كتبه لصحيفة “ذي ايكونوميست”: يوفال نوح حراري
منشور بتاريخ: 26/9/2018
ترجمة: مازن سفّان
تدقيق: نعمان البياتي
تصميم الصورة: مثنى حسين
يقول يوفال نوح هراري المؤرخ والكاتب: “إن النظام العالمي المبني على القواعد ينهار، الإصلاح يعني دمج الهوية الوطنيّة مع روح الشعب”.
كان العالم يُحكم، لعدة أجيال، بما نسميه اليوم “النظام العالمي الليبرالي”، خلف تلك الكلمات المتغطرسة توجد فكرة أن كل البشر يتشاركون نفس الخبرات الأساسيّة، القيم والاهتمامات ولهذا فإن أيّاً من المجموعات البشريّة لا تتفوق بطبيعتها على أي من المجموعات الأخرى، ولهذا أيضاً فإن التعاون أكثر عقلانية من الصراع، على كل البشر أن يعملوا معًا لحماية قيمهم المشتركة وتطوير اهتماماتهم المشتركة، والطريقة المثلى لتعزيز هذا التعاون هي بتسهيل حركة الأفكار، والسلع، والمال والبشر حول العالم.
على الرغم من وجود أخطاء ومشاكل في النظام الليبرالي العالمي، إلا إنه أثبت تفوقه على كل الأنظمة البديلة، العالم الليبرالي في بدايات القرن الواحد والعشرين أكثر ازدهارًا، أكثر صحةً، أكثر سلامًا من أي وقت مضى؛ فالجوع يقتل عددًا أقل من البشر من السمنة، والأوبئة تقتل عددًا أقل من البشر من الشيخوخة، والعنف يقتل عددًا أقل من البشر من الحوادث؛ عندما كان عمري ستة أشهر لم أمت بوباء وذلك بفضل الأدوية التي اكتشفها علماء أجانب في بلدان بعيدة، وعندما كنت في سن الثالثة لم أمت من الجوع ويعود الفضل للقمح الذي زرعه مزارعون أجانب على بعد آلاف الكيلومترات عني، وعندما بلغت الحادية عشر لم أفنَ من الوجود بحربٍ نووية ويعود الفضل لاتفاقيات السلام التي وقعها قادة غربيون في الطرف الآخر من العالم، إذا كنت تعتقد أن علينا العودة إلى العصر الذهبي ما قبل الليبراليّة فمن فضلك اذكر لي العام الذي كان فيه العالم في شكل أفضل من بدايات القرن الواحد والعشرين أهو 1918 أم 1718 أم 1218؟.
ومع ذلك، فإن الناس حول العالم بدأوا يفقدون إيمانهم بالنظام
الليبرالي، وقد عادت للواجهة وجهات النظر القوميّة والدينيّة التي تميّز مجموعة إنسانيّة عن أخرى، الحكومات تقيّد بشكلٍ متصاعد تدفق الأفكار، والبضائع، والمال والبشر؛ جدران الفصل تنبثق في كل مكان؛ في الأرض وفي الفضاء الإلكتروني، الهجرة مقيّدة والرسوم الجمركيّة فاعلة.
إذا كان النظام الليبرالي ينهار فما نوع النظام العالمي الأنسب ليكون بديلًا له؟ حتى الآن، كل الذين يتحدون النظام الليبرالي يقومون بأشياء عديدة على مستوى وطني، لديهم الكثير من الأفكار لتطوير الاهتمامات المحليّة لبلدانهم، لكنهم لا يمتلكون رؤية قابلة للتطبيق حول كيفية تشغيل العالم ككل، على سبيل المثال، يمكن أن تكون القومية الروسيّة دليلًا عقلانيًا لإدارة الشؤون الروسيّة، ولكن القومية الروسية لا تمتلك رؤية شاملة لبقية البشريّة، إلا إذا كان تحول القوميّة إلى إمبرياليّة حيث تدعو هذه القوميّة إلى أن تغزو دولة واحدة العالم كله وتحكمه؛ منذ قرن مضى، أمنت عدة حركات قوميّة المأوى لمثل هذه الخيالات الإمبرياليّة، يمتنع قوميو اليوم من روسيا إلى إيران وإيطاليا وتركيا والصين عن الدعوة إلى غزو العالم.
