كتبه لموقع (ذي كونفيرزاشن): مونيكا شميد
نشر بتاريخ: 10\حزيران\ 2018
ترجمة: ياسر منهل
تدقيق: ريام عيسى
تصميم الصورة: مينا خالد
أثارت دراسة جديدة حول إمكانية تعلم لغة ثانية زوبعة كبيرة في وسائل الاعلام، اذ ظهرت عناوين عديدة في كل من إذاعة ال BBC وكل من صحيفة (ذا دايلي ميل) و(ذا غارديان) وصحف أخرى، تستنكر الرسالة المثيرة للإحباط التي حملتها دراسة ظهرت حديثاً والتي مفادها انه من المستحيل تعلم لغة اجنبية بطلاقة بعد بلوغ العاشرة من العمر. بيد أن جميع هذه التقارير الصحفية قد شوهت نتائج الدراسة حيث قدمت هذه الصحف فكرة خاطئة ومغلوطة تماماً عن نتائج الدراسة.
واحد الأسباب التي تثبت أن الاعلام كان مخطئ في تناوله للدراسة هي أن كلمة “طلاقة او طليق اللسان” لم ترد في الدراسة المذكورة انفاً المنشورة في مجلة (كوغنيشين). وهناك سبب معقول لذلك، وهو أن كاتب المقال، او أي عالم اخر مهتم بدراسة تأثير التقدم بالعمر في اكتساب لغة اجنبية، ليسوا مهتمين على الاطلاق بدراسة “الطلاقة” في نطق اللغة الجديدة.
فالتحدث بالطلاقة بلغة اجنبية يعني أن تكون قادر على التواصل بسهولة مع الناطقين بهذه اللغة، أي من دون أن تكون متوتر سواء كنت مستمعا ام متحدثاً. فالرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون يمتلك طلاقة عند التحدث بالإنكليزية رغم أنها ليست لغته الام كما أنه قد يستخدم في بعض المناسبات كلمة “شهي” -delicious-في الوقت الذي يريد ان يقول “مبهج” -delightful-.
فأي شخص يمكنه أن يتحدث بطلاقة بأي لغة كانت وفي أي عمر كان. حتى أنه من غير الصحيح ما يشاع بأن الأطفال الصغار يتعلمون اللغات بصورة أسرع من الأطفال الكبار او البالغين: فلو تم تعليم فئات عمرية مختلفة لمستوى مشابه من التعليم حول لغة ثانية ما فإن الفئات العمرية الأكبر ستكون أقدر على التعلم على المدى القريب والبعيد على حد سواء. فالمتعلمين من أي فئة عمرية كانوا يمكنهم تحقيق تقدم رائع ومشابه جداً من الناطقين الأصليين للغة على مستوى اجادة واتقان تعلم الكلمات ومعانيها بما في ذلك المفردات المركبة المعقدة مثل المصطلحات والامثال.
الفترة الحاسمة
ما يصعب تفسيره حول متعلمي اللغة الكبار في السن –حسب ما ذكره المؤلف في دراسته الجديدة-هو أن كبار السن يبدو انهم يواجهون بعض الصعوبات في اتقان بعض وليس كل المتغيرات النحوية.
وخير مثال على هذه الصعوبة هو أن معظم الأفعال في اللغة الإنكليزية يوجد فيها حرف “s” على نهاية الفعل في حالة الشخص الثالث المفرد:
فنقول I\you\we\they walk ولكن نقول he\ she walks.
فالعديد من متعلمي الإنكليزية كلغة ثانية يقعون دائماً في أخطاء نحوية بسيطة نسبياً كهذه رغم أنهم يمتلكون اضطلاعاً كبيراً في المفردات. وعلى أية حال، يبدو أنك لو تعلمت اللغة بعمر أصغر سيكون لديك الوقت الكافي أنماط التراكيب اللغوية التي قد يعاني كبار السن، نوعا ما، في تعلمها وكذلك ينطبق الحال على اجادة اللهجة ونطقها بصورة مشابها للناطقين الأصليين.
