حذر أينشتاين من أن التواصل عبر التكنولوجيا يمكن أن يتجاوز التفاعل البشري. وهذا ما يحدث، لذا يجب التدخل في أماكن العمل لدى الموظفين الذين لا يستطيعون التخلص من تلك العادة.
“وسائل التواصل الاجتماعية تدمّرالتوازن بين العمل والحياة” – كان هذا موضوع المحاضرة التي ألقيتها في جمعية علم النفس البريطانية في ليفربول قبل بضعة أسابيع. وكان موضوعي هو: “رأس المال العقلي والرفاهية في العمل”، وحاجة الناس إلى السيطرة والتحكم الذاتي أثناء العمل، والحاجة للعلاج من خلال مبداً الثواب والمكافأة بدلاً من تصيد الأخطاء. والتحكم بأعباء العمل والقدرة على إنهاء الأعمال بأوقاتها المحددة. والأهم من ذلك، إيجاد بعض التوازن في حياة الموظفين.
قمت بتسليط الضوء خلال تلك المحاضرة على أبحاث كانت قد أظهرت أن العمل لساعات طويلة بشكل مستمر له تأثير ضار على صحة العمال وحياة أسرهم وإنتاجيتهم. وأشرت إلى أن ايجاد التوازن بين العمل والحياة لمعظم الناس يزداد سوءاً بسبب رسائل البريد الإلكتروني، وذلك خلال الفائض غير المنتهي من التواصل الإلكتروني الذي يعاني منه الكثيرون سواء أكان في يوم العطل أو يوم العمل. فالهواتف الذكية والأجهزة الرقمية تعني أن الناس يستطيعون الوصول إلى رسائل البريد الإلكتروني الخاصة بهم في المساء وأيام العطل، في حين يجب أن تقضي الأسر بعض الوقت معاً دون تدخل واجبات العمل والتي من المحتمل أن تكون ضارة بصحتهم وبإنتاجيتهم. وعلى الرغم من أن مدة تطرقي لموضوع رسائل البريد الإلكتروني لم تتجاوز بضع دقائق فقط من العرض الذي قدمته لمدة ساعة واحدة، لكن الجمهور اختار بأغلبية ساحقة تلك المسألة، وكذلك فعلت الصحافة.
يؤدي البريد الإلكتروني ووسائل الإعلام الاجتماعية غرضاً هاماً جداً في مكان العمل، وتعد مساهماً فعالاً في مجال الاتصالات وعلاقات العمل الإفتراضية. لكن السلبيات أصبحت الآن تفوق الإيجابيات، والتي تشمل زيادة أعباء العمل (عندما تجد بريدك الالكتروني ممتلئ)، وفقدان العلاقات التفاعلية الشخصية مع الزملاء. وسوء استخدام رسائل البريد الإلكتروني لتجنب مقابلة الأشخاص وجهاً لوجه وإجراء مناقشات حول القضايا الصعبة المتعلقة بالعمل التي تُعد نوعاً من السلبيات في استخدام وسائل التواصل الالكترونية.
كتب أينشتاين ذات مرة: “أخشى من اليوم الذي سوف يتجاوز فيه التفاعل عبرالتكنولوجيا نظيره من التفاعل الإنساني، فالعالم سيكون وقتها عبارة عن جيل من الحمقى”.
وتتجاوز الآثار السلبية مكان العمل إلى بيوت الموظفين، حيث تشجع تكنولوجيا الاتصال الناس الوصول إلى عملهم في المساء وأيام العطل. و يمكن أن يكون لهذا تأثير سلبي كبير على نوعية الحياة. فكم مرة رأينا العائلات عند تناول العشاء حيث يقوم الوالدين (والأطفال) باستخدام هواتفهم النقالة وإرسال الرسائل النصية أو رسائل البريد الإلكتروني بدلاً من الاستماع إلى بعضهم البعض؟ وكم عدد المرات التي يعود بها الآباء إلى المنزل ويقومون باستخدام رسائل البريد الإلكتروني من خلال هواتفهم الذكية على العشاء بدلاً من قضاء الأسرة للوقت مع بعضهم؟ هل يمكن لغياب التواصل داخل الأسرة أن يخلق مشاكل لها تأثير سلبي غير مباشر على مكان العمل؟
لا تسيؤوا فهمي، فأنا لا أدعو لمحاربة رسائل البريد الإلكتروني أو الرسائل النصية ، ولكني أشير فقط إلى أنه علينا جميعاً أن نبدأ في إدارة هذه التكنولوجيا، بدلاً من السماح لها بإدارنتا. فينبغي على أرباب العمل أن يشجعوا موظفيهم – كما يقوم البعض حالياً- بتجنب الوصول إلى رسائل البريد الإلكتروني في الليل أو أثناء عطلاتهم، إلا عند الضرورة القصوى. وينبغي أن توفر المبادئ التوجيهية للموظفين حول كيفية تقليل إرسال الكثير من الرسائل الإلكترونية إلى الآخرين وتجنب إرسال رسائل البريد الإلكتروني للزملاء في نفس المبنى، وبالتالي تشجيع التفاعلات الشخصية وجهاً لوجه.
كما يتم في بعض الشركات – التي لم يستمع موظفوها الى التوجيهات ومستمرون في إغراق أنفسهم وغيرهم من الموظفين بالرسائل الالكترونية – إيقاف تشغيل الخوادم في الليل. أنا لا أدافع عن هذا الأمر، ولكن هناك رسالة قوية يجب أن تُفهم إذا ما أردنا لأعمالنا أن تكون أكثر صحيّة وأكثر إنتاجية. وكما كتب المصلح الاجتماعي جون روسكين، في سنة 1851: “من أجل أن يكون الناس سعداء في عملهم، هناك حاجة لهذه الأشياء الثلاثة: يجب أن يكونوا مناسبين لذلك العمل، ويجب أن لا يقوموا بالكثير منه، ويجب أن يكون لديهم شعور بالنجاح أثناء أدائهم لعملهم”.
المصد: أضغط هنا