في عالمٍ يشهد تأسيسًا عنيفًا لإمبراطوريّة عالميّة، يحلم قوميون مثل ستيف بانون، فيكتور أوربان والاتحاد الشمالي في إيطاليا ومؤيدو خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي “بقوميّة دوليّة”، حجتهم أن كل الدول تواجه نفس الأعداء؛ إذ إن المشجعين على العولمة، التعددية الثقافية والهجرة يشكلون خطرًا يهدد بتدمير تقاليد وهويات كل الأمم، ولهذا فإن على القوميين حول العالم أن يجدوا قضية مشتركة ليجابهوا تلك القوى العالمية؛ على الهنغاريين، الإيطاليين، الأتراك والإسرائيليين أن يبنوا الجدران والأسوار ويخففوا من حركة الأشخاص، السلع، الأموال والأفكار، عندها سينقسم العالم إلى دول قومية مستقلة لكل منها تقاليدها وهويتها المقدسة، بالاستناد إلى الاحترام المتبادل لتلك الهويات المختلفة تستطيع كل الدول القومية التعاون والتبادل التجاري بسلام بين بعضها؛ هنغاريا ستصبح للهنغاريين، تركيا للأتراك، إسرائيل للإسرائيليين، وسيعرف حينها كل شخص من هو وما موقعه الصحيح في هذا العالم، سيصبح العالم حينها بدون هجرة، قيم عالميّة، تعددية ثقافية وبدون نخبة عالميّة، ولكن بعلاقات سلميّة والقليل من التجارة، باختصار تتصور “القومية العالمية” العالم كشبكة من الحصون المسوّرة ولكن الصديقة بين بعضها.
سيعتقد معظم الناس أن تلك الرؤية هي رؤية عقلانيّة إلى حد ما، لماذا لا تكون تلك الرؤية قابلة للتطبيق بدلاً من الليبراليّة؛ يجب ملاحظة شيئين بهذا الخصوص، أولاً، ما تزال هذه الرؤية هي رؤية ليبراليةّ تفوقيّة، إنها تفترض أنه لا يجب أن تتسيّد أية مجموعة بشريّة على مجموعة أخرى، ولا يجب أن تسيطر أية أمة على أقرانها، فالتعاون الدولي أفضل بكثير من النزاع؛ في الحقيقة، إن الليبراليّة والقوميّة كانتا متحالفتين بشكل وثيق مع بعضهما البعض، لقد حلم القوميون الليبراليون في القرن التاسع عشر مثل جوزيبي جاريبالدي وجوزيبي مازيني في إيطاليا، وآدم ميكفيك في بولندا، بمثل هذا النظام الليبرالي الذي يسود فيه التعايش السلمي بين الأمم.
الأمر الثاني الذي يجب ملاحظته حول تلك الرؤية عن الحصون الصديقة هو إنه تم تجريبها ولكنها فشلت فشلاً ذريعاً، كل المحاولات لتقسيم العالم إلى قوميات صافية باءت بالفشل ونتج عنها حروب وإبادة جماعيّة، عندما حاول ورثة جاريبالدي، مازيني وميكفيك إسقاط إمبراطورية هابيسبرغ متعددة الإثنيات؛ فقد أثبتت هذه المحاولة استحالة إيجاد خط واضح لتقسيم الإيطاليين عن السلوفينيين، أو البولنديين عن الأوكرانيين؛ وفّر هذا الخط الأرضية الملائمة لقيام الحرب العالميّة الثانيّة؛ المشكلة الأساسيّة للحصون القوميّة هي أن كل دولة تريد زيادة في الأرض، الأمان والازدهار على حساب جيرانها، وبدون الاعتماد على القيم العالميّة والمنظمات الدوليّة، لا يمكن أن تتفق الحصون المتناحرة على أية قاعدة مشتركة، فالحصون المسيجة قليلاً ما تكون متصادقة مع بعضها.
لكن إذا حدث وعشت داخل حصن قوي مثل أمريكا أو روسيا، فلماذا ستهتم بكل هذا؟ يتبنى بعض القوميين موقفاً انعزالياً أكثر من هذا؛ إنهم لا يؤمنون بإمبراطورية عالميّة أو حتى بشبكة عالميّة من الحصون، بدلاً من ذلك ينكرون ضرورة أي نظام عالمي أياً كان، يقولون: “يجب على حصننا أن يرفع الأسوار ويمكن لبقية العالم أن يذهب للجحيم، يجب علينا أن نرفض دخول الأشخاص الغرباء، الأفكار الغريبة، السلع الغريبة، وطالما كانت أسوارنا عاليّة وحرّاسها موالون، فمن يهتم بما يحدث للغرباء”.
