منشور في موقع (ايكونومست) بتاريخ: 9/9/2017
ترجمة: أحمد طريف المدرس
مراجعة وتدقيق: آلاء عبد الأمير
تصميم: مينا خالد
يعتبر “كريغ فينتر” متمرداً إلى حدٍ ما، وهو عالم أحياء ومدير شركة “هيومان لونغفتي” المتواجدة في سان دييغو، تبني الشركة أكبر قاعدة بيانات للجينوم البشري، حيث صرح في أواخر التسعينات أن المشروع الدولي لتعقب الجينوم البشري لا يسير في الاتجاه الصحيح، وأنه طور طريقة أسرع وأرخص للقيام بذلك. ويعود من جديد للواجهة بعد عمله على تقنية للتوقع مظهر الشخص بناءً على بيانات الجينوم الخاصة به.
جمعت شركة هيومان لونغفتي 45 ألف عينة من الجينوم البشري، معظمها من مرضى خاضعين لتجارب سريرية، كما جمعوا أيضا السمات البدنية المرتبطة بهم. تستخدم الشركة التعلم الآلي لتحليل هذه البيانات ثم وضع تنبؤات حول كيفية ربط التسلسلات الجينية بالخصائص البدنية. وقد تطورت هذه التقنية إلى حد قدرة الشركة على توليد صور تشبه الصور الفوتوغرافية للأشخاص بدون إلقاء حتى نظرة خاطفة عليهم.
وشرح الدكتور فينتر وزملاؤه هذه العملية من خلال ورقة علمية في “وقائع الأكاديمية الوطنية للعلوم”، والتي يسمونها “تحديد الجينوم القائم على النمط الظاهري”. حيث أخذت مجموعات متنوعة عرقيا من 1061 شخص من مختلف الأعمار وتم جمع تسلسل الجينوم الخاص بهم. كما التقطوا صوراً عالية الدقة وثلاثية الأبعاد لوجوههم وحددوا لون عيونهم وجلدهم وعمرهم وطولهم ووزنهم، ثم تم استخدام هذه المعلومات كـتدريب لتطوير خوارزمية قادرة على فهم ما سيبدو عليه الناس على أساس جيناتهم.
وبتطبيق هذه الخوارزمية على عينات جينوم غير معروفة، تمكن الفريق من توليد صور مطابقة للصور الحقيقية لثمانية من كل عشرة أشخاص. (انخفضت النسبة إلى خمسة من عشرة عندما كان الاختبار يقتصر على أشخاص من العرق الواحد، مما يضيق نسبة فروق الوجه). قبل حوالي عام وباستخدام نفس الخوارزمية أنتجت الشركة تنبؤاً بشكل الشخص في سن ال 20 اعتمادًا على الجينوم. و يمكن مقارنة النتيجة الواضحة في الصورة.
ولكن “جايسون بايبر ” الموظف السابق في هيومان لونغفتي سارع الى انتقاد المشروع على وسائل التواصل الاجتماعي قائلاً: “نظراً لأن كل فرد يبدو قريباً من الشكل المتوسط لعرقه، فإن الجميع قد يبدون وكأنهم حصلوا على توقع صحيح”. ولكن هناك شيء واحد يحسب للدكتور فينتر، و هو أن النتائج تستند إلى مجموعة صغيرة نسبياً من الناس. مع تقنيات التعلم الآلي، كلما كانت مجموعة البيانات أكبر كلما كانت النتائج أفضل، كما أن العمل مع عشرات الآلاف من عينات الجينوم يمكن أن يحسن معدل التنبؤ.
إن إنشاء صور لوجوه الأشخاص من الجينوم سيحمل عدداً من الاستخدامات المحتملة، خاصة في علم الطب الشرعي. قد نتمكن من إعادة بناء وجه المجرم من أي دليل جيني تركه خلفه، مثل الدم أو سوائل الجسم. وهذا من شأنه أن يسمح للشرطة بـ “رؤية” وجه المشتبه بهم في حالات القتل والاعتداء والاغتصاب. كما يمكن أن يساعد في التعرف على الضحايا في الحالات الصعبة مثل الذين تم حرقهم أو تشويههم. و يمكن إعادة فتح القضايا غير المحلولة إذا كانت العينات المناسبة لا تزال متاحة.
وكما يشير الدكتور فينتر فأن هذه التكنولوجيا لها آثار أخرى، من بينها أثارها على الخصوصية. وهو يعتبر أن المعلومات الجينية يجب أن تعامل الآن على أنها معلومات شخصية، وهو يحذر من أنه من الممكن بناء وجه من البيانات الجينية المحدودة التي ينشرها الأفراد حالياً على الإنترنت مثل خدمات اختبار الحمض النووي23andMe.
