه أبو بكر البغدادي، من المرجح أن يخوّل ـ أو على الأقل يرخص ـ إختيار وإقصاء الولاة.) “في كل زيارةٍ له، يزج ببعض الناس في السجن، ويقصي آخرين. قبل مجيئي إلى الباب، عيّن العدناني والياً جديداً من العراق، ورئيساً جديداً للأمن من العراق. الآن في سوريا، ليس لدينا أي ولاةٍ سوريين. جميعهم أجانب من المملكة العربية السعودية، وتونس، والعراق ـ ولكن ليسوا سوريين. في الواقع يتوجب على تونس أن تفتح سفارتها في الرقة، وليس في دمشق. فهناك يتواجد مواطنوها.”

يُقسّم العدناني وقته بين مدينتي الرقة والباب، حيث يزعم أبو خالد بأنه يعرف جميع مساكنه، بما في ذلك الدار التي إستعملها الجنود الذين قام أبو خالد بتدريبهم. العدناني شخص غير واضح إلى حدٍ كبير، ودائماً ما يُسافر مستخدماً سيارة قديمة مع مفرزة أمنية تميل إلى عدم الإعلان عن وجودها.

3333333

يقوم قادة تنظيم داعش، بحسب أبو خالد، بجولاتٍ منتظمة في أنحاء خلافتهم متخفين في الواقع للتحقق فيما إذا كانت “الدولة” تعمل كما يجب. وإذا لم يكن الأمر كذلك، فإن رؤوساً ستتدحرج بالمعنى الحرفي والمجازي.

يقول أبو خالد بأنه قد تواجد في إحدى المرات في موقف في الخطوط الأمامية مع البغدادي نفسه. حيث قال، “في إحدى المرات، كنا في محيط مطار كويرس،” وهو منطقة منعزلة ـ وتعتبر موقعاً محاصراً تابعاً للنظام في أراضي داعش قرب حلب. وأضاف أبو خالد، “لقد جاء البغدادي إلى هناك. لم نكن نعرف في ذلك الوقت، وقد عرفنا بعد أن غادر. وقد تمكن بعض الناس من رؤيته ولكنهم لم يتمكنوا من التعرف إليه. عندما يُسافر قادة الدولة الإسلامية فإنهم لا يأتون برفقة حراسة رفيعة المستوى. لدرجة أنك لا تعلم حتى بأنهم هناك.”

قد تكون القصة السابقة حقيقية، وقد تكون جزءا من عقيدة تقديس الأشخاص مقدمة لنا بعناية، والتي بدونها لا يتمكن الحكم الدكتاتوري المطلق من البقاء وتخليد ذاته.

تُذكرنا حكايات الزيارات السرية هذه بتلك القصص التي تُروى عن هارون الرشيد، الخليفة العباسي الخامس في بغداد عندما كانت في أوجها في القرن الثامن الميلادي. فعلى الرغم من أن الرشيد شخصية حقيقية، إلا إن ما نُسب إليه من قبل الأجيال التالية كان مستمداً بشكلٍ أكبر من دوره الروائي المتواتر في حكايات ألف ليلة وليلة.

ففي بعض الأحيان، بدا أبو خالد وعن غير قصد مثل شهرزاد، وهو يروي الكثير من شائعات الدرجة الثالثة والقيل والقال ـ قصص الخلافة المختلقة ـ أكثر مما شهده هو بنفسه. لكن حتى تلك القصص بدت مفيدة لحدٍ ما لأنها تُظهر العناية التي يسوق بها تنظيم داعش أسطورته الخاصة به داخلياً.

ومن الحكايات الأخرى عن البغدادي، على سبيل المثال، وهي بالتأكيد تلفيق من قبل خبراء تقنية سياسية أذكياء يتعمدون نشرها من خلال عنقود العنب الجهادي.

في إحدى المرات، بحسب ما يُقال، سافر البغدادي إلى منبج، المدينة الأخرى الرئيسية التي يسيطر عليها تنظيم داعش في حلب، عندما تعرض فيها لحادث سيارة. فشعر الرجل الذي تحطمت سيارته بالغضب وبدأ يصرخ بوجه الخليفة، الذي لم يكن يعرف هويته، هناك في وسط الشارع، وأمام المارة.

“سآخذك إلى المحكمة!” صرخ الرجل في وجه البغدادي. فأجابه البغدادي، “هيا بنا!”. فتوجه الإثنان فوراً إلى المحكمة الشرعية في منبج. وأمام رجل الدين القاضي الذي يعرف هوية المُدعى عليه حتى لو لم يعلم المدعي بذلك، إعترف البغدادي بأن التصادم كان ذنبه في واقع الأمر. فأمر القاضي الخليفة بدفع غرامة مالية.

وأخبرني أبو خالد، “إنهم يُخضعون أنفسهم للعقاب، مثلهم مثل أيّ شخصٍ آخر. وبالنسبة لهذا الأمر، صدقني، إنهم يجيدون فعله بشكلٍ جيد.”

يؤمن أبو خالد بأن فكرة “المساواة أمام القانون” هذه واحدة من الركائز الأساسية لشعبوية البرنامج السياسي لتنظيم داعش. وقال بأنه إختبر ذلك بنفسه.

حيث أخبرني بأن حاسوبه الشخصي قد تم مصادرته في إحدى المرات من قبل أمن الدولة، لكي يتم التأكد من وجود علامة تدل على عدم الولاء أو الخيانة. وقد فقد الجهاز، نتيجة للبيروقراطية الجهادية. “لذلك إضطررت لأخذهم إلى المحكمة. أقسم بالله، إلتقط القاضي سماعة الهاتف وقال: “حسنا أيها الرجال، لديكم مهلة 24 ساعة. أنا بحاجة لجهاز الكومبيوتر هذا. أو يتوجب عليكم تعويضه عن الجهاز. وبخلاف ذلك، سأقوم بوضعكم في الساحة العامة وأجلدكم على مرأى الجميع.” قد تكون لا أحد ومع ذلك يمكنك أن تسعى لتحقيق العدالة. هذا أحد الأسباب التي لا يزال الناس الذين يكرهون تنظيم داعش يحترمونه من أجلها.”

لكن، وبالطبع، فإن تنظيم داعش لا يفرض إرادته من خلال الإحترام فحسب، أشار أبو خالد. فعندما تعجز المناشدة عن إداء مهامها، يتحول تنظيم داعش لإستعمال وسيلته المكملة في السيطرة على السكان: الخوف. ثم أخبرني أبو خالد عن القفص.

المصدر: هنا

عن

شاهد أيضاً

الجواز الأمريكي لا فائدة منه

يمكنني التنقل حيث شئت بجواز سفري الألماني. ولكن عدد الدول التي تسمح للأمريكيين بالدخول تكاد …

حصرياً: من داخل مخيمات تدريب تابعة لحزب الله لنشر الأخبار الزائفة  

  بقلم: ويل كريسب وسداد الصالحي  بتاريخ: ٢/آب / ٢٠٢٠ ترجمة: رحاب الهلالي تدقيق: ريام …