غير إن هذه النزعة الانعزالية المتطرفة منفصلة تماماً عن الحقائق الاقتصادية، بدون شبكة التجارة الدولية فإن كل الأنظمة الاقتصادية القومية ستنهار بما في ذلك النظام الاقتصادي لكوريا الشمالية، ستنعدم قدرة عدد من الدول على إطعام شعوبها بدون الواردات، وسترتفع الأسعار إلى مستويات جنونيّة؛ إن القميص الذي أرتديه والمصنوع في الصين كلفني حوالي خمسة دولارات، إذا أنتج هذا القميص عمال إسرائيليون من قطن يُزرع في إسرائيل باستخدام آلات من صناعة إسرائيليّة يتم تشغيلها بنفط إسرائيلي (غير موجود)، فسيكلفني هذا القميص عشر أضعاف سعره، إن القادة القوميين من دونالد ترامب إلى فلاديمير بوتين قد يسيئون استخدام شبكة التجارة العالميّة، ولكن لا أحد منهم يفكر في الخروج من هذه الشبكة، لا يمكن أن يكون لدينا شبكة تجارة دولية من دون نوع من النظام العالمي يحدد قواعد اللعبة.
والأهم من ذلك، سواء أحب البشر ذلك أم كرهوه، فإن البشرية تواجه ثلاث مشاكل أساسيّة تسخر من كل الحدود القوميّة، ويمكن حلها فقط عن طريق التعاون الدولي، ألا وهي الحرب النووية، التغير المناخي والاضطراب التكنولوجي، لا يمكنك أن تبني جداراً ضد الشتاء النووي أو ضد الاحتباس الحراري، ولا يمكن لأي أمة أن تتحكم بالذكاء الصناعي أو الهندسة الحيوية ذات الاستخدام الفردي، لن يكون ذلك كافيًا إذا حرّم الاتحاد الأوروبي إنتاج روبوتات قاتلة أو إذا أوقفت الولايات المتحدة الأمريكية التعديلات الجينيّة على الأطفال؛ وبسبب الإمكانات الهائلة لهذه التكنولوجيا المدمرة، حتى إذا قررت دولة ما متابعة هذه المسارات ذات المخاطر المرتفعة والأرباح المرتفعة، فسوف تضطر بلدان أخرى إلى اتباع مسارها الخطر خوفًا من أن تصبح في مؤخرة الدول المتقدمة، إن سباق التسلح بالذكاء الصناعي والتكنولوجيا الحيويّة يوافق الناتج الأسوأ، أياً كان الذي سيربح هذا السباق، فالخاسر سيكون بلا شك البشريّة نفسها؛ في سباق التسلح، ستنهار كل اللوائح، انظر، على سبيل المثال، إجراء تجارب الهندسة الجينية على الأطفال الرضع، ستقول كل دولة: “نحن لا نريد إجراء مثل هذه التجارب – نحن الأفضل، لكن كيف نعرف أن منافسينا لا يفعلون ذلك؟ لا يمكننا تحمل البقاء وراءهم، لذلك يجب علينا القيام بذلك قبلهم”.
بالمثل، انظر إلى تطوير أنظمة الأسلحة ذات التحكم الذاتي، والتي يمكنها إقرار ما إذا ستصوّب وتقتل الناس، أيضًا ستقول كل دولة: “هذه تكنولوجيا خطيرة يجب تنظيمها بحذر، لكننا لا نثق بمنافسينا بتنظيمها، لذا علينا أن نطوّرها بأنفسنا”.
الشيء الوحيد الذي بإمكانه منع سباقات التسلح المدمرة هذه هو الثقة المتعاظمة بين الدول، إنها ليست بالمهمة المستحيلة، إذا وعد الألمان اليوم الفرنسيين: “ثقوا بنا نحن لا نطوّر روبوتات قاتلة في مختبر مخفي تحت جبال الألب في بافاريا”، قد يصدق الفرنسيون الألمان بصرف النظر عن التاريخ الفظيع بين الدولتين، علينا أن نبني مثل هذه الثقة على مستوى عالمي، علينا أن نبلغ مستوى حيث يثق فيه الأمريكيون بالصينيين مثل الألمان والفرنسيين.
