الرئيسية / بايولوجي / هل نحن مستعدون للعقل البشري الخارق؟ لـ بيرِت بروغارد

هل نحن مستعدون للعقل البشري الخارق؟ لـ بيرِت بروغارد

ترجمة: فاطِمة العجمي
تدقيق : رعد طالب
تصميم الصورة : مكي السرحان

بيريت بروغارد هي فيلسوفة وعالمة أعصاب دنماركية-أمريكية، حرّكها فضولها الفطري؛ فحاولت البحث عن إجابات لمجموعة من الأسئلة الجوهرية والعميقة المرتبطة بدماغ الإنسان، وكان أكثر تلك الأسئلة أهمية يدور حول الطريقة التي يمكن من خلالها الكشف عن القدرات الخارقة التي تمتلكها أدمغتنا.
منذ زمن ليس ببعيد ، تبّنى البشر وجهة نظر ثابتة حول هذا العضو الذي لا يتعدّى وزنه ثلاث باوندات؛ بيد أن العلم الحديث أحدث تغيرًا جذريًا حول الطريقة التي ينبغي من خلالها فهم طبيعة عمل الدماغ والقدرات التي يتمتع بها؛ ففي أثناء دراستها لأشخاص مُصابين “بمتلازمة العبقرية” و حالة “التصاحب الحسي”، توصلت بيريت إلى أن التحول إلى “رجل المطر1” (رجل القدرات العقلية الإستثنائية)، لايحتاج بالضرورة إلى تحقيق معدل ذكاءِ عالِ، فجميعنا في الواقع نمتلك ذكاءً قابعًا داخل ذواتنا.
في كتابها الأخير “العقل البشري الخارق: اطلق العنان للذكاء القابع بدماغك” ” The Superhuman Mind: Free the Genius in Your Brain “، تتحدثُ بروغارد عن عالمٍ شجاعِ جديد، نتوقع أن نرى فيه عقاقير جديدة وتقنيات حديثة تساعد على استغلال قدراتنا العقلية الاستثنائية.
س/فلنستعد لعصر “الأدمغة الخارقة” ! فلنبدأ بنبذة عنك، ومن أين بدأتِ البحث؟
بدأتُ بدراسة حالة “التصاحب الحسي”، وهي حالة عصبية تتمثل في المزج بين الحواس المختلفة؛ كربطِ الأصوات بالألوان، الذي قد يؤدي عادةً إلى سماع الألوان؛ حيث يتمكن الأشخاص المصابين بهذه الحالة عادةَ من سماع أصواتِ للألوان بطريقة ما. أنا شخصيًا مُصابة بنوع من “التصاحب الحسي”، وكُنت مهتمة بها مذ كنت طفلة على الرغم من أنني لم أكن أعرف أسمها في ذلك الوقت. فكّرت بعدها في فحص هذه الحاله مخبريًا، ومن هنا جاءت فكرة إنشاء مختبرٍ خاصٍ بحالة “التصاحب الحسي”. لاحظنا بأن بعض الأشخاص المصابين لم يكونوا مناسبين لمجموعات الدراسة، ذلك لأن طبيعة حالة “التصاحب الحسي” لديهم مختلفة كثيرًا عن النوع القياسي للحالة محل الدراسة، كما تبين أن لديهم قدرات خاصة مختلفة عن البقية؛ لذا قررنا العمل على “حالات” عوضًا عن “مجموعات”، فقادنا ذلك لدراسة النوع المكتسب من حالة “التصاحب الحسي” و”متلازمة العبقرية”. ومنذ ذلك الوقت، ونحن نُجري عددًا من دراسات الحالات لحالة “التصاحب الحسي المكتسبة” و”متلازمةالعبقرية المكتسبة”، بحثًا عن تقنيات تساعدنا على تطوير الإمكانيات التي يمتلكها الأشخاص المصابين بالحالتين. ومازلنا في هذه المرحلة الآن.
س/ كُنتِ أول من قام بتحليل القدرات العقلية لـ “جيسون بادجيت”، الذي يبدو أن قصته ستُحوَّل إلى فيلم؟
