الرئيسية / بايولوجي / هل ترغب حقاً في معرفة مستقبلك؟

هل ترغب حقاً في معرفة مستقبلك؟

ترجمة: نعمان البياتي
تصميم: مكي السرحان

تقدم شركة (23andMe) المتخصصة بعلم الجينات والتقنيات البيولوجية، خدمات رائعة لزبائنها، من خلال إعطائهم معلومات عن أسلافهم وبالنسب المئوية، من خلال عينة صغيرة من اللعاب؛ وبعد تأسيس الشركة في 2007 بعام، بدأت الشركة في نشر نتائجها، بخصوص فحوصات الحمض النووي ودراسة الصفات الوراثية؛ ورغم أن الكثيرين وجدوا معرفة أسلافهم ممتعة، إلا أن نظرة بسيطة إلى المستقبل كانت مُقلِقة.
دخلت بعدها إدارة الأغذية والعقاقير الأمريكية (FDA) على الخط، فقد نبهت إلى أن إخبار الناس، بالأمراض التي من الممكن أن يتعرضوا لها، والتي تمتلك أجسادهم مناعة ضعيفة تجاهها، قد تؤدي إلى اتخاذهم قرارات متسرّعة؛ ومن ناحية أخرى، فإن معرفة الأخطار التي قد يتعرض لها الشخص، ستساهم في اتخاذه تدابير وقائية، من أجل حياة أفضل؛ كما أن كفاءة هذه الفحوصات لا تزال موضع شك، لذا رُفعت عدة قضايا قانونية ضد الشركة.
إن القضية السابقة توقِظ معضلة مثيرة للاهتمام، خاصة أن العلم يتمكن من إعطاء المزيد عن المستقبل المجهول. كم تريد أن تعرف عن مستقبلك؟ إلقاء النرد، وقراءة الكف، ومشاهدة الحيوانات في النجوم، تمثل وسائل قديمة لمعرفة المستقبل؛ ولكن لو وجدت طريقة موثوقة لمعرفة مستقبلك، هل ستفعلها؟
الغالبية العظمى لن تفعلها، هذا ما تقترحه دراسة جديدة أجراها كل من (جيرد جيكيرينزر)، و(روكيو كارسيا ريتاميرو)، والتي نشرت في (Psychological Review)؛ فقد يكون لدى البشر الرغبة في معرفة المزيد، بحسب الدراسة، لكننا مع ذلك لا نرغب في معرفة ما سيأتي، خاصة ما يتعلق باحتمالات وقوع أحداث سلبية التأثير.
قامت الدراسة على سؤال عينة من أكثر من 2000 شخص، من ألمانيا وإسبانيا، مع عدد نساء أعلى قليلاً من عدد الرجال؛ والفئات العمرية كانت مقسمة بالتساوي على ثلاث مجموعات: 18-35 سنة، 35-50 سنة، و51+ سنة؛ وما يقرب من 70% من الجميع لا يحضرون طقوساً دينية.
النتائج كانت متقاربة في كلا البلدين، فعندما سُئل الأشخاص، إذا ما كانت لديهم الرغبة بمعرفة الموعد الذي سيموت فيه شريكائهم وسبب موتهم، أجاب 90% بـ (لا) لكلا السؤالين؛ وكانت النتائج مطابقة عندما سُئلوا عن موعد موتهم هم؛ وعندما سُئلوا عن رغبتهم في معرفة تاريخ طلاقهم من شركائهم، مرة أخرى أجابت النسبة الكبرى (أكثر من 85%) بـ (لا).
ولم يكن هناك إجماع في النتائج، عندما جاء السؤال عن الأحداث الإيجابية، مع وجود رغبة عامّة في عدم المعرفة؛ فعندما سُئلوا “هل تريد أن تعرف نتائج مباراة لن تتمكن من مشاهدتها؟” أجاب أكثر من ثلاثة أرباعهم بالنفي؛ “ماذا عن هدية عيد الميلاد القادم؟” أجاب 60% بعدم رغبتهم في معرفة هداياهم المستقبلية، وأجاب ما يقرب من الثُلث بعدم تأكدهم من رغبتهم، تاركين الفريق الثالث، الذين كانوا يرغبون في معرفة هداياهم عند 7%؛ أما في مسألتي الحياة بعد الموت، وجنس الطفل القادم، أجاب ما يقرب من 43% بـ (نعم) لكلا السؤالين السابقين.
ولكن، لمَ تختار الأغلبيةُ الجهل وعدم المعرفة، خاصة أن البشر يكرهون القصص غير المكتملة؟ يَفترض (جيكيرينزر) و(كارسيا ريتاميرو)، أن هناك فرقاً بين الجهل وهو “الحالة التي لا يعرف فيها الشخص جواب سؤال ما”، والجهل المتعمد “قرار مقصود بعدم المعرفة، بدلاً من عدم وجود إمكانية الوصول للمعلومة”؛ وقد وجد الباحثان أربعة أسباب تجعل الناس تُفضل الجهل المتعمد:
اجتناب الأخبار السيئة: قام الباحثون بسؤال العينات عن الفحوصات الجينية، فوجدوا مثلاً، أن معرفة احتمالية الإصابة بسرطان الثدي، كان قراراً عصيّاً على النساء؛ فالممثلة (أنجلينا جولي) على سبيل المثال، خضعت لعملية استئصال ثدي مزدوجة، بمجرد معرفتها بامتلاكها لطفرة في جين (BRCA1)، والذي كان سبباً في إصابة ثلاثة أفراد من عائلتها بسرطان الثدي؛ فالممثلة، ليست فقط مثالاً نادراً على الرغبة في المعرفة، بل واتخاذ التدابير دون وجود دليل قطعي؛ فهي لن تعرف بالتأكيد، هل كانت ستصاب بالمرض أو لا، لكنها أيضاً لن تعاني من الشعور بالندامة على عدم فعل شيء.
الحفاظ على مشاعر المفاجئة والإثارة الإيجابية بخصوص أحداث شخصية مهمة: علينا أن نشكر مادة الـ(الدوبامين) على ذلك؛ فرغم محبتنا للقصص مكتملة الأحداث، إلا أن الأحداث المفاجِئة، تطلق مادة كيميائية في الجسم ذات تأثير ممتع، سواء أكانت المفاجئة سعيدة أم تعيسة. عالم الأعصاب من جامعة ستانفورد (روبرت سابولسكي)، يسميها (سحر الاحتمالية)، فإغراءات الغموض تتحطم باليقين، فإذا كنا على علم دائم بما يحدث، فإن ذلك سيؤدي إلى انخفاض حماستنا بشكل كبير.
الاستفادة استراتيجياً من البقاء في الجهل: بحسب الباحثين، كان البقاء في حالة عدم المعرفة بصورة متعمدة مفيداً في الأزمة الاقتصادية في عام 2008، وذلك من خلال اختيار عدم المعرفة، مع معرفتك أن بإمكانك تجنب المشاكل المستقبلية؛ وقد وجدنا ذلك واضحاً في تصريحات السياسيين، الذين لم يتمكنوا من تأكيد أو دحض هذا الاتهام.
لزيادة العدالة والنزاهة: البشر كائنات معقدة، وذات أهداف متنوعة؛ وفي حين أن البعض منهم مخادعون عن قصد، فإن البعض الآخر يمتلك إحساساً داخلياً بالعدالة؛ وضّح ذلك عالمُ الحيوانات (فرانس دي وال)، من خلال تجربته مع القردة، إذ أعطى قطعتين من الخيار لقردين، فكان الاثنان سعيدين، أما عندما أعطى أحدهما خياراً والآخر عِنباً، فإن الأول رفض الخيار في حالة من الغضب، لأنه علم أنه عومِل بظلم؛ ويتعامل البشر بطريقة مشابهة في كثير من الأحيان.
نسبة 1% فقط من المشتركين في الاستبيان، أجابوا بنعم على جميع الأسئلة؛ بصورة عامة، فإن البشر متعطشون للمعرفة، فنحن نحاول معرفة كل شيء عن السرطان لتجنب الكارثة، كما نقوم بفحوصات جينية لأطفالنا غير المولودين بعد، للتحضّر للأسوأ، ونحن نراقب صحتنا عن طريق جميع الأجهزة والمعدات المتوفرة حولنا؛ ونتحدث بصورة مطولة لمعرفة الصورة الكاملة.
مع ذلك، فنحن لسنا متعطشين لليقين، بحسب الباحثين؛ بعض القضايا من الأفضل لها أن تبقى مخفية، ليكون بإمكان الشخص، العيش بسلام، دون تحمل معاناة ما قد يحمله المستقبل من أحداث مفاجئة، وليتمكن من الاستمتاع بها عند حدوثها.

رابط المقال بالانكليزية: هنا

عن

شاهد أيضاً

“حمضٌ من بين ملايين الأحماض”: حمض الـ DNA ليس الجزيء الجيني الوحيد

تقديم: مات دافيس بتاريخ: 21. نوفمبر. 2019 لموقع: BIGTHINK.COM ترجمة: هندية عبد الله تصميم الصورة: …

“محرك الوعي” في الدماغ هي منطقة بالغة الصغر

بقلم: ستيفن جونسن بتاريخ: 12/شباط/2020 ترجمة: رهام عيروض بصمه جي تدقيق: ريام عيسى  تصميم الصورة: …