«الكاتب الذي ينتظر الظروف المثالية للكتابة؛ سيموت دون أن يخُطّ على بياض الورق أيَّ كلمة».
نشرت كورت فيرغن Kurt Vonnegut مؤخرًا مقالًا عن الأعمالِ الروتينية التي يقوم بها بعضُ كُتّابِنا المحبوبين، والطريقةِ التي ينظمون بها أيامَهم وكتاباتِهم. وقد انتخبتُ مجموعةً من المقابلات القديمة من مختلف اليوميات المحفوظة في أرشيف مجلة (باريس)، وقمت باستسقاء حفنةٍ من الأعمال الروتينية لبعضِ كُتّابيّ المفضَّلين. أتمنى أن تتمتعوا بالاطّلاع عليها.
• راي برادبري Ray Bradbury:
من دعاة العملِ على مدى الحياة وربطِه بالفرح. كاتبُنا هذا بطلٌ متعطشٌ للمكتبات العامة، هزلي، يتحدى مسألةَ الروتين كما قال في مقابلةٍ نُشرَت عام 2010:
«في كلِّ يومٍ من أيام حياتي، ومنذ أن كنت في الثانية عشرة من عمري، يقودُني شغفي إلى الآلة الكاتبة بنفس الوتيرة. لذا فلم أهتم كثيرًا بالمواعيد. هنالك دائما أشياءٌ وكتاباتٌ جديدة تتفجر بحياتي وتجدولني وفق حضورها، لذلك لا جدولة لحياتي أو إنجازاتي. دائما ما تدعوني الآلةُ الكاتبةُ لمداعبة حروفِها وإنهاء فكرةٍ انبثقت من مكانٍ ما.
يمكنني العمل في أيِّ مكان. لقد كتبتُ في غرف النوم وغرفة المعيشة في صباي، حيث كنت اقطن مع أهلي في بيت صغير في لوس أنجلوس. كنتُ أكتب على الآلة الكاتبة في حين كان الراديو وأمي وأبي وأخي يتحدثون جميعُهم في نفس الوقت. لاحقًا، وعندما بدأتُ بكتابةِ (451 فهرنهايت-Fahrenheit 451)، ذهبتُ إلى جامعة كاليفورنيا حيث وجدتُ في طابقها السفلي غرفةً للطباعة، وكان من الممكن أن تشتري ثلاثين دقيقةَ طباعةٍ من الوقت بإضافة عَشر سنتات إلى الآلة الكاتبة».
• جوان ديديون Joan Didion:
أما جوان فقد خلقت لنفسِها فترةً من حضانةِ الأفكار، وذلك حسب ما بيَّـنَت في مقابلةٍ لها سنة 1968:
«أحتاج إلى ساعةٍ أنفرد بها مع كأسٍ من المشروب لكي أعيد إلى ذهني ما أنجزتُه ذلك اليوم. لا أستطيع أن أقوم بهذا الأمر في وقتٍ متأخرٍ من الظهر، لأني سأكون نوعًا ما قريبةً من الحدث. أما المشروب فهو يساعدني على محو بعضٍ من تلك الأوراق. لذلك أقضي هذه الساعة أحذف بعضَ السطور وأضيف أُخَر. وهكذا دواليك، في كل ليلة أُعيد ترتيبَ هذه الملاحظات مساءً.
عندما أكونُ منغمسةً في العمل لا أحبذ الخروج أو دعوة أحدِهم على العشاء، لأني حينها سأفقد ساعةً من وقتي. إذا كنتُ خسرتُ الساعة وبدأتُ يومي مع مجرد بعض الصفحات السيئة ودون نقطة البدء؛ فمع كل هذه الفوضى سأكون بكل تأكيد في أسوأ حالاتي المعنوية. شيءٌ آخرٌ عليَّ القيامُ به، خاصةً عندما أكونُ قريبةً من نهاية كتابي، هو النوم، وبنفس الغرفة مع أوراقي. وهذا من أهم الأسباب التي تدفعني للذهاب إلى سكرامنتو لإنهاء الأمور. أُؤمن بِطريقةٍ ما أن الكتاب لا يغادرك حين تكون نائمًا بالقرب منه. في سكرامنتو؛ لا أحد يهتم إذا ما خرجتُ من منزلي أم لا, لذا يمكنني النهوض والبدء بالكتابة».