نعم، كان جيسون إحدى الحالات التي تواصلت معنا. بيد أن حالته لم تكن مناسبة لمجموعة الدراسة ولكنه كان شخصًا رائعًا. لم يكن مصابًا بحالة “التصاحب الحسي” منذ الولادة ، بل اكتسبها بعد أن تعرض لإصابة في دماغه؛ فبات يرى أنماطًا وأشكالاً مختلفة، وبعض الأشكال الرياضية كإستجابة وتفاعل مع بيئته. وبعد أن تعافى من إصابته، عزل نفسه تمامًا عن الناس لمدة 3 سنوات، ملازمًا شقّته، لايفعل شيئًا سوى مراقبة العالم والتأمل فيه، ثم بدأ برسم الأشياء التي يراها. ترك جيسون الدراسة بكليته والتحق بكلية المجتمع ليأخذ دروسًا تأسيسية في الرياضيات؛ ليُدرك بأن بعض الأشكال التي كان يراها لم تكن إلا طرقًا لتحديد المعادلات الرياضية التي كان عليه حلها خلال دراسته في الكلية. راقبنا مدى تفاعله مع المعادلات الرياضية بعدة طرق؛ حيث قمنا بمجموعة من عمليات المسح الدماغي عليه واستخدمنا أشعة الرنين المغناطيسي (MRI) ، كما استخدمنا طريقة تسمى “التحفيز المغناطيسي عبر الجمجمة (TMS)” 2 لمراقبة المناطق التي كانت تستجيب لحالة “التصاحب الحسي” المصاب بها ومناطق التبصر الرياضي لديه.
س/ ماعلاقة دراستك للفلسفة بكل هذه الدراسات؟
بدأت العمل في مجال علم الأعصاب وانتهى بي الأمر إلى الفلسفة. وخلال تلك المدة، درست اللغويات المعرفية أيضًا. كنتُ مهتمّةً بعلوم الإدراك بشكلِ كبير؛ لذا درستُ مع ديفيد تشالمرز وهو أحد أشهر الفلاسفة المتخصصين في مجال بحوث “الوعي”، وكان يقيم في ذلك الوقت في استراليا، لكنه يعمل حاليًا في جامعة نيويورك. كنتُ مهتمة بجوانب الوعي المختلفة ثم وجدتُ بأن بعض النظريات المرتبطة به لاتنطبق على الأشخاص المصابين بحالة “التصاحب الحسي”، خصوصًا أولئك الذين يعانون أيضًا من متلازمة العبقرية لاسيما المصابين بالنوع المكتسب منها. لاتستطيع الجزم بأن تلكم النظريات لاتتطابق وهذه الحالات بشكل كلي، غير أنها لم تشرح حالة “الوعي” بصورة شاملة. ومن المثير للاهتمام أن بعض “دراسات الحالات” و”مجموعات الدراسة” لعبت دور “الحجة المضادة” لبعض نظريات علوم الإدراك، فكان ذلك جهدًا رائعًا انبثق من البحوث الأساسية التي أجريتها سابقًا. كنتُ مهتمة أيضًا بمعرفة القدرات التي يتمتع بها الدماغ، ولم تخلو الفلسفة من نظريات مرتبطة بالدماغ، غير أن “دراسات الحالات” أثبتت بأنها غير دقيقة؛ حيث تتضمن الفلسفة منهجًا كاملًا متخصصًا في مجالات الموهبة والقدرات الإدراكية.. حسنًا، الفلسفة لا تُلغي عملية التعلم، ولكنها تذهب إلى أن الإنسان يولد بقدراتٍ دماغية معينة، ومن خلال تلك القدرات تتكون لديه حدودًا معينة للأشياء التي يستطيع تعلمها. بيد أن الحالات التي درسناها أثبتت عكس ذلك؛ فقد كان لدينا مجموعة من الأشخاص العاديين جدًا الذين تعرضوا لإصابات معينة برأسهم؛ فتطورت لديهم قدرات معينة تجاوزت المعدل الطبيعي كثيرًا.
س/ يرتبط هذا الموضوع بشكل جميل بعنوان كتابك ” العقل البشري الخارق”. ولكن هناك ضجيجًا واسعًا أحدثه مصطلح “اللدونة العصبية” ، هل تعتقدين بأن المجتمع الغربي كان ينظر إلى الدماغ بشكل خاطئ لمدة طويلة من الزمن؟ وهل ساهمت الفلسفة برأيك في تغيير هذه النظرة؟
أعتقد يقينًا بأن الفلاسفة في الماضي قد أخفقوا في فهم “اللدونة العصبية” للدماغ ، كما كان لكثيرٍ من علماء الأعصاب فكرة ثابتة حوله لمدة طويلة، غير أنهم أدركوا في نهاية المطاف أن الدماغ يتميز باللدونة فعلًا؛ فإذا فقد أحدهم القدرة على الكلام بسبب إصابة في مركز اللغة لديه في الجانب الأيسر من الدماغ، يتواصل مركز اللغة في مع جزء آخر في الجانب الأيمن من الدماغ لإصلاح الخلل. تمسّكت كثيرٌ من نظريات الفلسفة بالفكرة التقليدية التي كانت ترى بأن الدماغ يبقى ثابتًا بعد اكتمال تطور الإنسان، وتبنى الفرضية ذاتها علماء الأحياء وعلماء النفس لسنوات عدّة . لكن لسببٍ ما، احتاج الفلاسفة وقتًا أطول لإدراك النظرة الجديدة حوله.
