كتبه لموقع “بيغ ثينك”: ستيفن جونسن
منشور بتاريخ: 18/6/2018
ترجمة: عباس قاسم
تدقيق ومراجعة: نعمان البياتي
تصميم: مينا خالد
أظهرت دراسة جديدة أن الأمريكيين الذين صوتوا للرئيس دونالد ترامب في انتخابات عام 2016 أظهروا مستويات مرتفعة من الاشمئزاز الجنسي وهو عامل يعتقد علماء النفس بأن له تأثيراً على كيفية تصويت الناس.
تشكل الاكتشافات المنشورة في صحيفة علم النفس التطوري مدخلاً مفاجئاً في الأبحاث النامية حول كيفية تفاعل حساسية التقزز مع التوجهات السياسية.
ولكن أولاً، لماذا قد يؤثر التقزز على سياسات شخص ما؟
طبقاً لعلم النفس التطوري فإن الإجابة متأصلة بعمق؛ إن إحدى أهم وظائف شعور القرف هو المساعدة في تجنب الأمراض من خلال إثارة اشمئزازنا حين نكون بالقرب من مسببات الأمراض، ويفسر هذا لماذا يرى أغلب الناس بعض الأمور منفرة: كالبول والبراز والقيئ. إن مشاعر القرف هذه هي جزء من جهازنا المناعي السلوكي، والذي يمكن تعريفه على إنه مجموعة من العادات المتأصلة فينا والتي تُعيننا على الحفاظ على صحتنا، وبدون هذا الجهاز ربما لن نمانع أن نقضم قطعة خبز مغطاة بالعفن، أو ألا نغسل أيدينا عند الخروج من الحمام.
أظهرت الأبحاث التي أجريت على مدار العقدين السابقين، إن الناس الذين يتقززون بسهولة أكثر عرضة لأن يقوموا بـ:
– دعم الأيديولوجيات والأحزاب السياسية المحافظة.
– معارضة زواج المثليين والإجهاض والهجرة.
– الشجب الشديد للانتهاكات الأخلاقية.
إن إحدى التفسيرات الشائعة لهذه التأثيرات في علم النفس التطوري تقترح إن حساسية القرف العالية تدفع بالناس نحو النزعة المُحافِظة لأن أيديولوجيتها أكثر اتساقاً مع مبدأ تجنب مسببات المرض منها من الليبرالية، ومن الأمثلة على ذلك هي معارضة الهجرة:
يمثل المهاجرون مجموعة خارجية وخلال التاريخ الإنساني فإن التواصل مع المجموعات الأجنبية يزيد إمكانية الإصابة بالأمراض لذلك فأن الرغبة في تجنب الاتصال مع المجموعات الخارجية، رغم قباحته فقد يكون تطوراً تكيفياً جزئياً، يشعر به بشدة الناس ذوو الحساسية العالية للقرف.
تمثل هذه إحدى وجهات النظر في المحادثة عن الاشمئزاز والسياسة، ولكن يبدو إن فرضية أخرى مبنيّة على الاستراتيجيات الجنسية تفسر على نحو أفضل العلاقة بين حساسية القرف والأيديولوجيا المحافظة؛ تقترح هذه النظرية إن الناس الذين يتقززون بسهولة، من المرجح لهم أن يتبعوا استراتيجية جنسية طويلة الأمد وأحادية الزوج، على النقيض من استراتيجية العلاقات الجنسية قصيرة الأمد وبشركاء جنسيين متعددين (والتي تعني احتمالية أعلى للإصابة بالأمراض).
ويقترح الباحثون إن هذا الموقف الأساسي نحو الجنس قد يُكوِّن مواقف محافظة تجاه المشاكل السياسية.
وقد كتب مؤلف الدراسة قائلاً “بما إن دعم الزواج الأحادي ومعارضة الانفلات الجنسي هي أعمدة الأيديولوجيا المحافظة، فإن هذه الاكتشافات تشير إلى سبل واضحة تقترح من خلالها إن حساسية الاشمئزاز قد تتطور إلى توجه سياسي محافظ اجتماعياً”.
من أجل الدراسة قام 585 شخص بالإجابة عن استبيانات لصالح (ميكانيكال تورك) التابعة لشركة أمازون والتي سجلت توجهاتهم السياسية وسجل التصويت وحساسية الاشمئزاز، وقد صادق عليها جميعها مجلس المراجعة المؤسسية التابع لجامعة ميامي.
