الرئيسية / رياضيات / الفركتلات .. عالمٌ من البساطة شديدة التعقيد! (1 من 5)

الفركتلات .. عالمٌ من البساطة شديدة التعقيد! (1 من 5)

الحلقة الأولى: ماهي؟ من أين تأتي؟ وكيف نفهمها؟


تمثل الهندسة الكسورية (الفركتلات) قمة المفارقة، ففي حين تراها بسيطة بشكل لايُصدق تكون بغاية التعقيد. حديثة الظهور وبنفس الوقت “أعتقُ في الدنيا من الحِنطه” (1). ماهي الفركتلات؟ من أين تأتي؟ ولماذا يجب أن نهتم لأمرها؟ من حقكم أن تسألوا هذه الأسئلة ونعدكم بالإجابة لو تابعتم هذه السلسلة البالغة 5 مقالات والتي نترجمها وننشرها تباعاً على صفحتنا. حيثما تُذكر الفركتلات يُذكر بنوا ماندلبورت. ذلك الإحصائي البايلوجي الرياضي الإقتصادي متعدد الإهتمامات والمعارف. يعتبر ماندلبورت أول من إعتمد إسم الفركتلات (Fractals) والتي يقابلها في العربية (كسورية). وللكلمة أصل لاتيني (fractus) والتي تعني غير منتظم أو مجزأ، وذلك في العام 1975. هذه الأشكال غير النظامية والمجزأة بكل مكان حولنا، فهي عبارة عن شكل يتكون من تكرار مستمر لنمط (أو شكل) بسيط جداً، ليزداد الشكل الإجمالي تعقيداً وثراءاً كلما زادت مرات التكرار.
واحد من أقدم الحوادث التي ظهرت بها الفركتلات بصورة جلية، كانت قبل أن يتم استخدام هذا المصطلح حتى. وذلك عندما أثبت عالم الرياضيات الإنكليزي لويس فراي ريتشاردسون (Lewis Fry Richardson) في أوائل بدايات القرن العشرين، إن الطول الدقيق للساحل الإنكليزي يعتمد على وحدة القياس التي ستعتمدها لقياس طوله، على سبيل المثال لو استخدمت وحدة قياس طولها ياردة واحدة سوف تتجاوز كل التفاصيل التي تكون دقتها أقل من ياردة كمثل الإنحنائات الدقيقة التي تظهرها وحدة قياس طولها قدم واحد والتي بدورها ستتجاوز بعض التفاصيل والإنحنائات التي ستظهرها وحدة قياس طولها بوصة واحد وهكذا يستمر الأمر كلما صُغرت وحدة القياس تظهر تفاصيل جديدة تعطي طولاً أكبر لخط الساحل غير المنتظم و”المتكسر”. وبما إن هذه الزيادات تبقى مستمرة كلما صغرت وحدة القياس سنصل لنتيجة صادمة وهي إن طول الساحل الإنكليزي هو طول غير منتهي! (2)الأمر نفسه نراه في منحني أو “ندفة الثلج” الإفتراضية التي يطلق عليها “ندفة ثلج فان كوخ” إسم الرياضياتي هليج فان كوخ (Helge von Koch) بالإمكان الإطلاع بصورة رياضية تفصيلية على هذا الشكل في الرابط المرفق في(3). ندفة ثلج فانكوخ عبارة عن مثلث متساوي الأضلاع، تُطبق عليه عملية تكرارية بسيطة تقوم على تجزية كل من أضلاعه الثلاثة بكل مرة إلى 3 قطع ورسم مثلث مشابه ومتناسب بدل القطعة الوسطية. بإمكانكم متابعة عملية التكرار في الصورة المتحركة (هنا) وهذه العملية تُنتج بمرور الزمن منحني غير نهائي الطول لكن الغريب بالأمر إن هذا المنحني غير نهائي الطول يُحيط دائماً بمساحة منتهية القياس يمكن تحديدها بدقة وهي بكل حال من الأحوال لايمكن أن تتجاوز بمساحتها مساحة الدائرة المحيطة بالمثلث الأصلي والتي تقع رؤوسه الثلاثة على محيطها. هل ترى هذا غريباً ولايُصدق؟ منحني غير منتهي يحيط بمساحة منتهية! أنت إذن لم تتعرف كفاية على عالم الفركتلات بعد! (4) تلقف بنوا باندلبورت هذه الأفكار وقادنا برحلة سنسبر من خلالها أغوار الأبعاد الكسورية ونتعرف على عالم المفارقات الغريب هذا؟ لكن لو إن بدايات الفركتلات كانت منذ مطلع القرن العشرين فلماذا لم يُشاع ذكرها إلا في السنوات ال30 الأخيرة فقط؟!تابعونا في الحلقات القادمة لنتعرف على المزيد.

======================
(1) بين علامتي التنصيص عجز بيت شعري لإبن الرومي يهجو إحداهن “قميئة الخَلق على أنها ** أعتقُ في الدنيا من الحِنطه” وإضافته إجتهاد من المترجم.

(2) من له إطلاع على الفيزياء يعلم إننا لن نستطيع تصغير وحدة القياس لأصغر من طول بلانك البالغ 10^-44 جزء من المتر لأن الأطوال في الفيزياء هي مضاعفات لهذه الكمية الأساسية من الطول فلايوجد طول واقعي قياسه نصف أو ربع طول بلانك. لكن سنحصل فعلياً على ساحل لانهائي لو كنا نمتلك مكان كلاسيكي متصل غير مكمم أي قابل للتقسيم لعدد لانهائي من المرات كما يُفترض ذلك في بعض الفضاءات الرياضية. (المترجم)

(3) لمحاولة فهم منحني وندفة ثلج فان كوخ بصورة رياضية: هنا

(4) تكمن المفارقة في ندفة ثلج فان كوخ بكون محيط الشكل يكون طوله على شكل متسلسلة بمجموع غير محدد فيما تكون المساحة مقيدة بمساحة الدائرة المحيطة بالمثلث ولاتتعداه مهما استمرت عملية التقسم بسبب إن زيادة المساحة تتقارب بصورة سريعة جداً للصفر. بالإمكان إستشفاف ذلك من الشكل المتحرك المرفق في المقال.

====================
السلسلة كاملة:

الحلقة الخامسة
المقال باللغة الإنكليزية: هنا
مصادر المقال الأصلي: هنا

عن

شاهد أيضاً

هل الرياضيات مُكتَشَفة ام تم اختراعها؟

الرياضيات هي لغة العلم التي مكّنت البشرية من إحداث تطورات غير اعتيادية في مجالات التكنولوجيا. …

هل أنتَ سيءٌ في الرياضيات؟ ربما عليك بإلقاء اللوم على والديك

إعتادَ الناسُ السيئونَ في الرياضيات على لومِ آبائِهم وأُمهاتهم، ووفقاً لدراسةٍ حديثة، فرُبما هم محقون …