سئلتُ مراتٍ لا تحصى عن الكتب و الأفلام التي أنصح بها لفهم السجن بشكلٍ أفضل. إن طبيعة و تصميم هذا العالم، مع كل العوائق إن كانت حقيقية أو مجازية، تجعل من الفهم بشفافية أمراً صعب التّحقيق.
يُكوّن معظم الناس فهمهم لهذا الواقع في عتمة دور السينما، أو في غرف جلوسهم أثناء متابعتهم لبرامج تلفزيونية كمسلسل “أوز.” باستثناء القليل، فإن ما يُعرض لا يحمل سوى شبهاً عابراً للعالم الذي أعيش فيه.
خلال سنواتي الثلاثين بأكملها في السجن، لم أرَ قط حشداً ساخراً من المساجين يتحرشون بآخرين جدد، و لا حتى مرةً واحدة. لا شكّ أن هنالك اهتمام، فالشباب في الباحة يبدون انتباههم، لكن هذا التوجّه المتكرّر في هوليوود لا يحدث حقّاً.
بالإضافة إلى ذلك، لا يقوم أحدٌ بترك الحلوى على سريرك من أجل أن يبتزك لتقديم خدماتٍ جنسية. تكون هذه الأمور أكثر صراحةً و وضوحاً في السجن. مثل أي مكانٍ في العالم، فإنه يوجد رجالٌ مثليّون هنا، كما أنهن ينخرطون في علاقاتٍ مع رجالٍ آخرين. في بعض الأماكن الأشدّ قسوة، غالباً في سجون المقاطعة، فإن الرجال المثليين و المخنّثين يتعرضون كثيراً للقيام ّ بأفعال جنسية قسرية. لكنّ فكرة أنّ الاعتداء الجنسي في الحمّامات أمرُ طبيعي في تجربة السجن ببساطة ليس صحيحاً.
بينما تتمّ المبالغة في بعض الأمور إلى حدٍّ كبير، فإن بعضها الآخر يُستاهن به بشكلٍ مضحك. ولسببٍ ما، فإن التلفاز على وجه التّحديد مذنبُ في هذه المسألة. على سبيل المثال، في مسلسل “الهروب من السجن Prison Break ” و الذي يُعرض على قناة فوكس Fox، بعد نزاع عنصريٍّ ضارٍ أسفر عن عدة عمليات طعن و إصابة حارس واحد على الأقلّ بجروح بليغة، فإن الحارس ستايسي كيتش Stacy Keach أعلم المبنى أنه سيتمُّ احتجازهم لمدة 24 ساعة. كما انه هدّد بتمديد المدّة إلى أسبوع كامل في حال حدوث المزيد من الفوضى. لقد كانت صرخات الإزدراء في ذلك المبنى تَصمّ الأذنين. من الممكن لعصيانٍ بهذه الحدّة أن يسفر عن احتجازٍ لمدّة أشهر. فنحن يَتمّ احتجازنا لمدة 24 ساعة من أجل أن يُكمل الحراس أعمالهم المكتبيّة.
في مسلسل “أوز Oz” الذي تعرضه قناة إيتش بي أو HBO، فإن الرجال الذين اعتدو على بعضهم البعض جنسياً، و قاموا بالوشاية على بعضهم، و حتى طعنوا بعضهم، أصبحوا شركاء في الزنزانة، أو حتى أصدقاء مقرّبين. إلى جانب كون الأعداء المُوَثَّقين لا يوضعون مرةً ثانية في نفس الزنزانة أبداً، و أن المُخبرين لا تتم مسامحتهم على الإطلاق، فإنّ الطريقة الاعتياديّة التي عاملت بها الشخصيات بعضها لا يمكن التغاضي عنها أبداً في السجن. إن نسيان قول “عذراَ” عند الاصطدام بكتف أحدهم في نقطةٍ مكتظّة قد يؤدي إلى اشتباكٍ بالأيدي. كما تسفر الاختراقات الأكثر أهميةً لآداب التعامل في السجن عن نتائج أكثر جسامة.
لقد سبق أن شاهدت فيلماً واحداً يجسد حياة المحكومين بشكلٍ ترك لديّ انطباعاً حقيقّياً. تمكّن جون فويت Jon Voight في فيلم ” قطار الهروب Runaway Train” و الذي كان في باقي النواحي خياليّاً بحتاً، أن يجسّد خلاصة السلوك الاعتيادي للسجين الذكر الكفؤ. لقد كان هنالك كبتٌ جليّ، بالإضافة إلى غضبٍ عارمٍ بالكاد تمّ إخفاؤه. ذلك هو، بشكلٍ عام، واقع السجين خصوصاً بالنسبة لذوي الأحكام الطويلة و المؤبّدة.
لم تقترب الأعمال التلفزيونيّة قطّ من الدقة في التجسيد، على حسب علمي. أما بالنسبة للكتب التي تتناول موضوع السجن فالأمر مختلف. فحتى في تلك التي يكتبها علماء نفسٍ ذوي نوايا حسنة، فهنالك العديد من الأخطاء الفادحة و المسائل المُساء فهمها مقدمةً على شكل حقائق. يفوق علماء الجرائم هؤلاء سوءاً، حيث يصوغون مجلداتٍ طويلةٍ سمكية لا تمتّ بأي صلةٍ لواقعي. (لكن قم بإلقاء نظرةٍ على حركة “علم جرائم المحكومين[1] Convict Criminology” لترَ الأمور من منظورٍ آخر. كما تميل الرموز الدينية و خبراء السياسة التقليديون إلى طرح حلولٍ مستحيلة لمشاكل عسيرة، ولكنها تبدو منطقية تماماً لأشخاصٍ لم يقضوا دقيقةً واحدة داخل زنزانة.