ويبقى علماء اللغة منقسمون حول السبب الذي يقف وراء الصعوبة التي تواجه البالغين في سعيهم نحو اتقان بعض الجوانب النحوية المعقدة في اللغة التي يتعلمها. بعض العلماء ومن ضمنهم العلماء الذين شاركوا في هذه الدراسة المنشورة في مجلة إدراك “Cognition” قد كتبوا تعليقاتهم في الموقع حول ما يعرف بفرضية ” الفترة الحاسمة”. حيث يرون أن الانسان يمتلك الية معينة في دماغه تمكنه من تعلم اللغة وأن هذه الالية تنطفئ عند بلوغ سن الحلم- وهو العمر الذي يكون فيه معظم الأشخاص قد اتقنوا لغتهم الام.
يرى باحثون اخرون أنه لا يوجد سبب معين حول الاخطاء النحوية البسيطة التي يقع فيه متعلمي اللغة البالغين، لابل أن هؤلاء الباحثين يرون أن هذه الأخطاء متعلقة بالتغيرات الحاصلة في الظروف عند التقدم في السن مثل ضيق وقت التعلم وتراجع في القدرات العامة في التعلم عموماً وبمهارات الذاكرة وتعود كذلك لامتلاك الكبار احساساً أكثر رسوخ بالهوية.
لا يوجد حاجز يمنعك من تعلم لغة جديدة بعد سن العاشرة
إن الجديد الذي تحمله دراسة مجلة كوغنيشن التي استخدمت قاعدة بيانات في دراستها هذه تعد غير مسبوقة في المعايير المتبعة في حقل دراسة اللغة. اذ جمع كاتب الدراسة ومن خلال شبكة الانترنيت أكثر من 700,000 إجابة على سؤال في النحو، وكان أكثر من ثلثي المشتركين في السؤال من الناطقين بالإنكليزية كلغة ثانية. لقد ساعدت هذه التجربة على تسليط الضوء على العلاقة بين عمر التعلم وبين إجادة مهارات في تفاصيل النحو، أكثر من سابقاتها من الدراسات.
وقد بينت نتائج الدراسة أن الدقة في الإجابة على الأسئلة النحوية قد انخفضت بشكل حاد بين المتعلمين الذين بدأوا دراسة الإنكليزية بعد عمر السابعة عشر، وهو عمر بعيد عن عمر العاشرة، الذي ركزت علية اغلب التقارير الاعلامية التي تناولت هذه الدراسة.
تعد هذه الدراسة الأولى من نوعها ونتوقع أن نرى المزيد من الباحثين ممن سيوظفون أدوات هذه الدراسة من ناحية قاعدة البيانات العملاقة التي لم يسبق لدراسة قبلها أن استخدمت هذا الكم الهائل من البيانات. ستشكل هذه الدراسة وتوفر القاعدة الأكبر للنقاشات الاكاديمية حول إذا ما كان هناك فترة حاسمة لتعلم اللغة ام لا. ولا ننسى أن نقول بأن الادعاء القائل بان نتائج الدراسة تثبت أن تعلم لغة بطلاقة يصبح صعب جداً بعد سن العاشرة يعد اسواء تفسير للنتائج العلمية لهذه الدراسة.
اما الاسئلة المطروحة حول سبب وكيفية اتقان الخصائص النحوية الدقيقة للغة الثانية، فانه يحمل في طياته نتائج هامة تخص النظرية اللغوية، بيد ان هذه النتائج ليس لها أي تأثير على ارض الواقع بالنسبة لمتعلمي اللغات. اذ يمكنك تعلم أي لغة اجنبية بطلاقة تامة في أي عمر، اما ما تقع فيه من أخطاء نحوية او لفظية فستضيف على لغتك الجديدة جاذبية وسحر.
في مقدورك أن تتعلم لغة جديدة او أن تتدرب على العزف بآلة موسيقية جديدة او ربما ممارسة رياضة جديدة، وفي مقدورك أن لا تقوم بأي مما سبق، ولكن سواء قررت القيام بشيء ما او عدم القيام بشيء اطلاقاً، لا تلقي باللوم في كل مما سبق على عمرك.
المقال باللغة الانجليزية: هنا