ترجمة: أحمد بيرم
تدقيق: نعمان البياتي
تصميم الصورة: مرتضى ضياء
خلال العقدين الفائتين، بلّغ الأهالي والمعلمون عن تفشي حالات اضطرابات نفسية ضمن الطلبة، يعانون من خلالها من نقص التركيز وتصرفات مضطربة وكم كبير من الطاقة، لدرجة أنهم يتصادمون مع الجدران. المعلمون، وصناع السياسة، والعلماء شخصوا الحالات على إنها تعرف بـ “اضطراب نقص الانتباه / الحركي المفرط” وعدّوها أزمة دولية وصرفوا المليارات بحثاً عن مسبباتها.
بحثوا في عوامل كالجينات، وتطور الدماغ، والتعرض لمادة الرصاص، والتعليم الأكاديمي المبكر، وعدة عوامل أخرى، لكن ماذا لو أن الإجابة عن المسبب لبعض هذه الحالات موجود في أمور أبسط؟
ماذا لو أن هناك عدداً متنامياً من الباحثين يقترح أن هناك العديد من الأطفال لا ينامون لأوقات كافية، مما يؤدي إلى تصرفات تشبه هذا الاضطراب؟
اكتسبت النظرية المثيرة للجدل زخماً بالسنوات الأخيرة، مع عدة دراسات اكتشفت وجود علاقة بين هذا الاضطراب وكل من طول وتوقيت وعمق النوم. في زمن حتى الأطفال الصغار يعرفون كلمات مثل (نيتفلكس) و(هولو)، وعندما يُطالَب الطلاب بالكمال في مرحلة ما قبل المدرسة المجهدة، والعديد من طلاب التعليم الابتدائي يتم التلاعب بهم عن طريق دفعهم بأنشطة لا منهجية كل يوم، يبرز سؤال واحد هو فيما لو إن بعض الأطفال هم محفزون جداً أو متوترون لدرجة إنهم لا يستطيعون النوم بالقدر الكافي، أو كما ينبغي.
هناك دليل متنامٍ بخصوص إن بعضاً ممن شُخصوا على إنهم يعانون من هذا الاضطراب هم في الحقيقة يعانون من قلة النوم، والأرق، وانسداد المجاري التنفسية، أو أي اضطراب نومي معلوم آخر، لكن أكثر الأفكار تحدياً هي تلك التي تعتبر هذا الاضطراب نوعاً من أنواع الاضطراب النومي. إذا كان هذا صحيحاً، فإن هذه الفكرة ستغير جذرياً الطريقة التي ندرس ونعالج بها هذا الاضطراب.
آخر البيانات عن هذا الموضوع، قُدمت هذا الشهر في مؤتمر الكلية الأوربية للصيدلة النفسية العصبية، والمنعقد في باريس، والذي يبحث في النظم الإيقاعية للساعة البيولوجية-الدورة الطبيعية التي تحدد ماهية النوم والاستيقاظ لديهم، حيث تبين بأن الذين يعانون من هذا الاضطراب، أظهروا تأخر ارتفاع مستوى هرمون الميلاتونين لديهم ساعة ونصف عن أقرانهم ممن لا يعانون منه؛ بالنتيجة، فإنهم يتأخرون في النوم فينامون لأوقات أقل نسبياً، والذي يترتب عليه أثر سلبي على بقية العمليات الوظيفية في أجسامهم.
عندما يضطرب إيقاع الليل والنهار لديهم، كما بيّنتها الباحثة (ساندرا كويج) من المركز الطبي لجامعة (فريج) في أمستردام، فإن كلاً من درجة حرارة الجسم، والحركة وتوقيت الوجبات سوف يتغير، والذي يؤدي إلى غفلة وسلوك حاد.
تقول (كويج) في عرضها “هذا الاضطراب كالأرق، هما وجهان أحدهما عقلي والآخر فسلجي لنفس العملة”
مشاكل النوم تندرج ضمن ثلاث فئات: النوم غير الكافي، والأرق، واضطراب التنفس، جميعها دارجة بين الأطفال، والتي بينت بعض الدراسات أن نسبة تفشيها هي بين الـ 20 و40 % من الأطفال.
(كارين بونوك) بروفيسورة طب الاجتماع والأسرة في كلية طب ألبيرت أينشتاين في نيويورك، والتي عُرفت بعملها في عام 2012 على دراسة شملت 11 ألف طفلاً، نُشرت في مجلة طب الأطفال، تبين فيها أن الذين يعانون من الشخير والمتنفسين من فمهم، والذين يعانون من انقطاع النفس خلال النوم، يعانون بنسبة 40 إلى 100 % أكثر من أقرانهم الذين ليس لديهم مشاكل تنفسية، من سلوكيات تشبه اضطراب قلة الانتباه الانفعالي بعمر الـ 7 سنوات.