وبالمثل، نحتاج إلى إنشاء شبكة أمان عالمية لحماية البشر من الصدمات الاقتصادية التي يحتمل أن يُسببها الذكاء الصناعي، سوف تخلق الأتمتة ثروة جديدة هائلة في مراكز التكنولوجيا الكبيرة مثل وادي السيليكون، في حين أن أسوأ الآثار ستشعر بها البلدان النامية التي تعتمد اقتصاداتها على العمالة اليدوية الرخيصة، سيكون هناك المزيد من فرص العمل لمهندسي البرمجيات في ولاية كاليفورنيا، ولكن وظائف أقل لعمال المصانع وسائقي الشاحنات المكسيكية، لدينا الآن اقتصاد عالمي، لكن السياسة لا تزال قوميّة للغاية، وما لم نعثر على حلول على المستوى العالمي للاضطرابات التي يُسببها الذكاء الصناعي، فقد تنهار بلدان بأكملها، وتؤدي الفوضى والعنف وموجات الهجرة الناجمة عن ذلك إلى زعزعة استقرار العالم بأسره.
هذا هو المنظور الصحيح للنظر في التطورات الأخيرة مثل بريكسيت (خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي)، ليس بريكسيت بالضرورة فكرة سيئة في حد ذاته، لكن هل هذا ما يجب على بريطانيا والاتحاد الأوروبي التعامل معه الآن؟ كيف يساعد بريكسيت في منع الحرب النووية؟ كيف يساعد بريكسيت في منع تغير المناخ؟ كيف يساعد بريكسيت في تنظيم الذكاء الاصطناعي والهندسة الحيوية؟ بدلاً من المساعدة، يجعل بريكسيت من الصعب حل كل هذه المشاكل، إن كل دقيقة تنفقها بريطانيا والاتحاد الأوروبي على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي هي دقيقة تُهدر على منع تغير المناخ وعلى تنظيم الذكاء الصناعي.
من أجل البقاء والازدهار في القرن الحادي والعشرين، تحتاج البشرية إلى تعاون عالمي فعّال، وحتى الآن، تقدم الليبرالية المخطط العملي الوحيد لهذا التعاون، ومع ذلك، تقوض الحكومات في جميع أنحاء العالم أسس النظام الليبرالي، ويتحول العالم إلى شبكة من الحصون، أول من يشعر بالتأثير هو أضعف أعضاء البشرية، الذين يجدون أنفسهم دون أي حصن يرغب في حمايتهم؛ اللاجئون والمهاجرون غير الشرعيون والأقليات المضطهدة، ولكن إذا استمرت الجدران في الارتفاع، فسوف تشعر البشرية بأسرها بالضغط.
لكن هذا ليس مصيرنا الذي لا مفر منه، لا يزال بوسعنا المضي قدماً بجدول أعمال عالمي حقيقي، يتجاوز مجرد الاتفاقيات التجارية، ويؤكد على الولاء الذي ينبغي أن يدين به جميع البشر لجنسنا البشري وكوكبنا، يتم تشكيل الهويات خلال الأزمات، تواجه البشرية الآن الأزمة الثلاثية للحرب النووية، تغير المناخ والاضطرابات التكنولوجية، وما لم يدرك البشر مأزقهم المشترك ويصنعوا قضية مشتركة، فمن غير المرجح أن ينجو العرق البشري من هذه الأزمة، وكما حدث في القرن الماضي، فإن الحرب الصناعية الشاملة أقامت “أمة” من العديد من الجماعات المتباينة، لذلك في القرن الحادي والعشرين، يمكن للأزمة العالمية الوجودية أن تشكل جمعاً إنسانياً من دول متفاوتة.