وهذا يثير احتمال انعدام رغبة المتطوعين في أن تُضمن بياناتهم الجينية في مشروع الجينوم البشري، على الرغم من أن هذا المشروع قد يساعد في مكافحة الأمراض. و إذا كان بالإمكان إجراء توقعات لشكل الوجه من الجينوم، يمكن عندئذ مطابقة مظهر شخص ما مع صوره على الإنترنت. قد يعني هذا أن تسلسل جينوم الفرد وجميع عيوبه سيتم ربطها بهويته علناً.
و يمكن أن تعمل هذه التقنية في كلا الاتجاهين. تماماً كما يمكن استخدام الجينوم لبناء صورة الوجوه، كذلك ستكون ملامح الوجه قادرة على الكشف عن الأمراض الوراثية. ويقدر أن 30-40٪ من الأمراض الوراثية تسبب تغيرات في شكل الوجه أو الجمجمة، مما يسمح في بعض الحالات لأطباء ذوي خبرة بتشخيص الحالة بمجرد النظر إلى وجه المريض. فلماذا لا نأتي بتطبيق للقيام بذلك؟
المعالج الوجهيّ
هذا ما تفعله الشركات بالفعل، “فايس تو جين” هو تطبيق للهواتف الذكية طورته شركة “أف دي أن أي”، وهي شركة ناشئة في بوسطن تأسست من قبل “موتي شنيبرغ” و”ليور ولف”. مغامرة السيد شنيبيرغ تم شراؤها من قبل فيسبوك لتطوير خاصية (الإشارة في الصور) لتحديد الأشخاص في الصور التي تم رفعها على موقع التواصل الاجتماعي. يسمح التطبيق للطبيب بالتقاط صورة للمريض ورفعها إلى الإنترنت، إلى جانب طول المريض والوزن والبيانات السريرية، والسماح لخوارزمية الشركة بإنتاج قائمة بالأمراض المحتملة من قاعدة بياناتها على الإنترنت. يمكن للتطبيق الوصول إلى معلومات 10000 مرض، تنجح خاصية تحديد الوجوه في تشخيص 2،500 مرض منها حتى الآن.
كل تشخيص يأتي مع نسبة لصحته، كما يوضح أي طفرات جينية معروفة قد تكون مسببة للمرض، والتي يمكن أن تساعد في تحليل حالة المريض. يُقدّر “ديكل جيلبمان” الرئيس التنفيذي للشركة أن التطبيق يستخدمه الأطباء والباحثون في 130 دولة، حيث يتم تخزين بيانات المرضى بشكل آمن مجهول الهوية ومشفر.
وكما هو الحال مع عمل الدكتور فينتر، كلما ازدادت مجموعة البيانات المتوفرة للبحوث الوجهية، كلما أصبحت أكثر قيمة. أنشأ “كريستوفر نيلاكر” من جامعة أكسفورد موقعاً إلكترونياً ياسم “منيرفا اند مي”، حيث يمكن للأشخاص من المرضى والأصحاء تحميل صورهم وتقديم موافقة على استخدامها في الدراسات. كما يعمل على إنشاء شبكة اتحاد مينيرفا، لتشجيع الباحثين في مجال الذكاء الاصطناعي على مشاركة بياناتهم.
يحاول “ماكسيميليان مونكي” من معهد أبحاث الجينوم البشري الوطني في بيثيسدا، مع “ميريلاند وماريوس لينغورارو” من النظام الصحي الوطني للأطفال في واشنطن، توسيع الأمور أكثر، وقد قاموا بنشر سلسلة من الدراسات باستخدام خوارزميات التعرف على الوجه التي تم تدريبها باستخدام صور للمرضى من الأفارقة والآسيويين والأمريكيين اللاتينيين للتعرف على الأمراض الوراثية المختلفة بدقة تتجاوز 90٪. في العديد من البلدان الفقيرة لا تتوفر اختبارات ما قبل الولادة باهظة الثمن لتحديد الأمراض الجينية، فالطفل المصاب بمتلازمة داون على سبيل المثال عادة ما يتم كشف حالته قبل الولادة في أوروبا وأمريكا، ولكن في الدول الفقيرة لا يتم تشخيص الكثير منها قبل بلوغها سنة. يعتزم الباحثون إنتاج تطبيق يساعد الأطباء على تحديد العشرات من المتلازمات الشائعة باستخدام الهاتف الذكي.
المقال باللغة بالإنجليزية: هنا