في شهر فبراير الماضي، كشفت لقطاتٌ أرسلتها المركبةُ الفضائية “داون” التابعة لوكالة لناسا شيئاً غريباً على سطح كوكب سيريس (الكوكب القزم). حيثُ أظهرت ضوءاً منعكساً عنْ بقعتين على سطح الكوكب في وسط منخفضٍ ضخمٍ ومظلم.
في البداية، افترضوا بأنهما بقعتان من الثلج، ولكنﱠ الأطوال الموجية للضوء المنعكسة منهما لم تتطابقا مع الطول الموجي للضوء الذي ينعكس من الثلج. دخلت المركبة “داون” إلى مدار كوكب سيريس مُنذ فترة وهي منذ ذلك الحين تُرسل صوراً رائعةً ومفصلةً للسطح المذهل لهذا الكوكب. ولكنﱠ كلﱠ مجموعةٍ من الصور ترسلها هذه المركبة تجلبُ معها تساؤلاتٍ جديدة أكثر من جلبها للأجوبة الشافية.
كوكب سيريس هو الجُرم الأكبرُ حجماً في حزام الكويكبات (يقعُ حزام الكويكبات بين المريخ والمشتري)، وهو مصنفٌ ضمن الكواكب القزمة. ولكنْ وبالرغم من كونه قد اكتُشف قبل 200 عام مضت، إلا أننا لا نعلمُ الكثير عن كيفية نشوءه وعن تركيب الطبقات الأرضية المكونة له، ولهذا السبب أرسلت وكالةُ ناسا مركبتها الفضائية المسماة بـ”داون” لإلقاء نظرةٍ على هذا الكوكب القزم.
تمتازُ الصورة الأخيرةُ الملتقطةُ من قبل المركبة الفضائية والتي أُرسلت إلى الأرض بأنها أدقﱡ بثلاث مراتٍ من حُزمة الصور التي سبقتها، حيثُ أنها التُقطت من ارتفاعٍ يبعدُ أقلﱠ من 1,600 كم عن سطح الكوكب القزم. يُمكنك رؤيتها في الأسفل هنا:
على الرغم من التفاصيل الرائعة للصورة، إلا أنها لم تتمكن من تفسير حقيقة البُقعتين المنيرتين، والمتواجدتين في داخل منخفض “اوكاتر” على عمق 4 كيلومترات تحت سطح الكوكب. تُشير المعلوماتُ التي تمﱠ جمعُها لحد الآن بأنﱠ كمية الضوء المُنعكس عنْ هاتين البقعتين أقلﱡ من المتوقع أنْ يعكسه الثلج على هذا الكوكب.
“نقوم الآن بمقارنة الضوء المنعكس عنْ البقع مع الخواص الإنعكاسية للملح، ولكننا لا نزالُ في حيرةٍ من أمرنا. نحن نتطلعُ لمعلوماتٍ جديدةٍ وأعلى دقة قدْ نحصلُ عليها من المهمة المدارية القادمة للمركبة الفضائية.” هذا ما قاله كريس راسل، الباحث الرئيسي المشرف على مركبة “داون” الفضائية من جامعة كاليفورنيا في لوس انجلس.
هنالك عددٌ من الإحتمالات الأُخرى لتفسير حقيقة هذه البقع، فقد تكون هذه البقعُ طبقةً من الأحجار التي تمتلكُ قابلية انعكاسٍ عالية والتي تعرضت للضوء في المنخفض، أو قدْ تكونُ ناتجةً عنْ نشاطٍ بركاني أو نبع ماءٍ حار. يمتلكُ العلماء معلوماتٍ قليلةً جداً حول حقيقة هذه البقع مما دفعهم لأخذ رأي الجمهور ودعوتهم للتصويت لمعرفة رأيهم في ماهية هذه البقع.
لكنﱠ هذه البقع المضيئة لم تكُن الشيء المُحير الوحيد بخصوص كوكب سيريس، فقدْ كشفت الصور لهذا الكوكب عن جبلٍ غريب طويلٍ قمعيﱢ الشكل في الجهة الثانية من الكوكب القزم، وقد أثار هذا الجبلُ حيرة علماء وكالة ناسا أيضاً.
يبلغُ إرتفاعُ هذا الجبلُ 6 كم ولكنﱠ هذا الإرتفاع لم يكن هو الشيء الذي أزعجهم فعلاً، ولكنﱠ حقيقة أنﱠ الأرض المُحيطة به مسطحةٌ تماماً جعلهم في قمة الحيرة. إضافةً إلى أنهم لم يستطيعوا تفسير سبب وجود بقعٍ مضيئةٍ على أحد جانبيه بينما يقبع الجانبُ الآخر في الظلام من دون أية بقعٍ مضيئةٍ فيه.
“هذا الجبلُ يُعتبر من بين أطول التضاريس التي رأيناها في سيريس حتى اليوم” هذا ما قاله بول شينك، أحدُ العلماء المشرفين على مركبة داون. وأضاف “إنه من الغريب أنْ يكون معزولاً وغير متصلٍ بأيﱢ منخفض. لماذا يجلسُ في موضعٍ خالٍ من كل شيء؟. نحنُ لا نعرفُ ذلك حتى الآن. لكننا قد نتوصل إلى إجابةٍ على هذا السؤال عند حصولنا على صورٍ تمكننا من مشاهدته عن قرب.”
إنﱠ السبب الذي يجعلُ الباحثين مفتونين بكل هذه الأشياء هو عدمُ تمكننا من فهم العمليات الجيولوجية التي ساهمت في تكوين هذا الكوكب حتى الآن، وأيةُ أدلةٍ يمكننا الحصولُ عليها بهذا الخصوص قد تزودُنا بأجوبةٍ كثيرة حول تكوين نظامنا الشمسي بأكمله.
“قامت مركبةُ داون بتحويل ما كان يظهرُ على شكل نقاطٍ مضيئةٍ قبل مدة قصيرة إلى منظرٍ طبيعيٍ خلابٍ ومعقد ذو بريقٍ أخاذ،” هذا ما قاله مارك ريمان، مديرُ المهمة والمهندس الرئيسي المسؤول عن مركبة “داون”، وأضاف قائلاً:”قريباً، ستكشفُ التحليلاتٌ العلميةُ عن الطبيعة الجيولوجية والكيميائية لهذا المشهدِ الغامض والفاتن القادم من خارج هذه الأرض.”
تقتربُ مركبةُ “داون” شيئاً فشيئاً من كوكب سيريس ما دامت متواجدةً في مداره، لذلك فإننا نتوقعُ وصول المزيد من الصور المفصلة في الأشهر القادمة. آملين أنْ تحمل بعض هذه الصورُ أجوبةً لتساؤلاتنا العديدة حول هذا اللغز المحير… أو أنها قد تجلبُ المزيد من الأمور المثيرة للفضول والتي تدفعنا للتعجبِ منها والبحث عن تفسيرٍ لها.
المصدر: هنا