كتبه لـ(بيغ ثينك): فيليب بيري
منشور بتاريخ: 3/1/2018
ترجمة: آلاء عبد الأمير
تدقيق: نعمان البياتي
إلى أي حد يرتبط خرق القواعد القانونية أو الأخلاقية بالإرادة الحرة، وإلى أي حد هو مرتبط بظروف خارج سيطرتنا؟ هذا الموضوع يغذي الكثير من النقاشات الفلسفية في الألفية الجديدة، ويُحاط في الغالب بعوامل اقتصادية- اجتماعية وعوامل سياسية، لكن تدخل العلم يُعلن عن جوانب أخرى.
لقد أظهرت الأبحاث أن الأشخاص ممن يحملون طفرات وراثية معينة على سبيل المثال، وخاصة البديل الجيني (أوكسيديز أحادي الأمين A)، هم أكثر احتمالاً لارتكاب أفعالٍ عنيفة، فيما ترتبط طفرات أخرى بالأمراض العقلية، وهكذا فقد ترتبط هذه الطفرات بموجات من العنف أيضاً، والآن وجد بحث أُجريَ مؤخراً في جامعة (فاندربيلت) أن إصابات الدماغ يمكن أن تزيد من خطر ارتكاب المصاب لجريمة، وقد نُشِرت النتائج في (وقائع الأكاديمية الوطنية للعلوم).
ناقش علماء الأعصاب وجود صلة من عدمها بين إصابات الدماغ وأفعال العنف، بدءاً بقضية (تشارلز ويتمان)، ففي عام 1966 أخذ قناص البحرية السابق بندقيةً، وتسلّق برج المراقبة في حرم جامعة تكساس، حيث قام بإطلاق النار على 11 شخصاً من المارة قبل أن يتم إخضاعه من قبل الشرطة؛ كانت حصيلة القتلى في ذلك اليوم 16 شخصاً، من ضمنهم زوجته ووالدته.
بعد وفاته كشف تشريح الجثة عن وجود ورم دماغيّ، ولكن كان هناك الكثير من الجدال حول تأثير الورم في الحادثة من عدمه، ومن ناحية أخرى فقد عانى الكثير من القتلة المتسلسلين من إصابات دماغية، سواء أكان سببها السقوط أم الحوادث أو تعرضهم للإساءة الجسدية، مثل (إدموند كيمبر) و(جون واين غاسي جونيور) و(جيري برودوس) و(غاري هيدنيك) و(إد جين)؛ والآن أعاد تنشيط هذا النقاش بحثٌ أجراه (ريان داربي) الطبيب والأستاذ المساعد في علم الأعصاب في (المركز الطبي لجامعة فاندربيلت).
يظهر البحث أدلة دامغة على أن حدوث الإصابة في شبكة دماغية محددة قد يزيد من خطر ظهور السلوك الإجرامي، وهذا ما يعرف حقيقة بالاعتلال الاجتماعي المكتسب. كان (داربي) قد قرأ عن العديد من القضايا المعروفة، من ضمنها قضية (ويتمان)، وهذه القراءات هي التي ألهمت الدراسة.
تعتبر هذه أول دراسةَ رسم خرائط دماغية تربط بين الآفات الدماغية والميل المتزايد لارتكاب أفعال إجرامية، وقد تكون الآفة عبارة عن نسيج دماغي غير طبيعي يحدث نتيجةً لصدمة من نوع ما أو ورم أو سكتة دماغية، ووجدت الدراسة أن هذه الإصابات أو الآفات التي لا تحدث في منطقة محددة من الدماغ فحسب، بل في عدد من المناطق المختلفة، يمكنها أن تساهم في احتمالية ارتكاب الشخص لجريمة.
