كتبه لموقع “ذي اتلانتك”: مارليس سيلفر سويني
نشر بتاريخ: 12/11/2014
ترجمته بتصرف: سوسن محرز
تدقيق: نعمان البياتي
تصميم الصورة: مرتضى ضياء
تشير إحصائيات وزارة العدل الأمريكية إلى أنَّ 850.000 من البالغين الأمريكيين -معظمهم من النساء- أهداف للمطاردة الإلكترونية كل عام، وأنَّ 40 %من النساء تعرضن لعنف جنسي أُرسِل إلكترونياً، كما كشفت دراسة حديثة أجراها مركز (بيو) للأبحاث أنَّ 40% من مستخدمي الإنترنت البالغين تعرضوا للتحرُّش عبر الإنترنت، مع تكبُّد النساء الشابات لأشكال قاسية منه.
ما هي الجريمة بالضبط؟
عندما يُغزَى فضاؤنا الرقمي عبر التحرُّش الجنسي والرسائل العنيفة والتهديدات، وعندما تتعرَّض بياناتنا ومعلوماتنا وصورنا الخاصة للخطر يجب أن يكون الأمر عندها ضد القانون؛ “هذه ليست فضيحة، إنها جريمة جنسية!” هذا ما قالته جينيفر لورنس لمجلة فانيتي فير بعد تسريب صورها، “إنه انتهاك جنسي، هذا مقرف، يجب تغيير القانون، ونحن بحاجة إلى التغيير أيضاً”.
في الوقت الراهن، ثمة القليل من الطرق التي يُمكن للضحايا من خلالها التعامل مع مهاجميهم من خلال القانون، سواء أكان القانون مدنياً أم جنائياً، لكن هذه القنوات لا تقدِّم دائماً العدالة التي يسعى إليها الناس؛ من المُلاحَظ أنَّ القانون بطيء جداً في التكيُّف مع التكنولوجيا، لكنَّ الباحثين القانونيين يقولون إنَّه إذا عُمِلَ بالقانون بشكل صحيح، فيمكن استخدامه كأداة لوقف هذا السلوك.
تقول دانييل سيترون الأستاذة في مدرسة (فرانسيس كينج كاري) التابعة لجامعة ميريلاند في أبسط تعريف قانوني للملاحقة الإلكترونية: “إنَّها مسار سلوك متكرِّر يستهدف شخصاً ما للتسبُّب في كرب عاطفي وخوف من الأذى الجسدي؛ يمكن أن تشمل الملاحقة الإلكترونية تهديداتٍ بالعنف (غالباً ما تكون جنسية)، ونشر أكاذيب مثبتة كحقائق (مثل أنَّ شخصاً ما يحمل فيروس الهربس أو أنَّ له سجلاً جنائياً، أو أنَّه مفترِس جنسي) ونشر معلومات حساسة على الإنترنت (سواء أكانت صوراً عارية أم فاضحة أو أرقام الضمان الاجتماعي) والهجمات التكنولوجية (إغلاق حساب من حسابات وسائل التواصل الاجتماعي للشخص زوراً)، وفي كثير من الأحيان تشمل الملاحقة الإلكترونية عاصفة كاملة من كل هذه الأشياء”.
عندما يحدث هذا للضحية، يُمكنهم أن يتقدموا بشكواهم إلى واحد من عوالم نظام العدالة: الجنائي أو المدني؛ في المحكمة المدنية، يُمكن لضحايا هذه الأنواع من الهجمات الإلكترونية أن يرفعوا دعوى على المتحرشين من خلال ما يُسمَّى قانون الضرر والمعروف باسم الأخطاء المدنية، هناك، يُمكن للضحايا الادعاء حول قضايا التشهير والتسبُّب المتعمَّد للكرب العاطفي والتحرُّش والكشف العلني عن الحقائق الخاصة.
في الدول التي تمتلك قوانين خاصةً بالتحرُّش والمضايقة عبر الإنترنت مثل كاليفورنيا وإلينوي وماساتشوستس، يمكن للضحايا نظرياً رفع تهم جنائية ضد مطارديهم والمتحرشين بهم عبر الإنترنت. (نقول نظرياً، لأنَّنا سنرى لاحقاً أنَّ هذا لا يحدث دائماً كما ينبغي)، ولكن بالنسبة إلى الذين يعيشون في دولة لا تسود فيها هذه القوانين، تكون هناك القليل من الملاذات الأخرى.