“هناك دليل متنامٍ بأن النوم هو عامل مؤثر مهم في سلوكيات الأطفال” هو ما قالته (بونوك) في آخر لقاءاتها.
بينت دراسة سابقة بأن 75% من الناس الذين يعانون من هذا الاضطراب لديهم اضطراب نوم، وأنهم كلما قل معدل النوم لديهم كلما زادت هذه الاضطرابات حدة. في دراسة أخرى، بين العلماء بأن مجموعة من الأطفال الذين يعانون من مشاكل تنفس أثناء النوم، والذين شُخصوا بهذا الاضطراب لم يعد لديهم أعراض المرض التي يُشخص على أساسها بعدما عولجت مشكله الغدد اللمفاوية التي كانت سبب مشاكل نومهم.
آخر عمل لـ (بوتوك) والممول من المعاهد الوطنية للصحة، والتي تضمنت حملة تعليمية تستهدف المعلمين، والآباء، والأطفال والذين يستخدمون الدب تيدي والكتاب الكلاسيكي “كود نايت مون” لتشجيع النوم؛ عندما جمع الباحثون المعلومات الأولية قبل أي تدخل من قبلهم، قالت إنها صدمت عندما وجدت أن الأطفال في سن ما قبل المدرسة، كان عليهم أن يخلدوا للنوم في الساعة 11 مساءاً أو بعدها، كما إن عليهم أن يستيقظوا قبل الـ 8 صباحاً للذهاب إلى مدارسهم ورياضهم، فهم بالنتيجة ينامون لأقل من 9 ساعات، والتي تقل بنسبة كبيرة عما توصي به الأكاديمية الأمريكية لطب الأطفال بين سن الـ 3 و 5 سنوات والذي يتراوح بين 10 إلى 13 ساعة نوم.
“أظن أن هناك خللاً ما” تقول بونوك “السلوك الحاد مشكلة كبيرة في الصفوف الدراسية على مستوى دولي، وأعراض قلة النوم يمكن أن تشبه لحد كبير أعراض هذا الاضطراب”
المتخصص باضطراب قلة الانتباه الانفعالي (ويليام بيلهام) والذي يدير مركز للأطفال والعوائل في جامعة فلوريدا الدولية، اتفق على إن بعض الأطفال تم تشخيصهم خطأ على إنهم يعانون من هذا الاضطراب، بينما في الحقيقة لديهم مشاكل نوم؛ وهو يستطرد بأنه رأى هذا في “حفنة” من الحالات، والتي تقدر بالآلاف.
الرابط كما يؤكد، مبالغ به وإن هذا الاضطراب حقيقي جداً، وتشخيصه ضروري ومؤثر؛ فوفقاً لآخر المسوحات التي قامت بها مراكز مقاومة والسيطرة على الأمراض، فإن هناك 6.4 مليون شخص، أو واحد من كل 10 بين سن الـ 4 إلى 17 سنه في البلاد، شُخصوا بهذا الاضطراب، وهو مؤمن بأن هذا التشخيص صحيح في أغلب الحالات.
“النوم يدخل في أي عملية تحاول فيها أن تقيم الانتباه، لكني لا أؤمن بهذا…. وفقاً للغالبية العظمى ممن يعانون من هذا الاضطراب في الولايات المتحدة” كما قال.
لا زال بيلهام يلاحظ زيادة في أعداد الذين يعانون من هذا الاضطراب ومشاكل النوم في السنوات الأخيرة، والتي تتعلق بنسبة أقل بطبيعة هذا الاضطراب من التغييرات الأخرى والمدفوعة من قبل الصناعة الدوائية.
ويستطرد الباحث أنه في الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي، أحدثُ علاج لهذه الحالات كانت المحفزات الدماغية، والتي تعمل فقط لـ 4 إلى 6 ساعات، وأغلب الأطفال الآن يأخذون علاجات مفعولها يدوم لـ 12 ساعة.
“إذا كان لديك أطفال لديهم حساسية للأدوية، ربما لن يتعبوا حتى منتصف الليل، وبذلك فإن لديك عدداً أكبر من الأطفال الذين يبقون مستيقظين لفترات متأخرة، بسبب الانجراف المجتمعي لاستخدام أدوية تدوم لفترات أطول” يوضح (بيلهام)، إذاً لتصحيح هذا في الليل، يأخذ أطفال أكثر أدوية أخرى حالياً “مضادات الاكتئاب، والميلاتونين، أو لا سامح الله، أدوية الهلوسة”.
المصدر هنا