قام (داربي) وزملاؤه بإجراء فحوصات التصوير بالرنين المغناطيسي والتصوير المقطعي على مجرمين مُدانين، من القتلة والمغتصبين واللصوص والمحتالين وغيرهم؛ تكوّنت المجموعة الأولى من 17 فرداً، وأظهرت ارتباطاً بين الإصابات الدماغية والتصرف الإجرامي، لكن المجموعة الثانية والمكونة من 23 متطوعاً أظهرت وجود إصابات في أماكن أخرى من الدماغ. قارن الباحثون هذه المسوحات الدماغية بمجموعات هائلة من بيانات التصوير العصبي لأشخاص أصحاء وملتزمين بالقانون، إذ عقدوا مقارنة بين الشبكات العصبية أو الشبكات التي تربط بين مناطق الدماغ المختلفة لكل مجموعة.
اكتشف (داربي) وزملاؤه أنه على الرغم من أن الآفات كانت تستوطن مناطق دماغية مختلفة، إلا إنها كانت موجودة في نفس الشبكات العصبية بين أولئك الذين كان لهم دور في النشاطات الإجرامية، أما المتطوعون الذين لهم ماضٍ إجرامي فكانت لديهم آفات في الشبكة المسؤولة عن اتخاذ القرارات الأخلاقية، مما يعني أن أيّة إصابة في هذه المنطقة تزيد من احتمال السلوك الإجرامي، ترتبط هذه الشبكة باتخاذ القرارات ذات الأساس الأخلاقي، و”نظرية العقل”، والإجرام؛ تتلخص نظرية العقل في القدرة على فهم وجهة نظر الشخص الآخر. من ناحية أخرى لم يكن هناك أي نقص في المناطق المسؤولة عن خلق التعاطف، وهذا الأمر يتسق مع دراسة (هارفارد) التي وجدت أن المضطربين عقلياً والمصابين بالاعتلال الاجتماعي يمتلكون تعاطفاً ويشعرون بالندم بالفعل، ولكن بشكل مختلف قليلاً عمّا يفعله الآخرون.
الآفات المرتبطة بالسلوك الإجرامي. هذه الصورة تعود لـ17 مجرماً مريضاً بالمقارنة مع أطلس الدماغ.
(وقائع الأكاديمية الوطنية للعلوم)
يقول (داربي): “نظرنا إلى الشبكات المعنية بالأخلاق، كما نظرنا إلى العمليات النفسية المختلفة التي ظن الباحثون أنها قد تلعب دوراً، كالتعاطف والتحكم المعرفي والعمليات الأخرى التي تعتبر مهمة لصنع القرار. لقد لاحظنا أن هذه الآفات ترتبط بقوة بصنع القرارات ذات الأساس الأخلاقي وصنع القرارات المرتبطة بالثواب والعقاب.”
يُعتبر هذه النهج جديداً نسبياً فقد كانت هذه الطريقة تستخدم في الماضي لدراسة سبب ارتباط بعض الأمراض النفسية بالهلوسات أو الأوهام عند بعض المرضى. في تلك الدراسات قام علماء الأعصاب بتحديد الشبكات الدماغية التي تستقر فيها الآفات مسببة هذه الأعراض، لكن هذه هي المرة الأولى التي تستخدم فيها تلك الطريقة لمحاولة فهم السلوك الإجرامي من وجهة نظر علم الأعصاب، ويشير (داربي) وزملاؤه إلى أن المؤمنين بالقضاء والقدر لم يربحوا النقاش المتعلق بالجريمة، على الأقل ليس من نتائج هذه الدراسة وحدها، إذ يعزو الباحثون ما نسبته 9% فقط من أحداث العنف أو الجريمة لإصابات الدماغ الشديدة، فيما يرتبط 14% بإصابة الفص الأمامي، وفي الواقع فإن دراسةً أُجريت في عام 2014 وجدت أنه من بين 249 حادثة قتل جماعي حدثت في تلك السنة فإن 20% منها فقط قد تكون مرتبطة بإصابات الرأس.
ويقول الخبراء أن هناك عوامل أخرى تؤثر في السلوك الخطر أو اللاأخلاقي لدى الأشخاص، وهي في الغالب مجموعة من العوامل الجينية والبيولوجية والاجتماعية والنفسية، تعمل معاً لتنتج هذا السلوك المعادي للمجتمع.
المقال باللغة الانجليزية هنا