إنه لمن الأصعب أن نحاول حصر الكتب الكثيرة التي كتبها سجناءٌ و محكومون سابقون عبر السنين. المشكلة في هذه الأعمال أنّ دقتها مرتبطةٌ بتجارب الكاتب الشخصية خلال إطارٍ زمنيٍّ محدود. لقد سبق و قرأت كتباً واضحة المصداقية قام سجناء بتأليفها، و بالرّغم من ذلك، فإنها لم حقّا ًتكن ذات صلةٍ بتجربتي الخاصة. يختلف كل سجنٍ عن الآخر، كما أن فترة حكم كل سجين هي سلسلةٌ متفرّدةٌ من الأحداث و الظروف.
و مع ذلك، فهناك بعض الكتب التي تستحق القراءة و التي نجحت في نقل خلاصة الحياة داخل السجن للقارئ الفطن.
1- العقاب الإصلاحي :Reforming Punishment
“العقاب الإصلاحي” كتبه عالم النفس كريج هاني Craig Haney، الذي تتجاوز خبرته 35 عاماً في مجال إصلاح السجون والدراسة. إنه أفضل كتابٍ أكاديميٍ قرأته لكاتبٍ غير محكوم. يتناول الكتاب الجنون و الأهوال المحيطة بوسائل العقاب المعاصرة. إن لم يروّعك ما ستأقره في هذا الكتاب، فإن أعصابك هادئةٌ حقّاً.
2- جميعنا نقضي حكماً داخل السجن We’re all Doing Time :
يُفسّر “جميعنا نقضي حكماً داخل السجن” لكاتبه لو بوزوف Lo Bozoff، و هو أشبه بشخصيةٍ روحانية للمساجين، الجانب الآخر الأكثر خفيةً و عمقاً من السجن، ذلك الجانب الإنساني و المُلهِم في آنٍ واحد. إن جميع المساجين و المهتمين بهم بحاجةٍ إلى قراءة هذا الكتاب. ستصبح شخصاً أفضل بعد قراءته، أعدك بذلك.
3- لم أستطع أن أحتفظ بذلك لنفسي: شهاداتٌ من أخواتنا السجيناتCouldn’t Keep it to Myself: Testimonies from our Imprisoned Sisters:
“لم أستطع أن أحتفظ بذلك لنفسي: شهاداتٌ من أخواتنا السجينات،” لكاتبته والي لامWally Lamb ، بالإضافة إلى نساء إصلاحية يورك .York يسلّط الكتاب الضوء بقوّة على واقع النساء السجينات. كما أنه يتمتع ببراعة أسلوب والي لام في الكتابة.
4- عن ظهر قلب: شعر، سجن، و حياتان By Heart: Poetry, Prison, and Two Lives :
“عن ظهر قلب: شعر، سجن، و حياتان،” لكاتبيه جوديث تانينبوم و سبون جاكسونJudith Tannenbaum and Spoon Jackson ، هوه كتابٌ جديدٌ مميز. يتناول الكتاب الرابط الرائع بين مدرّسة شعر موهوبة عطوفة و تلميذها النجم السجين الذي لا يقل موهبةً عنها. سوف يأثر هذا الكتاب فيك على أكثر الأصعدة عمقاً.
5- قضية الحرية: مذكرات عن التعلم، البقاء، و البلوغ في السجن A Question of Freedom: A Memoir of Learning, Survival, and Coming of Age in Prison:
“قضية الحرية: مذكرات عن التعلم، البقاء، و البلوغ في السجن،” لكاتبه آر دوين بيتسR. Dwayne Betts ، يروي قصةً مؤثرة عن رفيق في سجن كاليفورنيا بأسلوبٍ جميلٍ و قوي. أعترف ببعض التحيّز لصديقي، لكنه كتابٌ رائع بالرغم من ذلك.
6- المسير الطويل نحو الحرية: السّيرة الذاتيّة لنيلسون مانديلا Long Walk to Freedom: The Autobiography of Nelson Mandela:
من المهم الإشارة للجميع أنه ابتداءً من ثوروThoreau إلى مارتن لوثر كينغMartin Luther King ، و من دوستويفسكي Dostoyevskyإلى فاكلاف هافيل،Vaclav Havel وإلى إيما غولدمانEmma Goldman و ثمّ إيدي بانكرEddie Bunker ، فإنهم جميعاً قد قضوا وقتاً في السجن و كتبوا عنه. قضى نيلسون مانديلاNelson Mandela، أروع رجلٍ في عصرنا، أكثر من ربع قرنٍ في سجنٍ وحشي، ثم خرج ليري العالم كيف نستطيع ان نكون أشخاصاً أفضل، و كتب عن ذلك أيضاً.
7- الإنسان يبحث عن معنىMan’s Search for Meaning :
لم يَنبثق كتاب “الإنسان يبحث عن معنى” من واقع السجن، بل من آخر أسوء بكثير على الرغم من التشابه في بعض الجوانب. إن هذا الكتاب، لكاتبه فيكتور فرانكلViktor Frankl ، أحد الناجين من الهولوكوست، هو وحده أهم كتابٍ في حياتي. لن تبقَ الشخص ذاته بعد قراءته.
8- موطني كاليفورنيا: قصة خلاصٍ خلف القضبانMother California: A Story of Redemption Behind Bars:
و أخيراً، “موطني كاليفورنيا: قصة خلاصٍ خلف القضبان،” هي مساهمتي الشخصية في مجال أدب السجون، و هي متوفرة حالياً بنسخة ورقية.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] توجُّه حديث نسبياً في علم الجرائم، يدعو إلى مشاركة ذوي التجارب الشخصية في إغناء نتاج هذا الفرع لجعله أكثر شموليّة (ملاحظة المترجم).
المصدر: هنا