إنﱠ أغلب الناس يتمنون وجُود طريقةٍ بسيطةٍ تُمكنهم منَ التركيز وإسترجاع المعلومات عند الحاجة إليها. فماذا لو كان هنالك حبةُ دواءٍ تُمكنك منْ تذكُر تفاصيل إختبارك أو خطابٍ ستلقيه في مناسبةٍ معينة بسهولة ودون عناء؟ حسناً، وجدتْ دراسةٌ جديدة قادها عددٌ من الباحثين في جامعة اوكسفورد بأنﱠ دواءً يُعرف بإسم مودافينيل(modafinil) والذي يُستعمل في علاج مرض النوم القهري من المُمكن أنْ يُعزز قُدراتنا الإدراكية. وقبل الخوض في إمكانية توفر”حبة الذكاء” هذه للإستعمال، فيجبُ إثباتُ قابليتها على زيادة الذكاء حقاً قبل السماح بإستخدامها.
بالرغم من كون هذا الدواء معروفاً بإستعماله لعلاج إضطرابات النوم القهرية، إلا أنﱠ عدداً كبيراً من الناس إعترفوا بإستعماله لزيادة التركيز والإنتباه. حتى الآن، إختبر الباحثون كيفية َعمل الدواء على أناسٍ مصابين بمرض النوم القهري وكيف يُساعدهم على البقاء يقظين خلال النهار، ولكنﱠ الفريق البحثي منْ جامعة أوكسفورد أرادَ أنْ يخطو خطوة إضافية جديدة وذلك بإختبار كيفية تأثير دواء مودافينيل على القدرات الإدراكية لأُناسٍ أصحاء غير مصابين بمرض النوم القهري.أشارت النتائجُ الجديدة المنشورة في مجلة العقاقير العصبية والنفسية الأوربية European Neuropsychopharmacology بأنﱠ الدواء يُساعدُ حقاً في تعزيز القُدرات الإدراكية، ولكنْ لمجموعةٍ محددةٍ من المهام.
منْ أجل معرفة كيفية تأثير دواء مودافينيل في الأشخاص الذين يستخدمونه، قام باحثون من جامعة أوكسفورد وجامعة هارفرد بمُعاينة عددٍ من البحوث من كانون الثاني 1990 إلى كانون الأول 2014 وكانت هذه البُحوث متعلقةً بتحسُن القدرات الإدراكية المرتبطة بإستعمال دواء مودافينيل. ومن بين جميعِ الأوراق البحثية التي عاينوها، وجدوا 24 بحثاً منها يتناولُ دواء مودافينيل وقدرتهُ على مساعدة الأشخاص في صناعة القرار، التخطيط، المرونة في التعلم، الذاكرة، والإبداع. ولكنْ، وبعد التدقيق في هذه الأبحاث، وجد الباحثون بأنﱠ دواء مودافينيل يعملُ وفقاً للمهمة التي في متناول اليد. على سبيل المثال، كان دواءُ مودافينيل أكثرَ فائدةً في أنماطِ التفكير الأكثر تعقيداً، مساعداً في تنمية عددٍ من القُدرات الإدراكية مثل تعزيز الذاكرة والوظائف التنفيذية.
لاحظَ فريق البحث نتائج مثيرةً للدهشة، حيثُ إكتشفت 70% من الدراسات السابقة بأنﱠ دواء مودافينيل لهُ أثارٌ جانبيةٌ قليلة جداً. في الواقع، إنﱠ أغلب الأشخاص الذين إستخدموا الدواء من أجل تحسين قُدراتهم الإدراكية لم يُعانوا منْ أيﱢ أعراضٍ جانبية على الإطلاق، أما أولئك الذين عانوا من أعراضٍ جانبية فقدْ عانوا من الأرق، الصُداع والغثيان. وقد لاحظ الباحثون بأنﱠ هذه الأعراض الجانبية ظهرت أيضاً لدى الأشخاص الذين يأخذون دواءاً وهمياً.
قال أحدُ الباحثين بأنَه عندَ معاينتهم للأبحاث السابقة، وجدوا تطوراً في نوع البحوث المجراة على دواء مودافينيل; في البداية كان الباحثون ينظرون إلى كيفية تأثير الدواء على الأشخاص المُصابين بإضطرابٍ عصبي كمرض النوم القهري، ولكن، ومع مرور الوقت، فقد تغيرت نظرتهم إلى هذه التجارب لتشملَ تأثير دواء مودافينيل على الأنماطِ المعقدةِ من التفكير.
مع ذلك، فإنﱠ وجودَ دواءٍ محفزٍ للذكاء كدواء مودافينيل والذي من الممكن أن يُستعمل في التحضير للإختبارات المدرسية والجامعية قدْ يُثير العديد من التسائلات الأخلاقية حول جواز إستعمالِ هذا الدواء في مثل هذه الأمور. وقدْ أخبر أحدُ الباحثين بأن ظهور دواءٍ بهذه الإمكانية يجبُ أن يفتح نقاشاً جديداً حول كيفية إستعماله في الحياة اليومية.
ويبقى الجدلُ دائراً الآن: هل علينا تشجيعُ الأشخاص الذين لم يعانوا من مشكلةٍ سابقاً على تناول دواءٍ يساعد على تعزيز قدرة الإنسان في التفكير؟ أم أنﱠ هذا يُعتبر نوعاً من أنواع الغش؟
ومع إستمرار النقاش حول هذا الأمر، يُشير الباحثون إلى أنﱠ دواء مودافينيل ليس مُرخصاً إلى الآن لإستعماله في تحسين القدرات الإدراكية. في الواقع، بعضُهم قد يعتبرهُ من الأدوية التي تعملُ كالمخدرات، حيث يقولون بأنهُ مرتبطٌ بعددٍ من التأثيرات المضرة والتي تشبه تأثير المخدرات إلى حدٍ ما. في الوقت الحالي، يبقى دواء مودافينيل يُباع على أنه دواءٌ لعلاج مرض النوم القهري فقط ولا يُعتبر دواءاً محفزاً للذكاء، ولكي يتمﱠ إستعمالهُ كمحفزٍ للذكاء فإنﱠ ذلك يحتاجُ للمزيد من البحوث وإلى قبولٍ أخلاقي واسعٍ لإستخدامه في هذا المجال.
المصدر: هنا