قام مهندسو معهد ماساشوتس للتقنية (MIT) بتطوير نوعٍ جديدٍ من اللُقاحات، يتسمُ بكونه سهل الإنتاج وقابلاً للتعديل، من المُمكن أن يتمّ إنتاجهُ في غضون أسبوعٍ واحد، ما يجعلُ من قابليته على الإنتشار كبيرةً جدًّا كإستجابةٍ للأمراض المُتفشيّة وسريعة الإنتشار. إذ أنّهُم قد تمكنوا بالفعل، حتّى الآن، من صناعة لُقاحاتٍ ضد الإيبولا والإنفلونزا وإنفلونزا الخنازير وطُفيليّ التوكسوبلازما (المُسبّبُ للملاريا) والتي أظهرت فاعليتها بنسبة 100% في الإختبارات المُجراة مُختبريًا على الفئران.
يتكونُ اللُقاح من خيوطٍ دقيقة من المادة الوراثيّة المعروفةُ بإسمِ الرنـا المِرســال (mRNA)، والتي من المُمكن أن تكون مُصمّمةً لتمثّل الشيفرة الوراثيّـة لبروتين أيّ راشحٍ أو طُفيليّ أو بكتيريا. بعدها يتمُّ تعبئتُها على شكلِ جُزيء، يُعدّ خصيصاً لإيصال الحامض النوويّ الريبيّ -أو الرايبوزيّ- (RNA) إلى الخلايا الهدف، والتي ستقومُ بترجمتها إلى بروتيناتَ مُعينة، ما يحفزُ الإستجابة المناعيّة لدى المُضيف (Host).
وفضلاً عن كون العُلماء قد إستهدفوا الأمراض المُعدية بهذا اللُقاح، إلّا إنّ العُلماء ينحونَ ذات المنحى في تخليق لُـقاحاتٍ للسرطان من شأنها أن تُعلّم الجهاز المناعيّ كيف يتعرّف على الأورام السرطانيّة فيقومُ بتدميرها.
دانيال آندرسون، الأستاذُ المساعد في معهد ماساشوتس للتقنية-قسمُ الهندسة الكيميائيّة، وعضوُ معهد ماساشوتس للتقنية- مؤسسةُ كوخ لأبحاث السرطان التكامُليّـة، وعضوُ معهد ماساشوتس للتقنية-مؤسسةُ البحث العلميّ و الهندسة الطبيّة (IMES)، يقولُ ’’إنّ هذا النهج المُستخدم لإنتاج اللُقاحات، والمُسمى بـ(Nanoformulation)، يتيحُ لنا إمكانية تخليق اللُقاحات لأمراض جديدة في ظرف أسبوع لا أكثر، ما يسمحُ لنا بإجراء تعديلاتَ أو تحسينات سريعة، وكذلك التـعامل مع الحالات المُفاجئة أيضًا‘‘.
وآندرسون، هو المُشاركُ الأقدم في إعداد ورقة بحث علميّة تصفُ اللُقاحات الجديدة، في المحضرِ الأكاديميّ الوطنيّ للعُلوم في الأسبوع الذي تلا الرابع من تمّوز (يوليو) للعام 2016 ميلاديّ. المشروعُ أدارتهُ جازديف جاهال (أبحاثُ ما بعد الدكتوراه في معهد ماساشوتس للتقنية- مؤسسةُ وايتهيَد للأبحاث الطبيّة) وعُمر خان (أبحاثُ ما بعد الدكتوراه في معهد ماساشوتس للتقنية-معهد كوخ)، و كلاهُما من المُشاركين في إعداد الورقة البحثيّة سالفة الذكر.
-لقاحاتٌ قابلة للتعديل-
معظمُ اللُقاحات المعروفة حاليًّا ما هي إلّا شكلٌ غيرُ نشطٍ للراشح، أو غيرهُ من المايكروبات المُسببة للأمراض. وهذا النوعُ من اللُقاحات يستغرقُ وقتاً طويلاً ليتمّ إنتاجُه. فإستخدامُ هذا النوعُ، يعدُّ بالنسبة لبعض الأمراض، مُخاطرةً كبيرةً جدّاً. لكنّها لا تفلحُ دائماً في حثّ جسم المريض على الإستجابة (إستجابة مناعيّة) بصورةٍ قويّة، ما يجعلُ الباحثين يلجؤون إلى إستخدام مادّة مُساعدة (مادة كيميائيّة تحفّز الإستجابة).