• إيلين بروكس وايت E. B. White:
كان قد أوضح لنا في مقابلة رائعة أن بصيرة الكاتب لا يحدها زمنٌ، وكذلك دورَه ومسؤوليتَه وقد ذكر علاقته بالأصوات مقتبسًا لوصايا تشايكوفسكي بالتركيز على أخلاقيات العمل:
«لا أستمع إطلاقا إلى الموسيقى حين أكتب. ليست لدي هذه النزعة، ولا أحبها على الإطلاق. إلا أنني قادرٌ على العمل والكتابة على نحوٍ جيد في خضم العديد من الانحرافات العادية. يحوي منزلي غرفةَ معيشةٍ هي مركز كلِّ شيء, فهي ممر إلى القبو والى المطبخ، كما لابد أن يمر بها من يريد استخدام الهاتف. وهكذا فهي دائمًا ما تضج بازدحامٍ مروريٍّ خانق. لكنها بالنسبة لي غرفة مشرقة مليئة بالحياة والبهجة, لذا فغالبًا ما أستخدمها غرفةً لكتابتي على الرغم من الكرنفال الذي تجري أحداثة من حولي. فمثلًا؛ غالبًا ما تدفع فتاة التنظيف بمكنسة السجاد تحت الطاولة التي تقبع فوقها الآلة الكاتبة، وبرغم كل ما تحدثه من ضجيج إلا أنها لا تشكل إزعاجًا أو تشتتًا لذهني وتركيزي في العمل، إلا حين تكون تلك المنظفة جميلةً على نحوٍ خارق أو غبيةً حمقاء على نحوٍ غير عادي.
كما أن زوجتي، والحمد لله، لم تقم بمساندتي كما قيل لي أن بعض زوجات الكتاب تفعلْن. على النقيض من ذلك، فأفراد أسرتي لم يكن لهم أدنى اهتمام بكوني كاتب. فهي لا تمانع الضجة وتسمح لهم بأن يشاغبوا كما يحلو لهم. وإذا ما قُدِّر و مرضتُ من جراء ذلك وانزعجت؛ فالجواب واحد: لديك الكثير من الأماكن التي تستطيع أن تقصدها للكتابة. فالكاتب الذي ينتظر الظروفَ المثالية التي بموجبها يبدع في عمله سوف يموت دون وضع كلمةٍ على الورق.
• جاك كيرواك Jack Kerouac:
يصف (جاك) طقوسَه والخرافاتِ التي تحيط بها في مقابلةٍ سنه 1968:
«أقوم بإضاءة شمعةٍ واحدةٍ مرة واحدة بالمساء، وأكتب على نورِها وأقوم بأطفاءها عندما أنتهي من ليلتي. كما أني أركع للصلاة قبل البدء بالكتابة – لقد تأثرتُ بفيلمٍ فرنسي يتحدث عن (جورج فردريك هاندل George Frideric Handel) – ولكنّي ببساطة أكره أن أكتب الآن.
ماذا عن خرافاتي؟ لقد بت أشك حتى في اكتمال القمر. كما تعلقت بالرقم تسعة على الرغم من أنني من مواليد برج الحوت ورقم حظي هو السبعة. أحاول أن ألمس الأرض تسع مرات، ذلك حين أكون في الحمام فأكون واقفًا على رأسي الذي يلامس النعال بشرط أن يلامس إبهام قدمي الأرض تسع مرات كذلك وأكون في وضعية متوازنة. هذا الفعل يعتبر أكثر وأقسى من اليوغا، فهو إنجاز رياضي فذ. فهل من المعقول بعد كل هذا أن تسميني بـ(غير المتوازن)! بصراحة مطلقة؛ أحيانا أشعر أن عقلي بدأ يتلاشى، لذا أمارس طقسًا آخر كما تسمونه؛ بأن أدعو المسيح كي يساعدني في المحافظة على سلامة عقلي وطاقتي لكي أدعم عائلتي؛ أمي المشلولة وزوجتي وقططي الجميلة».
وبعد فترة تأمل، أضاف حول الوقت والزمان الأكثر مناسبةً للكتابة:
«مكتبة بقرب السرير مع ضوء جيد، وتناجي الورق من منتصف الليل وحتى بزوغ أول خيط للشمس، وكأس من الشراب حين تتعب. ستكون الكتابة رائعه بمنزلك. ولكن إن لم تملك منزلًا خاصًا فلتقطن بغرفة في فندق أو حتى تكتب على وسادة، إنه نوع من السلام».
• سوزان سونتاغ Susan Sontag:
دوّنَتْ في مذكرتها سنه 1977, إضافة إلى مجموعة من الحِكم التي أطلقتها عن الكتابة، تقول:
«أبدأ الغد، إن لم يكن اليوم، بأن:
– أصحو من نومي في موعدٍ لا يتجاوز الثامنة صباحًا. وأستطيع كسر هذه القاعدة مرةً واحدةً في الأسبوع.
– أتناولُ غدائي فقط مع روجر. لا أخرجُ للغداء إلا مرة واحدة فقط كل أسبوعين.
– أقوم بتدوين ملاحظاتي بشكلٍ يومي – مثلا: كتبي عن يشتنبرغ الغربية -.
– أطلبُ من المحيطين بي من أصدقاء أو معارف ألّا يتصلوا بي في الصباح لأني لن أردُّ على اتصالاتهم.
– سأحاول أن أحصر قراءتي للمساء فقط ، فقد قرأتُ كثيرًا محاولوً مني للهرب من الكتابة.
– سأرد على الرسائل مرة أسبوعيا. أما عن الجمعة فسأكون مضطرة للذهاب إلى المستشفى.»