لا ينبغي أن يكون إنشاء هوية عالمية جماهيرية مهمة مستحيلة، فالشعور بالولاء للبشرية ولكوكب الأرض ليس أصعب في الأصل من الشعور بالولاء لأمة تضم ملايين من الغرباء الذين لم أقابلهم أبداً ولم ألتقيهم قط في أقاليم عديدة، خلافا للحكمة الشائعة، لا يوجد شيء طبيعي حول القومية تكمن جذوره في علم الأحياء البشري أو علم النفس؛ صحيح أن البشر حيوانات اجتماعية، مع ولاء جماعي مطبوع في جيناتنا، ومع ذلك، وعلى مدى ملايين السنين عاش الإنسان العاقل وأسلافه الشبيهة بالإنسان في مجتمعات صغيرة حميمة لا يتجاوز عددهم بضع عشرات، وبالتالي، فإن البشر يطورون الولاء للمجموعات الصغيرة مثل العائلات والقبائل والقرى، التي يعرف فيها الجميع بعضهم البعض. لكن من الطبيعي أن يكون البشر مخلصين لملايين الغرباء المطلقين.
لم تظهر مثل هذه الولاءات الجماعية إلا في الألف سنة الأخيرة – أي صباح أمس، على الجدول الزمني للتطور – واندمجت من أجل التعامل مع المشكلات واسعة النطاق التي لا تستطيع العشائر الصغيرة أن تحلها بنفسها، في القرن الحادي والعشرين، نواجه مشاكل عالمية لا تستطيع حتى الدول الكبرى أن تحلها بنفسها، وبالتالي من المنطقي تحويل بعض من ولاءاتنا إلى هوية عالمية على الأقل، يشعر البشر بطبيعة الحال بأنهم موالون لمئة من الأقارب والأصدقاء الذين يعرفونهم بشكل وثيق؛ كان من الصعب للغاية جعل البشر يشعرون بالولاء تجاه مئة مليون من الغرباء الذين لم يقابلوهم قط، لكن القومية نجحت في فعل ذلك بالضبط، الآن كل ما نحتاجه هو جعل البشر يشعرون بالولاء إلى ثمانية مليارات شخص غريب لم يلتقوه أبداً، وهذه مهمة شاقة للغاية.
صحيح أنه من أجل صياغة الهويات الجماعية، فإن البشر يحتاجون دائمًا إلى نوع من العدو المشترك المهَدِد، لكن لدينا الآن ثلاثة من هؤلاء الأعداء؛ الحرب النووية، تغير المناخ والاضطراب التكنولوجي، إذا تمكنت من جعل الأميركيين يقفون خلفك عن طريق صراخ: “المكسيكيين سيأخذون وظائفك!” ربما يمكنك أن تجعل الأمريكيين والمكسيكيين يصنعون قضية مشتركة من خلال الصراخ “الروبوتات ستأخذ وظائفك!”.
هذا لا يعني أن البشر سوف يتخلون تماماً عن هويتهم الثقافية أو الدينية أو القومية الفريدة، يمكنني أن أكون مخلصًا في وقت واحد إلى عدة هويات؛ إلى عائلتي، قريتي، مهنتي، بلدي، وأيضا إلى كوكبي وكل الأنواع البشرية.
صحيح إنه في بعض الأحيان قد تتصادم الولاءات المختلفة، ومن ثم ليس من السهل تحديد ما يجب فعله، لكن من قال إن الحياة كانت سهلة؟ الحياة صعبة، تعامل معها، في بعض الأحيان نضع العمل قبل الأسرة، وأحيانًا أخرى الأسرة قبل العمل، وبالمثل، في بعض الأحيان نحتاج إلى وضع المصلحة الوطنية أولاً، ولكن هناك مناسبات نحتاج فيها إلى تمييز المصالح العالمية للبشرية.
ماذا يعني كل هذا عمليًا؟ حسناً، عندما تأتي الانتخابات القادمة، ويطلب منك السياسيون التصويت لهم، اسأل هؤلاء السياسيين أربعة أسئلة:
· إذا تم انتخابك، ما الإجراءات التي ستتخذها للتقليل من مخاطر الحرب النووية؟
· ما الإجراءات التي ستتخذها للتقليل من التغيّر المناخي؟
· ما الإجراءات التي ستتخذها لتنظيم الاضطرابات التكنولوجيّة مثل الذكاء الصناعي والهندسة الحيويّة؟
· وأخيرًا، كيف ترى العالم عام 2040؟ ما هو أسوأ سيناريو تضعه، وما هو أفضل سيناريو تضعه؟
إذا كان بعض السياسيين لا يفهمون هذه الأسئلة، أو إذا كانوا يتحدثون باستمرار عن الماضي دون القدرة على صياغة رؤية ذات معنى للمستقبل، فلا تصوتوا لمثل هؤلاء السياسيين.
المقال باللغة الإنجليزيّة: هنا