ويا لها من أخّاذةٍ و جذّابة، لقاحاتُ الحامض الريبيّ (RNA)، لأنّها تُحفّزُ الخلايا العائِلة على إنتاج نسخ عديدة من البروتينات التي توجدُ معلوماتُها الوراثيّة في اللُقاح بصورة مُشفرة (شيفرة وراثيّة)، ما لهُ أن يحفّز الجهاز المناعيّ في الجسم بصورة أكبر مما لو زوّد بالبروتينات نفسها. فكرةُ إستخدام الـحامض الريبيّ المرسال، تعودُ لثلاثين عاماً تقريباً، لكنّ العقبة الأساسية التي جابهتها هذه الفكرة، هي كيفيّةُ إيجاد طريقةٍ يتمُّ بها إيصالُ الجزيئات (جزيئاتُ الحامض الريبيّ) إلى الهدف بصورةٍ أمينة، و فعّالة.
إرتأى عُمر خان أن يقوم بحزم لقاحاتِ الحامض النوويّ الرايبوزيّ في جُسيمات هي غايةٌ في الدقّة (الصغر)، تصنعُ من جُزيءٍ مُتفرّع يُعرف بالـ(Dendrimer). السمةُ المُميزة لهذا الجُسيم هي قابليتهُ على أن يتمّ شحنهُ بشحنة موجبة مؤقتة، ما يسمحُ لهُ بتكوين إرتباطاتَ مع الحامض الرايبوزيّ للعائل، والذي يكونُ ذا شحنةٍ سالبة. عُمر خان بإمكانه أيضاً التحكمُ بحجم ونمط (شكل) الهيكل النهائيّ. و بتحفيز الـجُـزيء المتفرع على التضاعف المُتتابع و لعدّة مرات، تمكّن خان من الحصول على جزيئات اللُقاح بأقطار تبلغُ حوالي 150 نانومتر، وبشكلٍ كرويّ، و أحجامُها تكادُ تكون جميعاً مُتساوية (كما في الرواشح)، و بأعدادها هذه، لها أن تدخُل الخلايا بإستغلال ذات البروتينات الغشائيّة التي تستغلُّها الرواشحُ لولوج الخليّة.
إدخالُ التعديلات على تسلسُلات الحامض النووي الرايبوزيّ، لهُ أن يُمكّن الباحثين من إنتاج اللُقاحات من أيّ بروتين يريدون إنتاج لُقاحٍ مُعينٍ منهُ (تقريبًا جميعها). يحملُ جزيءُ الحامض الريبيّ المُستخدم في اللُقاح، كافّة المعلومات الوراثية اللازمة للتضاعُف، ما يجعلُ الخليّة بنفسها قادرةً على إنتاج المزيد من البروتين.
اللقاحُ قد أُعدّ ليدخُل جسم المريض عبر الحقن العضليّ، ما يسهّلُ أيضًا من إدارة عملية تلقيح المُصاب. وما أن تدخُل جزيئاتُ اللقاح خلايا الجسم، حتّى تبدأ عمليةُ ترجمة الرنا المرسال، لبدء عملية بناء البروتين، وتحفيز النظام المناعيّ. من الحريّ بالذكر، أنّ هذه اللُقاحاتُ تقومُ بتحفيز الإستجابة في النظام المناعيّ في الجسم.. بذراعيه[الخلايا نوع (T) والأجسام المُضادّة] وبشكل ملحوظ.
التجاربُ التي أُجريت على الفئران، والتي تلقّت فيها الفئرانُ جرعة واحدةً لا أكثر، لم تظهر فيها على الفئران أيُّ أعراض إصابة بعد تعريضها للمُسببات المرضيّة للإيبولا وإنفلونزا الخنازير (H1N1) والتوكسوبلازما.