وأكمل المشاركون استطلاعين لقياس حساسية التقزز، وقد كان في أحدها طلب لتقييم “كم هو مقرف” برأيهم في ثلاث مواضيع: الأخلاق ومسببات الأمراض والجنس؛ وقام المشاركون بتقييم كم هو مقرف “رؤية عفن على بقايا الطعام في الثلاجة” و”تزوير توقيع شخص ما في وثيقة رسمية”، وبالنسبة للجنس فقد قام المشاركون بتقييم مدى قرف بعض الأمور مثل “ممارسة الجنس الفموي” و”مشاهدة فيديو إباحي” و”جلب شخص التقيته للتو إلى غرفتك لممارسة الجنس”.
وأظهرت النتائج إن الاشمئزاز الجنسي كان أفضل طريقة لتوقع إن كان شخص ما قد صوت بتحفظ.
“… تتوسط حساسية الاشمئزاز الجنسي توسطاً كاملاً كل التأثيرات المتعلقة بالعلاقة ما بين حساسية التقزز من مسببات المرض والتوجه السياسي الاجتماعي وسلوك الانتخاب والانتماء الحزبي، وتعتبر هذه النتائج متوافقة أكثر مع نموذج الاستراتيجية الجنسية وغير متماشية مع نموذج تجنب مسببات الأمراض، إذ لم نجد دليلاً على إن الاشمئزاز من مسببات المرض قد تنبأ بأي من نتائج القياس الثلاثة المستعملة هنا بغض النظر عن التقزز الجنسي”.
كانت انتخابات عام 2016 حالة دراسة مميزة لحساسية الاشمئزاز بحسب ما جاء عن الباحثين، لأن حملة الرئيس ترامب كانت معروفة برأيها الصريح في معاداة الهجرة واستخدام استعارات بلاغية مرتبطة بمسببات الأمراض، وكلمات مثل “قذر و”مقزز” أو قول “كان هنالك دم يخرج منها في كل مكان”، ولهذا السبب فإنه من المفاجئ أن التقزز الجنسي هو العامل المسبب للسلوك الانتخابي، وليس مسببات المرض أو الأخلاقيات من ناحية حساسية التقزز.
وكانت المفاجأة أيضاً في النتائج بين مصوتي الطرف الثالث:
“…رفع الاشمئزاز الجنسي الكبير من فرص أتباع الحزب الجمهوري بدلاً من الحزب الليبرالي، والتصويت لدونالد ترامب بدلاً من المرشح الرئاسي عن الحزب الليبرالي غاري جونسون (أظهرت معينات أجريت عن وسائل المجموعة لكل حزب سياسي بأن الحزب الليبرالي بالفعل هو الأقل حساسية لكل من مسببات المرض والتقزز الجنسي)”.
وقد ذكر الباحثون أن دراستهم كانت عامة، ولم تسأل المشاركين عن مشاكل سياسية محددة، وذكروا أيضاً إن دراسات أخرى أُجريت، تدعم فكرة إن الاشمئزاز المرتبط بمسببات المرض يؤثر تأثيراً كبيراً على الآراء المتعلقة بالهجرة وبالتالي التأثير في التوجه السياسي على نطاق واسع.
“ولهذه الأسباب فإننا بالتأكيد لن نستبعد دور تجنب مسببات المرض في تشكيل بعض المواقف الاجتماعية المحافظة وفي مقدمتها الموقف تجاه الهجرة”.
يقول الباحثون إنه على أية حال فإن التقزز الجنسي يؤثر على سلوكياتنا السياسية بمستوى غير مهوم بشكل كامل حتى الآن.
“مهما يكُن تأثير الاشمئزاز من مسببات المرض على مشكلات اجتماعية معينة، فإن النتائج الحالية تظهر إن التقزز الجنسي يمكن أن يؤثر على المواقف السياسية الفردية بقوة وعلى نحو كافٍ للتأثير في أهم نتيجتين سياسيتين في مجتمعنا وهما: الحزب الذي سننحاز إليه والرئيس الذي سنصوت له”.
رابط المقال باللغة الإنجليزية: هنا