و تحدثت في مقابلة ثانية، وبعد عقدين من الزمن، مع أحد المحررين في مجلة (باريس) عن التفاصيل الروتينية التي تقوم بها عند الكتابة:
«أكتب باستخدام قلمٍ ذو طرفٍ من اللباد، وأحيانا قلم رصاص، على ظهر أوراق الملاحظات القانونية الصفراء أو البيضاء تلك التي كان الكتاب الأمريكان مولعين بها. كما أني أحب الكتابة اليدويو، وأكتب ببطءٍ شديدٍ ثم أقوم بطباعتها وتوثيقها على الآله الكاتبة. حتى إني اقوم بإعادة الطباعة أو حتى إجراء التصحيحات اللازمة يدويًا أو مباشره باستخدام أزرار الآله الكاتبة، حتى أصل لقناعةٍ خالصة أن ليس بمقدور النص أن يكون أفضل.
هكذا كان الحال منذ خمس سنوات خلت، بعدها ظهر الحاسوب في حياتي. بعد المسودة الثانية أو الثالثة سأقوم بحفظها على الكومبيوتر خاصتي، ومن غير الممكن أن أعيد مخطوطةً كاملة بعد الآن، رغم هذا أقوم بالاستمرار بالمراجعة على مسوداتٍ ورقيةٍ أسحبُها من الحاسوب.
تأتيني نوبة الكتابة بصورة فجائية. أكتب حين أحس أن هنالك ضغطًا كبيرًا يتنامى بنفسي، وأشعر بتلك الثقة التي تخبرني أن فكرةً ما نضجت في رأسي وآن الأوان لقطافها. ولكن ما أن أبدأ بالكتابة لا أحب القيام بأي عمل آخر، فأظل قابعةً بمنزلي. وفي أغلب الأحيان أنسى تناول الطعام. وحتى نومي يكون لساعات قليلة. أعلم أنها طريقة غير منضبطة للعمل وهي تؤثر سلبا على غزارة إنتاجي، ولكنها تجعلني أهتمُّ بأشياء أخرى كثيرة».
• هنري ميلر Henry Miller:
في عام 1932 وتحت عنوان الروتين اليومي، همّش (هنري) وصاياه الإحدى عشر للكتابة بخطة رائعة للإنتاج والإلهام والصحة النفسية:
«صباحا: إن كنتَ تشعر بالدوار؛ فاطبع ملاحظات أوزِعها كنوعٍ من التحفيز. أما إن كنتَ بحالةٍ جيدة؛ فاكتب.
في الظهيرة: اعملْ على إنجاز القسم الذي في متناول يدك، متتبعًا بذلك خطة الجزء بدقة. لا هروب أو تطفُّل. اكتبْ حتى الانتهاء من الجزء بالوقت المناسب، من أجل الخير للجميع.
وفي المساء: رؤية الأصدقاء والقراءة في المقاهي. استكشاف أمور غير مألوفة بالسير على الأقدام إن كان الجو رطبا، وركوب الدراجة الهوائية إن كان جافًا. إذا كنتَ بمزاجٍ يساعد على الكتابة؛ حينها احرص على أن تكون ضمن أُطُر أو برامج قليلة. ارسمْ إن لم يواتيك الإلهام أو كنتَ تشعر بالتعب. اكتب ملاحظات أو مخططات توضيحية، أو يمكن رؤؤس أقلام أو حتى تصحيحات لما قد انتهى من مواد.
ملاحظة: تمتع بوقتٍ كافٍ خلال النهار لزيارة المتاحف أو معرض رسوم أو حتى مسابقات ركوب الدراجات في بعض الأحيان. ارسم مخططاتٍ في المقاهي والشوارع. قلل أو اقطع الأفلام. استعن بالمكاتب للمراجع ولو لمرةٍ بالأسبوع».
• سيمون دي بفوار Simone de Beauvoir:
في المقابلة التي أُجريَت عام 1965؛ ساهمت (سيمون) في تبديد «تعذيب – عبقرية» أسطورة الكتابة، حيث قالت:
«أنا دائما في عجلة من أمري للتقدم، رغم أني بصورة عامة لا أحب بداية اليوم. أبدأُ يومي بتناول الشاي، وفي حوالي العاشرة أشرع بالعمل حتى الساعة الواحدة، حينها أتمتعُ بصحبة أصدقائي. وفي حوالي الخامسة أعاود الكتابة حتى التاسعة مساءً. لا أواجهُ صعوبةً تُذكر في التقاط الخيط المحيط بالأمور حتى في فترة الظهيرة. عند مغادرتهم سأقرأ الورق أو ربما أذهب للتسوق. إنها متعة الكتابة هي المسيطرة في معظم الأحيان.
إذا كان العمل يسير على ما يرام, فإني حتما سأقضي ربع أو نصف ساعة في مراجعة ما كتبتُه في اليوم السابق, وأقوم ببعض التعديلات إن لزم الأمر ثم أواصلُ الكتابة من تلك النقطة لكي أصوغ الأمور بطريقة صحيحة. إذ لا بد لي من قراءة ما قمت ببث الروح فيه».
المصدر: هنا
تعليق واحد
تعقيبات: Iraqi Translation Project الأعمال الروتينية للأدباء ومشاهير الكُتّاب في العالم - جـ2 -