يقولُ عُمر خان: ’’لا يهمُّ أيّ مستضدٍ نختار، لإنّنـا تمكنّا من بلوغِ حالة التحفيز التامّ للإستجابة المناعيّة لدى كلّ من الخلايا(T) والأجسام المُضادّة.‘‘
يؤمنُ الباحثون بأنّ لُقاحهُم هذا، سيكونُ من الآمن إستخدامُه، أكثر من لقاحات الحامض النووي الرايبوزي منقوص الأوكسجين (دنا، DNA)، ذلك لأن الأولى لا يمكنُ أن تتحد بجينوم العائل فتُسبب الطفرات الوراثيّة، خلافًا للُقاحات الدنـا.
-الإنتشارُ السريع- :
إن على القُدرة على إنتاج هاته اللُقاحات أن تكونَ مُفيدةً إلى حدٍ بعيد، في علاج الإنفلونزا، لأنّ طريقة إنتاج لُقاح الإنفلونزا الشائعة الإستخدام، تتطلّبُ وضعَ الرواشح داخلَ بيوض الدجاج، عمليّةٌ تتطلبُ شهراً لتتُمّ. وهذا يعني، إنّ الظهورَ غير المُتوقّع لسُلالةٍ جديدة من الراشح، كما حدث في عام 2009 عندَ ظهور راشح إنفلونزا الخنازير (H1N1)، يكادُ يكونُ من المُستحيل إستدراكُه بإنتاجِ لُقاحٍ جديد مُضاد لهُ.
تقولُ جاهال: ’’عادةً ما يُصبحُ اللُقاح مُتاحًا بعدَما يكونُ إنتشارُ المرض و تفشيّه يكادُ يكونُ إنتهى.‘‘ وتُضيفُ قائلةً: ’’نعتقدُ أنّنا بهذه الطريقة الجديدة لإنتاج اللُقاحات سنكونُ قادرين على إنتاجِ اللُقاح في فترةٍ تتزامنُ مع فترة تفشّي المرض وإنتشاره.‘‘
عُمر خان وجازديف جاهال، يُخططان سويّةً لإنشاء شركة خاصّةٍ بهمـا لترخيص وتسويق التكنولوجيا (التقانات)، وبالإضافة إلى اللُقاحاتِ التي سبقَ وأن أنتجوها، يخطّطان الآن لتخليق لُقاحاتٍ لراشح زيكا (Zika Virus) ومرض اللايم (Lyme Disease).
وفي الوقت نفسه، يعملُ خان وجاهال على إنتاج لُقاحاتٍ للسرطان. في “المهمة: المُحتملة Mission: Possible”، المُسابقةُ التي إستضافها معهدُ كوخ، إنتهى الأمرُ بالفريق الذي كان خان و جاهال جُزءً منهُ، بالإنسحاب من المُسابقة، لأنّهُم نجحوا في الحُصول على مُموّل، فضلاً عن قيامِ مؤسّسة البحث العلميّ الطبيّ المُتقدّم بعرض تقديم الدعم لهُم.
وفيما خصّ هذا المشروع لا بُدّ من أن نذكُر، بأنّ الباحثين صمّموا هذه اللُقاحاتِ لُقاحاتٍ تستهدفُ جيناتٍ عادةً ما يتمُّ تشغليلُها فقط أثناء النموّ الجنينيّ. إذ أنّ هاته الجينات، تصبحُ خاملةً في البالغين، والتي يُعادُ تنشيطُها عادةً في أحد أنواع الأورام السرطانيّة، المعروفة بإسم “سرطانُ الخلايا الرئويّة غيرُ الصغيرة Non-Small Cell Lung Tumors”.
ويقولُ الأستاذُ من معهد ديفيد إتش كوخ، روبرت لانجر، مُعدّ الورقة البحثيّة التي تحدثت عن التقنية الجديدة لإنتاج اللُقاح:’’نحنُ جميعًا نتطلّعُ قدماً لما سيؤولُ إليه إستخدامُ هذا النهج الجديد في إنتاج وتخليق اللُقاحات.‘‘
المصدر: https://www.sciencedaily.com/releases/2016/07/160704223415.htm