سايكولوجيا الإنقسام الشيعي – السنّي
لماذا هنالك الكثير من العداوة بين الجماعات التي تبدو متشابهة جدًّا؟
بقلم: ديفيد مايرس (DAVID MYERS)
منشور بتاريخ: July 06, 2014
ترجمة: أحمد الوائلي
تدقيق: عمر أكرم المهدي
تصميم: مكي السرحان
لماذا هنالك الكثير من العداوة بين الجماعات التي تبدو متشابهة جدًّا؟
بعد أكثر من عشر سنوات على بدء الحرب على العراق، لا يزال هنالك شيء يحيّر عقولنا: السنة والشيعة على حدٍّ سواء دستورهم (القرآن)، ويتبعون محمد ويصلون إلى الله، لكنّهم مع ذلك يقتلون بعضهم البعض. هذا الأمر يعيد إلى الأذهان القتلى الذين تجاوز عددهم 3,500 بسبب الإشتباكات التي جرت بين البروتستانت والكاثوليك في ايرلندا الشمالية. ويتساءل المرء: ’’لماذا هذا العداء بين تلك الجماعات المتماثلة عِـرقيًّا ودينيًّا؟ بـالتأكيد، فـإن العنف بين السنة والشيعة له جذور تاريخية سياسية عميقة. كما حدث سابقًا في الإشتباكات البروتستانتية الكاثوليكية.
ولكن ربّما هنالك عوامل يمكن أن تساعد في تفسير سبب الخلافات التي تبدو هامشية؛ يمكن الإستعانة بعلم نفس المجموعة من أجل فهمٍ أفضل للخلافات الحاصلة بين الجماعات المتشابهة في المبدأ، لـننظر إلى أربعة مبادئ مستمدّة من البحوث النفسية:-
1. لا يهم مدى التشابه الديني بين الجماعتين، فـالإهتمام دائمًا ما يتركّز على الإختلافات.
في عام 1970 عندما دعى عالم النفس ويليام ماكَواير (William McGuire) بجامعة ييل عِـدّة أطفال إلى برنامج «أخبرنا عن نفسك،» ركّز البرنامج على المميّزات التي يتميّز بها كل فرد منهم. وتم الحصول على عدّة نتائج منها: «بما أنني إمرأة ذات بشرة سوداء، وأعيش في وسط مجموعة من النساء البيض، فـإنني أميل إلى التفكير في نفسي على أنني سوداء.» ماكَواير وزملاؤه لاحظوا التالي: «إذا تم نقل نفس المرأة إلى مجموعة من الرجال السود، فـإنها سوف تستغني عن التفكير بلون بشرتها وتركّز على التفكير بكونها إمرأة.» الناس الأسوياء الجنس يتسائلون أحيانًا: ’’لماذا مثليّو الجنس مدركون جدًّا لـهويتهم الجنسية؟‘‘، وإن كان في الغالب أن ثقافة مثليّ الجنس يمكن أن تعكس الهوية الجنسية للوعي الذاتي.
حتى عندما يكون الناس من ثقافتين فرعيتين إثنتين متطابقتين تقريبًا، فـإنهم غالبًا ما يتجاهلون القرابة ويصبحون على خلاف، مهما كان صغيرًا.
2. نحنُ طبيعيًّا نُـقسّم كلماتنا إلى (نحن) و (هم)، إذا ما كنّا داخل مجموعة أو خارجها.
لقد ورثنا الحاجة في الإنتماء من أجدادنا في العصر الحجري، هنالك حيث تبلورت صفة (العيش في مجموعات). كان هنالك سلامة في التضامن؛ سواء في الصيد أو في الدفاع أو الهجوم، بكل الأحوال؛ فـإن عشر أيدي أفضل من إثنتين. وعلى خُـطاهم قمنا بـتشكيل الهويات الإجتماعية.
لكن الفوائد دائمًا تكون مُـلحقة بـالتكلفة. لو رسمنا دائرة ذهنية تُـعرّفنا كــ (نحنُ) ودائرة أخرى (هم). فـإن «التحيّز للمجموعة» يكون أكثر تفضيلًا. في التجارب، حتى تلك العيّنات الموجودة في المجموعات التي تم تكوينها بشكلٍ تعسّفي تميل لـصالح مجموعتهم. لو قمت بـتجميع مجموعة عشوائية من الناس إستنادًا إلى آخر رقم من رُخَـص القيادة أو غيرها من الطرق العشوائية سوف تلاحظ أن هذه العيّنات العشوائية تفضّل مجموعتها عند تقسيم المكافآت.
