ملاحظة المحرر: «لقد قمنا بسؤال العديد من العلماء في مختلف التخصصات عما يعتقدون أنه أعظم الألغاز إلى يومنا هذا …»
…
من فراشةٍ غريبةٍ مُنقَّطة، إلى عظاءات (سحالي) ذات ألوانِ قوسِ قزح، إلى التأقلم والتكيُّف الذي يجعل السناجب، وحتى الافاعي، تتمكن من الطيران؛ إن الإمكانيات الفيزيائية في العالم الطبيعي تجعل عقولَنا في حيرةٍ وتساؤل.
إن الانتقاءَ الطبيعيَّ مقبولٌ لدى العلماء، فالعامل الرئيسي يقود مجموعةً من الكائنات الحية مع خصائصها المعقدة؛ ولكن هل التطور بواسطة الانتقاء الطبيعي هو التفسير الوحيد للكائنات الحية المعقدة؟
يقول ماسيمو بيلوتشي Massimo Pigliucci من قسم البيئة والتطور في جامعة ستوني بروك Stony Brook في نيويورك: «أعتقدُ أن واحدة من أعظم الألغاز في علم الأحياء إلى هذه اللحظة هو ما إذا كان الانتقاء الطبيعي هو العملية الوحيدة القادرة على توليد وإنتاج كائنات حية بهذا التعقيد، أم أن هناك خصائص أخرى للمادة ستظهر أيضا. شخصيا أعتقد أن الخيار الثاني سوف يتضح أنه الصواب.»
• الجينات المرنة
يقترح بعض العلماء إضافاتٍ على قائمة القوى التطورية.
فيخبرنا بيلوتشي: «خلال العقد أو العقدان الماضيَيْن الماضي – يساوي العقد عشر سنوات – بدأ العلماء يعتقدون أن هنالك خصائص أخرى للأنظمة المركبة، مثل: الكائنات الحية، يمكن أن تساعد مع عملية الانتقاء الطبيعي، لتشرح كيف لأشياء كالعين وأسواط البكتيريا والأجنحة وصدفة السلحفاة أن تتطور.»
فكرة أن الكائنات مدعومة بالقدرات والمميزات لكي تُغيِّر من خصائصها الفيزيائية وبعض من خصائصها الأخرى أثناء عملية التطور، لكي تستطيع استيعاب التغيرات في البيئة المحيطة بها، هذه ظاهرة تُدعَى (النمطية الظاهرة).
لا يظهر التغير عادة في الجينات؛ ولنضرب مثالا: في خلية النحل، يمتلك العمال والحراس في الخلية نفس الجينوم، لكن اختلاف الجين المُفعَّل في كل منهما يعطيهما مهاما مميزة وأشكالا مختلفة. تحفز العوامل البيئية المحيطة، مثل درجة الحرارة وغذاء الأجنة، نشاط الجينات الذي يكتمل بنحلة عاملة وأخرى حارسة.
يقول بيلوتشي: «إذا كانت هذه القدرة في الكائن الحي نافعة، يمكن أن تُمرَّر إلى الذرية أو السلالة القادمة وهكذا، مما يؤدي إلى تطور خصائص جديدة في الأنواع؛ هذه الخاصية ستورث، ويمكن للانتقاء الطبيعي أن يعطي الأفضلية لمختلف الأنواع من الخصائص والمميزات، اعتمادا على مدى التغيُّرات والظروف البيئية التي تواجِه الكائن الحيّ.»
• تكوّنت وفقا لنظام
التنظيم الذاتي قوة أخرى للتطور، ويقول بعض الخبراء أنها تحفز الخصائص المركبة أو المهام التلقائية في المادة الحية أو غير الحية، وهذه الصفات تُمرَّر إلى السلالة أو الذرية عبر الأجيال.
يقول بيلوتشي: «فلنضرب الأعاصير مثالا من خارج علم الأحياء: بالتأكيد هي ليست حركة هواء عشوائية، ولكن التنظيم العالي لطبقة الغلاف الجوّي يؤدي إلى ارتفاعها بشكلٍ تلقائي لتعطي لنا وضعا بيئيا مناسبا؛ هنالك أدلة كثيرة على أن الكائنات الحية تنتج لنا بعضا من تعقيداتها وتفاصيلها أثناء التطور بطريقة مشابهة.