س/إذن تستند فرضيتك على أننا جميعًا نملك منطقة نائمة غير مستخدمة يمكننا إيقاظها ؟
نعم، يملك أغلبنا هذه القدرات؛ فجميعنا معرضين لمواقف مشابهة للموقف الذي تعرض له جيسون بادجيت عندما أصيب في رأسه.هي مواقفٌ نادرة بالطبع، ولكنها تؤدي في بعض الحالات إلى تغيرات في الدماغ وتكشف عن قدرات استثنائية مختبئة فيه.
س/هل تعتقدين بأن المجتمع قد اعتاد فكرة أننا نستطيع استخدام هذه القدرات؟ هل بدأ الإعلام يتحدث فعليًا عن الموضوع؟
نعم بدأت النقاشات حول الموضوع، ولكني أظن بأن كثيرًا من الناس لم يستوعبوا الفكرة كليًا بعد؛ ففكرة لدونة الدماغ هي فكرة شاملة، غير أن الناس يحصرون معناها في الشفاء بعد التعرض لسكتة دماغية؛ ذلك لأن فكرة تجاوز حدود ماهو طبيعي جديدة نوعًا ما لكثير منهم. وهكذا فالنقاشات قائمة حول الموضوع ،ولكنها ماتزال جديدة ومثيرة للجدل في كثير من الأوساط.
س/مارأيك بالفرضية المتداولة كثيرًا والتي عدّها الناس بأنها غير صحيحة وهي :”أننا نستخدم 10% فقط من أدمغتنا”؟
نعم، تلك فكرة قديمة ويمكن تأويلها بطرق مختلفة، فإذا ما فهمت المعنى السطحي لها، ستُصبح خاطئة، وإذا ما أوّلتها على أن هناك أجزاءً من أنسجة الدماغ لاتعمل، فستكون بذلك مخطئًا تمامًا أيضًا؛ لأن أنسجة الدماغ التي لاتوجد لها وظيفة معينة تضُعف و تنكمش بكل بساطة. لذا فهناك عدّة طرق يمكننا من خلالها فهم هذه العبارة، أحدها أن لدينا معلومات نائمة داخل الدماغ، قابعة في الداخل، وغير مستخدمه، لأننا لانملك صلاحية مستمرة للوصول إلى أجزاء محددة في أدمغتنا ، فنستخدم بطريقة واِعية 10% فقط من الدماغ عندما تكون لدينا إرادة قوية . وهناك أيضًا مناطق نائمة في الدماغ لانستطيع استخدامها دون مستوى الإدراك الشعوري، ولكنها تبقى نشطة لدرجة أنها لاتضعف ولا تنكمش. وهناك أيضًا تأويل آخر، وهو أن الدماغ يمتلك قدرات معينة نستخدم نحن 10% فقط منها، وعندما نذهب إلى صحة هذه العبارة بشكل جزئي، فذلك لأننا إذا ما استطعنا رؤية هذه القدرات، ستُصبح العبارة صحيحة فعلًا؛ فهناك الكثير من القدرات التي يتمتع بها الدماغ ولكنها غير مستغلة. ويمكننا القول أيضًا أن هناك كثيرًا من الأنشطة النائمة في الدماغ والتي يمكن الكشف عنها إذا ماتوفرت لدينا الأدوات المناسبة لذلك.

1 فيلم أمريكي مُقتبس من قصة حقيقة لرجل أمريكي يُدعى كيم بيك، مُصاب بمرض التوحد ويمتلك قدرات عقلية خارقة. (المترجم)
2 تعتمد فكرتها على تحفيز الدماغ باستخدام حقل مغناطيسي، وتستخدم لإجراء دراسات على نشاط الدماغ لمعرفة نسبة نشاط مناطق معينة فيه، كما باتت تستخدم الآن كعلاج لبعض الأمراض النفسية. (المترجم)

https://www.52-insights.com/berit-b…

عن

شاهد أيضاً

“حمضٌ من بين ملايين الأحماض”: حمض الـ DNA ليس الجزيء الجيني الوحيد

تقديم: مات دافيس بتاريخ: 21. نوفمبر. 2019 لموقع: BIGTHINK.COM ترجمة: هندية عبد الله تصميم الصورة: …

“محرك الوعي” في الدماغ هي منطقة بالغة الصغر

بقلم: ستيفن جونسن بتاريخ: 12/شباط/2020 ترجمة: رهام عيروض بصمه جي تدقيق: ريام عيسى  تصميم الصورة: …