3. المناقشات بين من هم متماثلين في التفكير تُـنتِج في كثير من الأحيان «مجموعة استقطاب»
في واحدة من تجاربي الخاصّة في وقت مبكّر، إكتشفنا أنا والمطران جورج أنه عندما ناقش الطلاب القضايا العرقية المتعصّبة للغاية، أصبحوا أكثر تعصُّـبًا. وعندما تحدّث الطلاب بصورة أقل تعصّبًا فيما بينهم، أصبحوا أكثر تقبُّـلًا. وبعبارة أخرى، فـإن الإنفصال الآيديولوجي بـالإضافة إلى محادثة يعادل زيادة الإستقطاب بين المجموعتين.
وهذا ينطبق على الحياة الواقعية أيضًا. تحليل المنظّمات الإرهابية، على سبيل المثال، قد كشفت عن أن العقليّة الإرهابية لا تتكون فجأةً، لـمجرّد نزوة. لكنها تتبلور ببطء، وبين الناس الذين يشتركون في التظلّم. كما أن تفاعلهم فيما بينهم بصورة معزولة، يؤدّي إلى نمو وجهات نظرهم بصورة أكثر وأكثر تطرُّفًا.
من خلال تواصل الناس ذوي الميول المتشابهة، فـإن المجموعات الإفتراضية في الانترنت في كثير من الأحيان يتم تسخيرها لأغراض جيدة، كما هو الحال في مجموعات صانعي السلام، والناجين من مرض السرطان ودُعاة حقوق الحيوان. ولكن صدى مجاميع الإنترنت يُـمكّن أيضًا المتشكّكين من تغيير المناخ وبناء نظريّات المؤامرة لـتضخيم الأفكار والشُـبُهات المشتركة. العنصريّون البيض يصبحون أكثر عنصرية. وتُـصبح الميليشيات أكثر عدائية.
4. يرتفع التضامن بين أعضاء المجموعة عندما يواجهون عدوًّا مشتركًا
من أبرز الأمثلة على هذه النقطة هي هجمات 11 سبتمبر، وما حدث بعدها من تقاسُـم التهديدات بين المجموعات المختلفة، وما حدث من إرتفاع الشعور بـالإنتماء، وإنفجار العواطف الوطنية.
في واحدة من التجارب الشهيرة في علم النفس، في عام 1954؛ قام عالم النفس مظفر شريف بـتقسيم أطفال مخيّم مدينة أوكلاهوما بصورةٍ عشوائية إلى مجموعتين لـيقوما بسلسلة من الأنشطة التنافسية، مع وجود جوائز للمنتصرين. أستمرت على مدى أسبوعين، مع زيادة التفاخُـر والترابط داخل المجموعة وزيادة العداوة بين المجموعتين، حيث حدثت ملاكمات بـالأيدي وعمليات سرقة. أثمرت الإتصالات بين الجماعات المزيد من التهديدات وزادت مشاعر الوحدة الوطنية داخل المجموعة الواحدة، حتى تشارك شريف الأولاد في الجهود التعاونية التي تؤدّي إلى الأهداف المشتركة، مثل نقل شاحنة عالقة أو توصيل إمدادات المياه إلى المخيّم.
ديناميكية الجماعة أيضًا تؤدّي إلى تأجيج المنافسات الرياضية لـلأشبال المعجبين المتحمّسين وهو أمر مسلٍّ، ويزيد من المنافسة الشديدة مع عدم وجود الكراهية الأساسية بين الجماعات المختلفة.
ولكن في ديناميكية الجماعات الإجتماعية الكبيرة، فـإن الناس لن يهتفوا للمجموعات الخاصة بهم فقط؛ وإنما قد يقتلون ويعرّضون أنفسهم للموت في سبيل الجماعة. تحويل الظلمة المعتمة إلى ضياء ساطع قد يتطلّب الإعتراف بـالوضع النسبي لـخلافاتنا، وإيجاد القواسِـم المشتركة العميقة لدينا، وتوسيع التواصل عبر إكتشاف أهداف عالية وسامية تفوق المجموعات.
نحن في أمسِّ الحاجة لـتسوية النزاعات، ولكنّه أمر شديد الصعوبة، خصوصًا في أوقات الأزمات. عندما تشتدُّ الصراعات والصور النمطية تصبح أكثر والأحكام أكثر جمودًا والإتصالات أكثر صعوبة. كلا الجانبين يكون عُـرضةً للتهديد، أو الإنتقام. ويتمثّل التحدّي للثقافات بـإكتشاف القواسم المشتركة لكي تُـحترَم الإختلافات. من العراق إلى أيرلندا الشمالية، ومن الكوريتين إلى السودان، هذا هو التحدّي الكبير الذي يواجهه «التنوّع داخل الجماعة الواحدة» في أوقات الصراع.