الصورة الأحيائية الإيضاحية للتنظيم الذاتي هو (البروتين المنثنِي)، سلسلةٌ طويلةٌ من الأحماض الأمينية المنحنية، يتحول وينثني إلى ثلاثة أبعاد بروتينية، والذي يحدِّد شكلُه عملَ البروتين. يتكوّن البروتين من 100 حمض أميني يمكن أن يأخذ عددا لامتناهيا من الأشكال، يحدث هذا الاختلاف بالأشكال خلال ثانية أو ثانيتين في طبيعته، إن أسرع كمبيوتر لا يملك تلك السرعة في تنفيذ مهامه.
إن الآلية التي يتم بها تكوين الشكل النهائي يمكن أن تكون كإشارة كيميائية للنموذج المراد تكوينه.
• المستجدات في الطبيعة:
يمك للبيئة أن تسهم أيضا في التغيير، سواء في شكل الحيوانات أو النمط الظاهري؛ والمقصود بذلك الخاصية التي يمتلكها الكائن الحي للتطور بناءا على التغير الذي يحدث في البيئة المحيطة, وهذه الخاصية التي يملكها الكائن الحي قد شغلت العديد من علماء الاحياء وأبهرتهم .
على سبيل المثال، اكتشف شون كارول Sean Carroll، عالم أحياء جزيئي في جامعة ويسكونسن ماديسون Wisconsin-Madison، نوعا من الفراشات في شرق أفريقيا، تمتلك ألوانا مختلفة اعتمادا على مكان التفقيس، وتظهر الفراشات التي تفقس في الموسم الرطب بألوان وبقع زاهية، أما تلك التي تفقس في موسم الجفاف تكون ألوانها محايدة ومغطاة بلحاء خفي.
لِعِلْم الأحياء فهمٌ واضحٌ وجيد جدا لكيفية تطوُّر الحيوانات من بيضة مُلقَّحة إلى كائن حي كامل مكتمل التفاصيل.
تقول ثيونا بيرسما Theunis Piersma من قسم البيئة والتطور للدراسات في جامعة جرونيجن Groningen في هولندا: «نحن فقط لا نفهم كيف للبيئة المحيطة أن تتفاعل مع الجينات أثناء عملية التطور.»
كشَفَت أبحاث بيرسما عن طيور ساحلية تُدعَى (العقد الحمراء) عن أن الطيور تُغيِّر من نمطها اعتمادا على مسار هجرتها.
فعندما تم إحضارها ووضعها في قفص في مكان بارد، بدأت العضلات المسؤولة عن الطيران والأعضاء في الانكماش لكي تمنع فقدان الحرارة من أنحاء جسمها، وسوف تُمرَّر هذه الخاصية في الطيور إلى السلالة أو الذرية القادمة لكي تبدأ التغيُّرات بالحدوث.
لذا فالغموض بدأ يتبدد حول الأنواع المختلفة التي تطورت مع مجموعة من المميزات والخصائص، فالقسم الذي كان يعتمد سابقا وبشكل غالب على السجلات الأحفورية، حصل على دعم وتقدم مع تطور تكنولوجيا الجينات والتكامل والترابط والدمج، مع مختلف التخصصات في العلوم والربط بين علم الجينات والبيئة والأحياء وعلم الكمبيوتر.
وفي حين يسلِّط العلماء الضوء على الآلية الطبيعية التي تشكل الأنواع، الكثير من الأسئلة في هذا المجال يتم التحضير لها في المختبر؛ والسؤال الأساسي الذي طرحه تشارلز داروين Charles Darwin، ماهي الآلية التي تجعل السلالات الجديدة تتطور، ليس هناك شرح كامل له بعد؛ وهناك سؤال آخر يدور في الذهن، ما هي أهمية حدوث هذا الاحتمال، كبديل عن عملية الانتقاء الطبيعي، لتشكيل الكائنات الحية؟
المصدر: هنا