كُتب الكثير عن كريسبر في السنة الماضية. وهو أداة التعديل الجيني القوية التي يمكنها أن تقطع وتلصق الجينات بسرعة وسهولة، والذي يعني أن العلماء قد يستخدموها في تعديل أمراض الخلايا البشرية، وحتى منع الأختلالات الوراثية أصلاً. في تشرين الثاني، تم تجربة كريسبر لأول مرة على مرضى سرطان الرئة البشري.
ولكن على الرغم من إمكانياته، فهي لا تزال تكنولوجيا جديدة كليًا، ومثل أي تقنية جديدة، لها القدرة على التسبب بآثار جانبية لا يمكننا التكهن بها حتى الآن – والتي يمكن أن تكون سيئة حقًا إذا بدأنا بأستخدامه بأنتظام على البشر. لكن الخبر السار هو أن العلماء يعتقدون أنهم قد وجدوا زر “أيقاف” الذي يوقف كريسبر في مساره.
وقال الميكروبيولوجي جوزيف بوندي من جامعة كاليفورنيا، سان فرانسيسكو، الذي أجري البحث في مختبره “أن الباحثون والعامة قلقون بشكل معقول حول كون كريسبر أداة قوية جدًا لدرجة أنه يحتمل أن يتم تسخيره لأستعمالات خطيرة.”
“توفر هذه المثبطات ألية لمنع تطبيقات كريسبر البغيضة أو الخارجة عن السيطرة، مما يجعل أستكشاف كل سبل هذه التكنولوجيا التي يمكن أستخدامها لمساعد الناس أكثر أمانًا.”
مشكلة كريسبر هي صعوبة أحتواء التغييرات بمجرد أدخاله- فالتغييرات الجينية ليست بالشيء السهل الذي يمكنك العودة لاحقًا لأصلاحه.
مفتاح الأيقاف الجديد غير قادر على عكس التغييرات التي أجريت بالفعل، ولكن يمكنه بسرعة أن يوقف النظام من أجراء اي تعديلات أخرى.
كريسبر، أو نظام كريسبر / كاس 9، كما يطلق عليه رسميًا، يعمل كمجموعة من المقصات الجزيئية. أكتشف لأول مرة داخل البكتيريا، حيث يستخدم كسلاح جيني لأيقاف أصابة البكتيريا بالفيروسات ( نعم يمكن أن تصاب البكتريا بعدوى فيروسية)
طريقة عمله أساسًا هي عندما تصاب بكتيريا بفيروس، كل مرة تقوم بالبكتيريا بحفظ جزء صغير جدًا من الحمض النووي الفيروسي وتحبسه في الأرشيف الجيني المسمى كريسبر، لتتمكن من التعرف عليه في المرة القادمة.
أذا أصيبت مرةً أخرى، هذا الحمض النووي الفيروسي يشفر كسلاح سري يدعى بكاس 9 _ وهو أنزيم يصطاد أي حمض نووي يطابق ذلك المحفوظ في الأرشيف، ومن ثم بخبرة يقطعهُ من البكتيريا ويعطل الفيروس.
ولكن في عام 2012، أدرك الباحثون أن النظام يمكن برمجته لقطع أي جزء من الحمض النووي. حيث تقوم بإضافة الجين الذي تريد قطعه لكريسبر، وسيقوم كاس 9 بقطعه.
المشكلة هي أن الأداة لا تزال في أيامها الأولى. وعلى الرغم من أن أستخدامها أسهل بكثير وأكثر دقة من أي تقنية تعديل جيني أمتلكها العلماء سابقًا، فما زلنا في طور تعلم السيطرة عليها. فالعلماء الصينيون الذين أصبحوا أول من يستخدم كريسبر على الأجنة البشرية الغير حية في 2015 أعترفوا بأن الأداة لا يزال أمامها عقبات كبيرة لتتجاوزها قبل أن يصبح أستخدامها السريري حقيقة واقعة.
ما يثير القلق هو أن كاس 9 يمكن عن طريق الخطأ أن يعدل الجينات الغير مقصودة، أو أن تغييراته يمكن أن يكون لها أثار جانبية غير متوقعة. والأسوأ من ذلك، في الأيدي الخطأ، يمكن أن تستخدم الأداة لأغراض مثيرة للجدل وغير أخلاقية، على سبيل المثال، التعديل الغير منتظم للخط الجنسي البشري ( يعرف أيضًا بالبشر المُصمم).
ولكن مفتاح الأيقاف الجديد يمكن أن يعرض حلاً لأيقاف التغييرات التي يحدثها كريسبر في مسارها، وليس هذا فحسب، فهذا المفتاح يمكن أن يجعل التقنية أكثر دقة أيضًا.
المفتاح هو عبارة عن سلسلة من البروتينات “المضادة لكريسبر” والتي تم أكتشافها داخل الفيروسات التي تهاجم البكتيريا، حيث أنها تستخدم لتعطيل أداة تعديل الجينات والتسلل ألى الحمض النووي للبكتيريا.
و قال رئيس فريق الباحثين بنيامين روخ ” بالضبط كما تم تطوير تكنولوجيا كريسبر من أنظمة الدفاع الطبيعية المضادة للفيروسات في البكتيريا، يمكننا أيضًا الأستفادة من البروتينات المضادة لكريسبر التي نحتتها الفيروسات للألتفاف على تلك الدفاعات البكتيرية.”
عزل الفريق هذه البروتينات المضادة لكريسبر من بكتيريا الليستيريا المصابة بالفيروسات.
فقد أدرك الباحثون أنه إذا كان كاس 9 البكتيري يعمل بشكل صحيح، فإنه سيبدأ بمهاجمة الحمض النووي الخاص به، بالنظر ألى أن البكتيريا قد أصيبت بفيروس معروف. ولأن ذلك لم يحدث، فلا بد أن شيءً ما قد أوقف كاس 9.
عزل الفريق البروتينات التي يبدو أنها متورطة في العملية وأختبر فيما إذا كان أي منها يمكن أن توقف تعديل كريسبر من الحدوث في الخلايا البشرية. ووجد الباحثون أن اثنين من هذه البروتينات، AcrIIA2 وAcrIIA4، عمِلا معًا لمنع أنظمة كريسبر التي يشيع أستخدامها بين العلماء. لم يتمكنوا من عكس التغيرات الجينية التي سبق أن تم إحداثها، ولكنها يمكن أن توقف أي تعديلات في المسارات من خلال أيقاف كاس 9 ومنعه من قطع الجينوم.
هذا يدل على أن البروتينات يمكن أن تعمل على أيقاف التعديل الجيني حتى خارج المختبر، ويمكن أن تغلق أي نشاط غير منتظم.
يتطلع الفريق الآن ليس فقط ألى تطوير “مفتاح أيقاف كريسبر” ولكن أبعد من ذلك، لرؤية كيف يمكن أستخدام هذه البروتينات لجعل تعديل كريسبر أكثر دقة وتطورًا.
ويقول روخ “الخطوة التالية هي أن تظهر في الخلايا البشرية أن أستخدام هذه المثبطات في الواقع يمكن أن يحسن دقة التعديل الجيني عن طريق الحد من الأثار الجانبية.”
وأضاف “نريد أيضا أن نفهم بالضبط كيف تمنع البروتينات المثبطة القدرات الأستهدافية لـــــ Cas9 ، ومواصلة البحث عن مثبطات لكريسبر أكثر وأفضل في بكتيريا أخرى.”
ونحن نتطلع لرؤية كيفية تطور الأداة أكثر.
نشر البحث في مجلة الخلية (The Cell)
المصدر :
http://www.sciencealert.com/scienti…