في حالة (إيان باربر) مثلاً التي كانت أول حالة “انتقام إباحي” في نيويورك، ووفقًا لوثائق المحكمة، يُزعم أنَّه عام 2013 نشر باربر صوراً عارية لصديقته السابقة على حسابه على (تويتر) وأرسل الصور إلى رب عمل الفتاة وأختها، وقد اتُّهم بثلاث جرائم بما فيها التحرُّش المُشدَّد من الدرجة الثانية، ومع ذلك، رفض القاضي جميع التهم الثلاث؛ ففيما يتعلَّق بتهمة التحرُّش المُشدَّد، تتطلَّب الجريمة من المتهم الاتصال مع الضحية، سواء بشكل مجهول أم غير ذلك عبر الهاتف أو التلغراف أو البريد أو أي شكل آخر من أشكال الاتصال الكتابي، وبما أن باربر لم يرسل الصور إلى صديقته، فقد خلص القاضي إلى أنَّه لا يمكن تحميله المسؤولية بموجب هذا الجزء من قانون العقوبات.
تقول سيترون: “يُمكننا ويجب علينا إصلاح تلك القوانين”، ولكن قد يكون من الصعب إعادة كتابة القوانين مراراً وتكراراً مع تغيُّر التكنولوجيا، ولهذا السبب تفضِّل سيترون ما تُسمِّيه لغة “محايدة تقنياً” يُمكنها تحمُّل التغييرات في العالم الرقمي، وتقول: “استبدلَ الكونجرس اللغة من “التحرُّش بأي شخص على الرقم الذي تمَّ الاتصال به أو الذين تلقوا الاتصالات”، إلى “التحرُّش بأي شخص معين”.
لكن الأمر لا يتعلَّق دائماً بالضوابط قانونية، بل ثمة أيضاً ثغرات في تعليم قوات الشرطة؛ إذ وجدت سيترون أنَّ العديد من وكالات الشرطة لا تخصِّصُ موارد لمحاربة هذا النوع من الجرائم، ففي كثير من الأحيان يتم إخبار الضحايا الذين يذهبون إلى الشرطة بأنَّها مسألة مدنية، وليست جريمة جنائية، في حين أنَّ هناك قوانين جنائية بالفعل لوقف التحرُّش؛ تقول سيترون إنَّ العديد من قوات الشرطة “ليسوا مدربين؛ يُمكننا أن نفعل شيئاً أفضل حيال ذلك”.
ما الذي يجب على النساء اللاتي يواجهن المضايقات عبر الإنترنت فعله؟ في ظل عدم تلقيهن الدعم من الشرطة، وفي مواجهة القوانين المربكة وغير المفيدة، هناك بعض الخطوات الأولية التي يمكن أن تتخذها الضحايا لحماية أنفسهن، كما تقول (جين هيتشكوك)، رئيس منظمة “العمل من أجل وقف الاعتداء عبر الإنترنت”؛ أولاً، على الرغم من أنَّها قد لا تكون مفيدة، إلا أنَّ جين تشجع الضحايا على إخبار السلطات المعنية والطلب من المتحرِّش أن يتوقف عن الاتصال بهن، ثم، يجب عليهن التوقف عن الاستجابة للرسائل أو الاتصالات عبر الإنترنت من المتحرِّش بهن، وعلى الرغم من أنَّه من المغري حذف الرسائل، تقول (هيتشكوك) إنَّه يجب الاحتفاظ بكل شيء وتوثيقه سواء داخل التطبيق أو النظام الذي تم إرسال الرسائل به، وأخذ لقطات للشاشة في حال حاول المتحرش حذف الرسائل نفسها.
تقول (هيتشكوك) إنَّه إذا كانت الاتصالات تأتي من بريد إلكتروني مجاني أو حساب وسائل التواصل الاجتماعي، يجب على المستخدمين تقديم شكاوى إلى الشركة، والإبلاغ عن الرسائل على وسائل التواصل الاجتماعي، وحظر الشخص من الهاتف أو قائمة الأصدقاء، بطبيعة الحال، لا تملك شركات التواصل الاجتماعي بشكل عام سجلاً كبيراً في التعامل مع الإساءة، لكن (هيتشكوك) تقول إنَّ الإبلاغ عن الإساءات أمرٌ لا يزال يستحق القيام به.
إنَّ أي قدر من التحديث القانوني لن يحل مشكلة التحرش القائم على أساس الجنس عبر الإنترنت، فهذه مشكلة اجتماعية بقدر ما هي قضية قانونية، ولكن عندما يعمل الملاحقون والمتحرِّشون والمتنمِّرون على الإنترنت بأمان على افتراض أنَّه لن يتم القبض عليهم أبداً، فقد يكون الوقت قد حان لإعادة النظر في القوانين والسياسات والممارسات التي تحميهم، إذ إنَّ الواقع الافتراضي يُصبح واقعنا.
على ما يبدو أنَّ شبكة الإنترنت قد أصبحت مجرَّد زقاق آخر يجب على النساء أن تعبره بشكل أسرع وهنَّ يتلفتن يمنةً ويسرةً في الليل، ولكن على الأقل فالشوارع لها قوانين واضحة!
ماذا عن الوضع في العالم العربي؟ أين وصل قانون الجرائم الإلكترونية في بلادكم؟ وهل تشعرون أنَّكم في مأمن أثناء تصفحكم الإنترنت؟
المقال باللغة الإنكليزية: هنا